كلمة طارق عامر محافظ البنك المركزي خلال المؤتمر المصرفي العربي لعام 2022

افتتح طارق عامر، محافظ البنك المركزي، المؤتمر المصرفي العربي لعام 2022 بعنوان “تداعيات الأزمة الدولية وتأثيرها علي الأوضاع الاقتصادية في المنطقة العربية” تحت البنك المركزي، وحضور جمال نجم نائب محافظ البنك المركزي، والشيخ محمد الجراح الصباح رئيس اتحاد المصارف العربية، وقيادات البنوك المصرية والعربية.

وتنشر “فنتك جيت”، الرسائل الأساسية التي وردت بكلمة محافظ البنك المركزي في افتتاحه المؤتمر صباح اليوم.
وقال محافظ البنك المركزي، إن المصارف العربية أصبحت فخرًا لبلادنا ومجتمعاتنا وشعوبنا، بما تمتلكه من كوادر وقيادات على مستوى عال من الجدارة، إذ مثلت على مدار العقود الماضية، صمام الأمان والاستقرار النقدي من خلال دورها المتميز والمتداخل في جميع نواحي الحياة.

وأوضح أن قيادات البنوك المركزية العربية، نجحت على مدار السنوات الماضية في تحقيق الاستقرار النقدي والمالي، من خلال الحفاظ على مستويات مقبولة من التضخم بما يحمي مقدرات الشعوب العربية.
وتابع: كما أصبح دور المصارف كبير ومعقد ومتنامي الأطراف، بحيث أصبح يمس حياة الأفراد والمؤسسات والشركات سواء فيما يتعلق بالتمويل أو المعاملات الدولية والتجارة الدولية وإدارة وتوزيع النقد وإدارة أسواق المال الدولية، كما عملت تلك المصارف طوال السنوات الماضية على تطوير البنية التحتية لمواكبة التطورات العصرية الحديثة في نظم الدفع.

وذكر أن الدول جميعها تعرضت خلال السنوات الماضية لصعوبات وتحديات اقتصادية غير مسبوقة، مما أتاح لنا الفرصة لإعادة تشكيل سياساتنا للاستجابة لهذه التحديات ومواجهتها، بفضل القيادات المتميزة التي يمتلكها القطاع المصرفي، كما أنه لاشك لدى أننا سنتجاوز الأزمة الحالية المستوردة من الخارج بفضل الخبرات الكبيرة التي تم بناؤها على مدى العقود الماضية.

تابع: نحن في مصر لديها الثقة على تجاوز الأزمة الراهنة حيث نتعامل معها بكل قوة وشجاعة وجرأة من خلال إجراءات استباقية، فعلى مدار الفترة الماضية نجح برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري في تحقيق العديد من المكتسبات وعلي رأسها رفع كفاءة مؤشرات الاقتصاد الكلي لمصر؛ وهو ما مهد الطريق لمواجهة أيه تحديات واضطرابات اقتصادية قد تطرأ نتيجة لعوامل خارجية بالأساس، حيث كان لمكتسبات برنامج الإصلاح بالغ الأثر في حماية الاقتصاد من التقلبات المفرطة والأزمات.

وأشار عامر إلى أن البنك المركزي ركز منذ انطلاق الإصلاح الاقتصادي حتى الآن على دعم الاستقرار النقدي والمالي خاصة قضية التضخم، حيث يعد التضخم امر هام ووضح جليا في العالم وهو الامر الذي يشغل جميع المجتمعات والشعوب وعندنا في مصر لذلك اعطي المشرع البنك المركزي الصلاحيات لاتخاذ ما يمكن من اجراءات من اجل دعم استقرار الاسعار، فمثلا في عام ٢٠١٦ و ٢٠١٧ قام البنك المركزي برفع اسعار العائد بـ10% و بالفعل تم السيطرة علي التضخم لينخفض من 33% إلى 3.5% .

وبالرغم من مخاوف الكثيرين في ذلك الوقت على تأثير ذلك علي التنمية وخلق فرص العمل ولكن بتقييم الفترة انطلقت مصر في التنمية باعلي المستويات وانخفضت معدلات البطالة إلى حوالي 7.5%.

