البلوك تشين والأسواق المالية: هل ستدفع أجهزة الكمبيوتر الوسطاء للخروج من السوق؟

حقق سام بانكمان فرايد رقمًا غير متوقع لدى اعتلائه منصة مؤتمر صناعة المشتقات لهذا العام في يومه الأخير، والذي عُقد في مدينة بوكا راتون، فلوريدا. بدا الرئيس التنفيذي لشركة إف تي إكس البالغ من العمر 30 عامًا أشبه بطالبٍ غادر سريره للتو ليتناول طعام الإفطار في كافيتريا كليته، أكثر من كونه رئيسًا لبورصة دولية للعملات المشفرة تُقدر قيمتها بحوالي 32 مليار دولار، حيث ظهر مرتديًا قميصًا رماديًا وسروالًا قصيرًا كاكيًا وحذاءً رياضيًا، بينما كان شعره المجعد غير مسرّح.

بل واشتد التناقض في هذه الفعالية التي أطلقتها جمعية العقود المستقبلية “Futures Industry Association” عندما انشغل بانكمان فرايد بدردشة مع أليكس رودريغيز، نجم البيسبول الأمريكي المتقاعد والمذيع ومدير الأعمال التنفيذي الشهير باسم إيه رود. وقد كان مظهر إيه رود بطوله الفارع الذي يتجاوز طول محاوره بستة إنشاتٍ على الأقل، وبلياقته البدنية رغم بلوغه سن السادسة والأربعين وببدلته الغامقة وقميصه الأبيض وربطة عنقه الأنيقة بلونها البارز يليق بمظهر شخصيةٍ شهيرة على السجادة الحمراء، ولا عجب فقد كان في السابق خطيب المغنية الشهيرة جنيفر لوبيز.

ورغم ذلك، إلا أنه بدا وكأنه خارج نطاق دائرته تمامًا.

في الواقع، كان بانكمان فرايد قد سرق الأنظار بالفعل في اللقاء الذي عُقد في شهر آذار/مارس، حينما قدّم مُقترحًا غير مسبوق للمنظمين الأمريكيين لأتمتة إدارة المخاطر في الأسواق المالية باستخدام ممارسات يتم تطويرها خصيصًا للأصول الرقمية. وقد أعلنت إف تي إكس عن خطتها للبدء بسوقٍ صغيرٍ مختص بعقودٍ آجلةٍ مدعومة موجهة للعملات المشفرة. إلا أنها في نفس الوقت تطرح إمكانية إيجاد عالَمٍ جديدٍ يتسم بالشجاعة ويتم فيه استبدال الوسطاء التقليديين بأجهزة الكمبيوتر، بينما تتولى الآلات إطلاق نداءات الهامش او “المارجن كول” في تداولات تتم على مدار 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع.

وأثناء مقارنة الملاحظات مع رودريغيز، تمسك بانكمان فرايد برؤية مستقبلية، معربًا عن رأيه بإسهاب حول ما وصفه “بالتجربة الجميلة حقًا” والمتمثلة باستخدام بعض البروتوكولات الجديدة التي يتم تطويرها حول البلوك تشين، وهي تقنية دفتر الحسابات الموزع التي تدعم العملات المشفرة. وبمجرد انتهاءه من الحديث، أصبح اللاعب السابق في فريق نيويورك يانكيز أحد معجبيه، حيث وصفه قائلاً: “هذا الرجل ذكي للغاية”.

كان الاستقبال الحار الذي لقيه ذاك الشاب الذي يرتدي سراويل قصيرة من قبل مرتدي البدلات الرسمية في الحدث الذي أُقيم في فلوريدا مفاجأة.  ولا شك بأن بانكمان فرايد وصناعته مثيران للجدل، فهو مواطن أمريكي تم الاعتراف به عدة مرات بوصفه ملياردير ذي ملاءة عالية بحسب قيمة أصوله المقيدة وملكيته لحصة الأغلبية في بورصة تشفير دولية تم تأسيسها في أنتيغوا وبربودا وتعمل بترخيص صدر في جزر الباهاما، علمًا بأنه لم يتم الكشف مطلقًا عن مقدار ملكيته بالضبط. يتكون مجلس إدارته ثلاثة أشخاص، ويضم مديرًا خارجيًا ومحاميًا في موطن الشركة الأم.