أستكمل قائلا: “نجد أن المراقبين في كثير من الأحيان يكونون غير موفقين في تقدير المفهوم من وراء الإجراءات واعتقد أنه ربما لأن النظرة تكون قصيرة الأجل ولا تأخذ في الإعتبار الدورة النقدية ونتائجها عندما تكتمل، ولكن آرائهم تبث القلق في المجتمعات وهو الأمر الذي لا يكونن مفيدا أو عمليا، فالسياسة النقدية أمر معقد يحتاج الكثير من الأدوات والعشرات من الخبراء الممارسين وهذه إمكانيات لا يمتلكها سوي البنوك المركزية”.

وأضاف أنه كانت هناك أيضًا تحفظات على سياساتنا بالنسبة لأسعار الصرف إبان أزمة كورونا، والتي حققت فيما بعد نتائج طيبة، وعلى أساسها تم انتخاب البنك المركزي المصري كأحد أفضل ١٠ بنوك مركزية في العالم، وبفضل هذه السياسة نجحنا في جذب السيولة بالنقد الأجنبي والمصري وتحقيق استقرار الأسعار في مصر خلال ثلاثة أشهر فقط، وزادت الثقة في القطاع المصرفي المصري وعلى مدى سنوات، حتى قامت الحرب الأوكرانية وتأثرت سلاسل الإمداد العالمية.

تابع: “لمدة ٥ سنوات حققت سياسة الاصلاح الاقتصادي – التي اعتمدها رئيس الجمهورية عام ٢٠١٦ بناء على توصيات البنك المركزي – استقرار جيدا وتدفقت رؤوس الأموال على الاقتصاد المصري وأصبح لنا مكانة كبيرة في أسواق المال الدولية الضخمة، واستطعنا أن نجذب تمويلا لمصر لمدد وصلت إلى أربعين عاما، وهو ما لم يحدث من قبل”.

ولقد مكنت هذه الأموال الحكومة من توظيفها من أجل تحقيق طموحاتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتنفيذ خطط التنمية غير المسبوقة في مصر.

وأضاف عامر يتعرض الاقتصاد العالمي حاليًا وبالأخص الدول الناشئة في الوقت الحالي لصدمات خارجية متزامنة متمثلة في ارتفاع أسعار كافة السلع والخدمات بشكل غير مسبوق، وارتفاع تكلفة التمويل في ضوء قيام العديد من البنوك المركزية العالمية بزيادة أسعار الفائدة لديها لكبح جماح التضخم المتزايد وبشكل غير مسبوق، بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية السلبية الكبيرة الناجمة عن الأزمة الروسية الأوكرانية والتي ساهمت في وجود مزيد من الارتفاعات فى أسعار الطاقة والسلع الغذائية والمعادن وكذلك تزايد حالة عدم اليقين والذعر من قبل المستثمرين مما أدى الى تراجع وتخارج استثماراتهم من العديد من الدول الناشئة.

ولم تكن مصر مستثناة من هذه التداعيات، حيث تعرضت السوق المصرية لخروج كبير من المستثمرين الدوليين، وارتفاع الضغوط الاقتصادية الناجمة عن التضخم، مما دفع بالبنك المركزي المصري إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستباقية مثل استخدام جزء من الاحتياطي النقدي لدعم الأسواق، وأصدرنا شهادات بفائدة 18%، واخترنا اتخاذ خطوة للحفاظ على سلامة واستقرار السوق في مواجهة الأحداث المتصاعدة – والتي لم تكن ذات طبيعة أو لأسباب محلية بل كانت ذات طابع خارجي تمامًا – حيث احترمنا كل المستثمرين، ومنحناهم حق الخروج بدون أي عوائق أو تأخير، وبعدها تحركنا سريعًا لدعم الاحتياطيات الدولية، وأثبتنا قدرتنا على جمع التمويل من أجل ضمان كفاية الاحتياطيات لدينا.

وفيما يتعلق بالضغوط التضخمية، اتخذ البنك المركزي المصري خطوة سريعة لتهدئة ارتفاع الأسعار الناجم عن العوامل الخارجية مرة أخرى، وذلك من خلال رفع سعر الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس في مارس 2022، والتأكيد على أهمية مرونة سعر الصرف لتكون بمثابة أداة لامتصاص الصدمات والحفاظ على القدرة التنافسية لمصر، وقد ساعد هذا التصحيح البسيط في سعر الصرف في زيادة إيرادات النقد الأجنبي 30%، فنحن اعتدنا على التعامل مع الأزمات بشجاعة وثقة، واتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهتها.