وتواجه الأعمال المشفرة رياحًا معاكسة على جبهاتٍ متعددة.  قال جاري جينسلر، رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، أن هناك “قدرًا كبيرًا من المغالطات” حول كيفية عمل الأصول الرقمية ونقص حماية المستثمرين في أسواق “الغرب المتوحش” حيث يتم تداولها.  تساءلت السلطات الصغرى عن كيف يمكن للقطع النقدية التي تحمل اسماء كلاب صغيرة أو الرموز غير القابلة للاستبدال التي تصور قردةً تشعر بالملل أن تكون ذات قيمةٍ كبيرة.  الآمال التي كانت معقودة على أن يتم توظيف عملة البيتكوين بوصفها نوعًا من الذهب الرقمي قوضتها تحركات الأسعار التي يصعب تفسيرها خلال الأزمات.

ومع ذلك، أحدث بانكمان فرايد ضجةً كبيرة في بوكا عندما لم يولٍ تركيزًا كبيرًا ما يتم تداوله في البورصات مثل إف تي إكس، وصبّ جل تركيزه على كيفية التداول- مما يعني أن الذهب قد يكون جزءًا من عملية التصريف المالي الجديدة نفسها بدلاً من التركيز على ما يتدفق من خلالها. وقد اتخذ بانكمان فرايد في هذه العملية نهجًا مختلفًا تمامًا في التعامل مع الحكومة مقارنةً مع إخوانه الأكثر شراسة في مجتمع العملات المشفرة ذي الميول التحررية. كما دعا إلى إعمال الإشراف وسعى إلى إجراء حوارٍ مع المنظمين- والذي حصل عليه بالفعل.

وفي خطابٍ ألقاه في نفس المؤتمر، تحدث روستين بهنام، رئيس لجنة تداول السلع الآجلة الأمريكية التي تنظم أسواق المشتقات، عن مُقترج إف تي إكس، وبينما تعهد في خطابه بأن “يتم تناول هذا الطلب بكل حرص وصبر وتأني،” أعرب بهنام أيضًا عن إعجاب الجمهور بالأفكار التي طرحها بانكمان-فرايد في عرضه.

وقال بهنام: “يمثل الطلب اقتراحًا مبتكرًا يستحق الخضوع لدراسة متأنية”، وأضاف قائلاً: “ليس لعملنا أيُّ صلةٍ على الإطلاق باختيار الرابحين أو الخاسرين في الصناعة، ولا ينبغي أبدًا أن يكون كذلك. السوق والعميل فقط هما من يمكنهما القيام بهذه المهمة.”

التداول ليلاً ونهارًا

مهدت لجنة تداول السلع الآجلة (CFTC) بنفسها المشهد لظهور النجم بانكمان فرايد قبل خمسة أيام فقط من المؤتمر.  وأصدرت طلبًا في 10 آذار/مارس التعليق بصورة علنية على مُقترح قدمته ذراع المشتقات الأمريكية لشركة إف تي إكس بخصوص السماح لبورصة أمريكية صغيرة للعقود الآجلة اشترتها العام الماضي بتقديم عقود آجلة برافعة مالية.

وتتصف المنتجات التي تقدمها تلك الشركة للمستثمرين الأفراد حاليًا- باستخدام لغة الصناعة ذاتها- بأنها “مضمونة بالكامل”، مما يعني أن إف تي إكس لا تتحمل أي مخاطر ائتمانية.  الفرق شاسع عندما يتعلق الأمر بالعقود الآجلة ذات الرافعة المالية، فهذه العقود تتيح للمستثمرين اتخاذ مراكز كبيرة مع وضع جزءٍ بسيط من قيمة التداول، والمعروف باسم الهامش، جانبًا.  الرافعة المالية تعني أنه باستطاعة المستثمرين تحقيق المزيد من الفوائد مقابل أرباحهم فيما لو سارت الأمور على ما يرام.  تضمن وظائف الهامش عدم انتقال الرهان المحبط والتعثر عبر النظام المالي.

ويتمثل الجزء الجديد في مقترح إف تي إكس بكيفية تعاملها مع الهامش، ففي أسواق اليوم، يقوم الوسطاء المعروفون باسم تجار عمولات العقود الآجلة بجمع الهامش والتأكد من امتلاك العملاء ما يكفي منه لدعم مراكزهم.  وفي حالة عدم امتلاك العملاء لمقدارٍ كافٍ من الهامش، يطلب هؤلاء التجار المزيد من المال ليتم توفيره عادة بين عشيةٍ وضحاها، أو تقديم أموال لعملاء خاصين بما يضمن بقائهم في اللعبة.

يساهم تجار عمولات العقود الآجلة أيضًا في ضمان الأموال في غرف المقاصة- أي الأطراف الخارجية التي تقف بين مشتري وبائعي العقود الآجلة – من أجل “تبادل” الخسائر في حالة حدوث تعثرٍ كبير.  ووفقًا للجنة تداول السلع الآجلة، يملك تجار عمولات العقود الآجلة 456 مليار دولار من أموال العملاء، وأكبر هؤلاء التجار هم ذراع لكبريات الشركات من أمثال جي بي مورجان تشيس وجولدمان ساكس.

تسعى إف تي إكس إلى تجاوز الوسطاء واستخدام نهجٍ تطوّر باضطراد في عالم التداول الذاتي بالعملات المشفرة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. وفي هذا العالم تحديدًا، تتحرك الأصول الرقمية على شبكات الكمبيوتر لا تُحدد أوقات فتحٍ أو إغلاق، ولا تستخدم أي تقنيات تقليدية لحماية البوابة التي كانت تتطلبها التقنيات القديمة.

وفقًا لخطة إف تي إكس، يودع العملاء ضمانات في الحسابات المفتوحة في منصة إف تي إكس- نقديةً كانت أم مشفرة – ويكونون مسؤولين عن الاحتفاظ بما يكفي لتغطية متطلبات الهامش في جميع الأوقات. ويتم لهذا الغرض احتساب مستويات الهامش كل 30 ثانية، فإذا انخفض الهامش انخفاضًا شديدًا، ستباشر إف تي إكس بتصفية المركز في ثوانٍ، أو بيعه بزيادات قدرها 10 في المائة أو-في أسوأ السيناريوهات- عرضه على “مزودي السيولة الاحتياطيين الذين يوافقون مسبقًا على قبول مبلغٍ محدد.”  كما وعدت إف تي إكس بوضع 250 مليون دولار نقدًا في صندوقٍ مخصصٍ للضمان.

يحتج مسؤولو FTX بأن الممارسة الحالية المتمثلة في طلب الهامش توجد عالماً من الائتمان غير المضمون، يأمل فيه تجار عمولات العقود الآجلة بيصورةٍ أساسية أن يدفع العميل في مرحلة ما. ويضيف هؤلاء المسؤولين أن نظامهم الآلي سيكون أكثر أمانًا، حيث ستكون عمليات التصفية أكثر تواترًا، لكنها في نفس الوقت أقل تدميرًا. ولإثبات حجتهم، أشاروا إلى قدرة البورصة الدولية التي لم يتجاوز عمرها ثلاث سنوات على الصمود في وجه التقلبات الشرسة في أسعار الأصول الرقمية.

وفي مقابلةٍ له مع الفاينانشال تايمز، قال بانكمان فرايد: “من منظور المخاطرة، وهو أمرٌ يضل طريقه بين دهاليز المناقشات، أعتقد أن مقترحنا، في بعض النواحي، أكثر تحفظًا بكثير… مقارنةً بالمعتاد.”

يقول دون ويلسون الرئيس التنفيذي لمجموعة دي آر دبليو، إحدى أكبر المتداولين في المشتقات في العالم، إن مجموعته كانت “تتداول بهذه الطريقة لبعض الوقت في مجال العملات الرقمية” وقد نمت هذه الطريقة لتصبح نشاطًا يُمارس على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.  نظرًا لإمكانية تحريكه في جميع الأوقات، يُعد التشفير ضمانًا في غاية السهولة للمتداولين ذوي الرافعة المالية الذين يتطلعون إلى اتخاذ إجراءاتٍ سريعة في الأسواق.

ويقول أن “من بين الأمور التي تتيحها تقنية البلوك تشين إمكانية تبادل الضمانات في الوقت الفعلي على نحوٍ أكثر كفاءة.  بمجرد أن تكون لديك القدرة على نقل الضمانات بطريقة فورية تقريبًا، ستتمكن من إعادة التفكير في طريقة تعاملك مع الهامش.”

ويشرح قائلاً: “علينا إدارة الضمانات في الوقت الفعلي، ولم يتم أبدًا إغلاق أيٍّ من مراكزنا [المسيلة]”.  ويضيف: “الأشخاص الذين لا يملكون هذه الضمانة يتم إغلاق مراكزهم وهذا أمرً جيد، حيث إنه يقلل من المخاطر النظامية وبمجرد وصولك إلى القدرة على إغلاق المراكز بكفاءة عالية.. فهل ستحتاج حقًا عندئذ إلى وسيط؟ “

التخلص من حماة البوابة

تلقت قضية الوساطة البشرية في أسواق العقود الآجلة ضربة حقيقية في الوقت الذي شهد التقاء مسؤولي الصناعة في بوكا راتون. وأوقفت بورصة لندن للمعادن تداول النيكل لمدة أسبوع عبر المحيط الأطلسي – وألغت يومًا كاملاً من التداولات – بعد أن خلّف رهانٌ كبير على الهبوط قام به عملاق المعادن الصيني شيانغ جواندا نتائج عكسية تاركًا إياه في مواجهة نداءات ضخمة للهامش.  استؤنف النشاط فقط بعد أن أبرم شيانغ اتفاقية مع الأطراف المصرفية المقابلة من أمثال جي بي مورجان وستاندرد تشارترد للإبقاء على مركزه مفتوحًا.

كشفت هذه الكارثة عن وجود فجوة في الدفاعات التي أقامها المنظمون العالميون استجابةً للأزمة المالية التي شهدها عام 2008 والدور الذي تولاه تداول المشتقات المبهمة فيها.  مارس المسؤولون الضغط لإعمال مزيدٍ من المقاصة المركزية على التاولات وتطبيق متطلبات أكثر صرامة على الهامش لدعم للنظام.  إلا أن المنظمين لم يكونوا قادرين أبدًا على إنشاء لوحة تحكم لإدارة المخاطر في الوقت الفعلي من شأنها أن تتيح لهم اكتشاف ناشطٍ كبيرٍ في السوق يقوم ببناء مركز رافعة كبير إلى حدٍ يتسم بالخطورة.

وفي الوقت الذي كانت فيه بورصة لندن للمعادن تتخبط، كانت إف تي إكس تقدم عرض مبيعات في توقيت جيد مكنها من سد الفجوة.  وقد زعمت إف تي إكس أن الجهات التنظيمية ستتمكن من تسجيل الدخول إلى موقعها على الويب والاطلاع على “المبلغ الإجمالي للمخاطر في النظام.” وقال بانكمان فرايد أنه يمكن مشاركة بعض هذه البيانات مع الجمهور،

معلقًا على ذلك بقوله: “أعتقد أنه سيكون من الرائع أن يكون لديك لوحة تحكم عامة ستجعل جزءًا كبيرًا من هذا الأمر أكثر وضوحًا. نحن نعلم مقدار الضمانات الموجودة في النظام بالضبط، وهي في عهدتنا. لدينا مقاييس داخلية ولدينا إنذارات تنطلق إذا طرأ تغيير ٌ داخلي على ذلك. نحن فقط لم نعلنها.”

كما أن الاضطرابات في أسواق السلع التي جاءت في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا أعطت إف تي إكس فرصة لدعم مقترحها حول التداول على مدار الساعة.  وفقًا للشركة، فإنه على الرغم من أن ذلك قد يؤدي إلى تدمير التوازن بين العمل والحياة بالنسبة للمشاركين في الصناعة، إلا أنه سيسمح للمستثمرين والنظام المالي بالتكيف بأسرع ما يمكن مع اندلاع الحرب أو الكوارث الأخرى.

يقول بانكمان فرايد: “ليس المقصود أن الانتظار حتى يوم الإثنين يعني عدم وجود أي مخاطرة خلال عطلة نهاية الأسبوع. هناك مخاطرة بالفعل، إلا أنك تعمدت عدم الالتفات إلى هذا الأمر. بمكن أن تحظى بفرصة تقليص نسبة الاستدانة بصورة مستمرة، لست مضطرًا للمعاناة من وجود هذه الفجوات الممتدة لثلاثة أيام يمكن أن تندلع خلالها الحرب.”

إلا أنه لا يمكن القول بالطبع بأن الجميع بهذا القدر من الحماس. يقول كريج بيرونج، أستاذ التمويل بجامعة هيوستن، إنه يخشى أن يثبت نهج إف تي إكس الميكانيكي “تزعزع الاستقرار”، مما يؤدي بدوره إلى تفاقم تحركات السوق في أي من الاتجاهين، وربما يوجد فرصًا للجهات الفاعلة سيئة النية للتلاعب بالأسعار على أمل تحفيز عمليات التسييل. ويقترح أن تضيف لجنة تداول السلع الآجلة وسيلةً “لامتصاص الصدمات” في نظام إف تي إكس لإبطاء الحركة عند الضرورة،

معللاً ذلك بقوله: “يمثل ذلك سلاحًا ذي حدين. ينطوي الأمر على مقايضة أو تبادل للأفضليات. ينبغي أن نسمح بالابتكار، ولكن يجب الاعتراف بالمشكلة المحتملة التي ترافق هذا الابتكار ويجب أن تستعد لجنة تداول السلع الآجلة للتخفيف من حدتها.”

أشارت اللجنة إلى أنها ستأخذ وقتها في تقرير ما ينبغي فعله في هذا الصدد.  وفي إشارةٍ إلى الجدل المحتدم الذي ستشهده الفترة القادمة، قامت الجهة التنظيمية بتمديد فترة التعليق الأصلية على مُقترح إف تي إكس لمدة 30 يومًا، لغاية 11 أيار/مايو. ويتساءل المشاركون في السوق بالفعل عن مدى موثوقية خطة إف تي إكس لمقدمي السيولة الاحتياطية أو ما إذا كانت ستؤدي إلى تركز المخاطر في أيدي عدد قليل جدًا من الأشخاص.  نظرًا لاستخدام المزارعين ومربي الماشية للعقود الآجلة في التحوط من المخاطر، يمكن أن يكون للمصالح الزراعية ثقلاً أكبر في التأثير، مما سيعقد الأمور من الناحية السياسية.

تجار عمولات العقود الآجلة هم بطاقات بديلة أخرى، ويبذل مسؤولو إف تي إكس قصارى جهدهم ليقولوا أن المستثمرين الذين يرغبون بالاحتفاظ بوسطائهم يمكنهم التداول من خلالهم في البورصة الخاصة بهم. ولا تقصد إف تي إكس الإيحاء بأنه “لمجرد أننا نسمح بعدم الوساطة، فإننا لا نجعل من عدم الوساطة شرطًا لازمًا،” كما يقول بريت هاريسو، رئيس FTX.US.

إلا أنه من غير المرجح أن تكون الأطراف الفاعلة التقليدية سعيدة بهذا الأمر. وبعد فترة طويلة من الانخفاض – حيث انخفض عدد تجار عمولات العقود الآجلة من 178 في نهاية عام 2005 إلى 61 في أحدث استطلاع أجرته لجنة تداول السلع الآجلة- تتطلع توقعات الأعمال إلى تحسن الوضع عمومًا. يقول كارل جيلمور، رئيس شركة “إنتغريتاس فاينانشال كونسلتنغ” أن الارتفاع في أسعار الفائدة سيجعل الاحتفاظ بأرصدة العملاء أكثر ربحية، مضيفًا: “لا تتفاجأ إذا رأيت مجموعة من تجار عمولات العقود الآجلة يشكون من هذا الأمر في الأسابيع القليلة المقبلة.”

معركة التنظيم

يصرف النظر عما يحدث، فإن مقترح إف تي إكس والجدل الذي أثارته يمثلان مرحلة جديدة في الدراما القائمة حول تنظيم العملات الرقمية، والتي حتى هذه اللحظة أعادت إلى الأذهان كتاب صموئيل بيكيت “في انتظار جودو”، على الأقل في الولايات المتحدة.

وفي أمر تنفيذي صدر بشأن العملات المشفرة هذا العام، أشار جو بايدن إلى تصميمه على تنظيم الصناعة- وإلى التأخيرات التي ستشهدها الفترات القادمة. كان الإعلان الذي أصدره الرئيس مقصرًا من حيث التفاصيل ومطولاً من حيث الدراسات، ستمر شهورٌ عدة قبل أن تظهر مقترحات مفصلة من جانب إدارته. على الرغم من وجود مجموعة من المشرعين يمثلون الحزبين تتناقش حاليًا مسألة كيفية التعامل مع العملات المشفرة، إلا أن صدور الإجراء النهائي في الكابيتول هيل سيستغرق وقتًا.

نتيجةً لذلك، لا يوجد جهة تنظيمية واحدة في الولايات المتحدة تشرف على السوق الفورية في الأصول الرقمية. وفي الوقت الذي تظهر فيه لجنة تداول السلع الآجلة اهتمامًا بالمشتقات المشفرة، هناك جدل محتدم حول تأكيد جينسلر أن العديد من العملات المشفرة هي أوراق مالية بموجب قانون الولايات المتحدة، مما يجعلها لعبة عادلة لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية. تعمل معظم بورصات العملات المشفرة في الولايات المتحدة من خلال تراخيص أجهزة تحويل الأموال.

قال بانكمان فرايد، وهو ابن اثنين من أساتذة كلية الحقوق بجامعة ستانفورد: “هل نرغب في أن يقر الكونجرس مشروع قانون يوضح كل شيء؟ نعم بالتأكيد… لكن ذلك قد يستغرق سنوات.”

في غضون ذلك، أخضت إف تي إكس الأمور التنظيمية على عاتقها. فقد اقترح بانكمان فرايد بالفعل على الكونجرس أن تكون لجنة تداول السلع الآجلة هي الجهة المنظمة لجميع الأصول الرقمية في الأسواق الفورية والمشتقات في الولايات المتحدة. من خلال اقتراحها إلى اللجنة المذكورة، تحث إف تي إكس منظمها المفضل على اتخاذ إجراءٍ يمكن أن يضع قواعد أساسية للمتداولين.

يقول بانكمان فرايد: “نرغب بمزيدٍ من الوضوح حول الطريقة السليمة للحصول على ترخيص وتسجيل الأصول الرقمية.” “أعتقد أن هذه محاولة من طرفنا للعثور على ما يبدو وكأنه أفضل إشرافٍ يمكن تقديمه في هذا الصدد، بالنظر إلى الهيكل القائم حاليًا.”

أطلق بانكمان فرايد منصة إف تي إكس منذ ثلاث سنواتٍ فقط، حيث أنشأ بدايةً بورصة دولية ثم بورصة للمستخدمين في الولايات المتحدة. تتجاوز قيمة العملية الدولية الأكبر حاليًا قيمة دويتشه بنك أو كريدي سويس، بناءً على تقييمها البالغ 32 مليار دولار في جولة التمويل لشهر كانون الثاني/يناير والتي شملت سوفت بنك الياباني وخطة تقاعد المعلمين في أونتاريو كندا.

على الطريق القادم من بوكا راتون، يلعب فريق ميامي هيت التابع للاتحاد الوطني لكرة السلة في ملعب إف تي إكس، بينما يتولى “لاري ديفيد” دور البطولة في إعلانات الشركة التجارية. بل أن الرئيس التنفيذي لشركة إف تي إكس يفكر في تحقيق نموٍ هائل يكفي لشراء جولدمان ساكس.

أوضح بانكمان فرايد حجم طموحاته للمسؤولين الذين يتولون دراسة مقترحه، وفي خطابٍ أرسله أحد محاميه الداخليين، وهو أحد الموظفين السابقين لدى لجنة تداول السلع الآجلة الذين يعملون حاليًا لدى إف تي إكس، إلى المنظمين في شهر شباط/فبراير، تم إخطار الحكومة بأنه قد بدأ للتو في تحقيق مخططه،

حيث كتب بريان موليرين، المستشار العام للمشتقات الأمريكية في إف تي إكس: “تخطط إف تي إكس لقيادة أسواق العقود الآجلة في الولايات المتحدة نحو القرن الحادي والعشرين.”

اقرأ أيضا..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.