وأكد محافظ البنك المركزي أن أولويات البنك المركزي خلال المرحلة الحالية تتمثل في سرعة اتخاذ كافة السياسات والإجراءات التي تضمن الاستقرار النقدي والمالي، بدعم من قوة وصلابة القطاع المصرفي الذي تعكسه المؤشرات التالية:
o كفاية رأس المال:
 ارتفاع معيار كفاية رأس المال للجهاز المصرفى حيث بلغ في نهاية ديسمبر 2021 نحو 22.5% مقارنة بنحو 14.7% في نهاية 2017 (الحد الأدنى الرقابى المقرر 12.5%)، فالقطاع المصرفي معزز برؤوس أموال قوية.
 تركز كفاية رأس المال في الشريحة الأولى من راس المال والتي بلغت نحو 18.2% من اجمالى الأصول المرجحة باوزان مخاطر (الحد الأدنى الرقابى المقرر 8.5%).
 ارتفاع الرافعة المالية للجهاز المصرفي التي تبلغ نحو 7.3% مقابل الحد الادنى الرقابى المقرر 3%.
o جودة الأصول :
 انخفاض نسبة القروض غير المنتظمة الى اجمالى الأصول لتبلغ 3.5% في اخر ديسمبر 2021 مقارنة بنحو 4.9% في نهاية 2017، في 2003 كانت الديون المتعثرة 45%.
o السيولة :
 ارتفاع نسبة السيولة بالعملة المحلية لدى بنوك الجهاز المصرفي حيث تبلغ نحو 45.4% في اخر ديسمبر 2021 ( الحد الأدنى الرقابى المقرر 20%).
 ارتفاع نسبة السيولة بالعملات الاجنبية لدى بنوك الجهاز المصرفي حيث تبلغ نحو 67.9% في اخر ديسمبر 2021(الحد الأدنى الرقابى المقرر 25%)
 تبلغ نسبة القروض الى الودائع لدى الجهاز المصرفي نحو 48.3% في اخر ديسمبر 2021.

وقال محافظ البنك المركزي إن هذه المؤشرات تؤكد أن جهازنا المصرفي ضخم ويتطور ويدافع عن الاستقرار النقدي والمالي في السوق المصري، ولكي نحقق المؤشرات السابقة، بذل العاملين في البنك المركزي والقطاع المصرفي بذلوا مجهودًا كبيراً، وفي صمت وأنا أحييهم على ما قاموا به لكي نصل بالقطاع المصرفي إلى الوضع القوي الذ هو عليه الآن، كما فقدت البنوك عدد من زملائنا خلال عملهم، وسقطوا ضحية انتشار كورونا ونحسبهم شهداء لخدمة الوطن.

تابع:” نحن حريصين على إصدار تعليمات رقابية من خلال قانون البنوك الجديد، لتحقيق الحوكمة وحماية القطاع المصرفي ودعم نموه وتطوره، ورغم هذه الجهود يحاول بعض المشككين الإدعاء بوجود مشاكل في القطاع المصرفي، في حين أن القطاع المصرفي هو آخر قطاع في مصر يمكن أن تحدث به مشكلة”.

واستكمل قائلا: “إننا نتطلع للمزيد من الحكومة في تطوير وتوسيع عمل الصناعة المصرية حتي يتم تخفيض الفجوة في ميزان التجارة الخارجية، ومما لا شك فيه أن احد العناصر الهامة للاستقرار النقدي هي تماسك صادراتنا، وتحويلات المصريين بالخارج، وايرادات القناة التي شهدت زيادة كبيرة، والاستثمار المباشر، وقدرة الاقتصاد علي التشغيل و النمو قوية”.

ولفت إلى أن ما يواجهنا الآن هو التضخم المستورد، وهو ما نتعامل معه بوسائلنا، وساعدنا في ذلك انتاجنا الضخم من الغاز وهذا وضع لا تتمتع به الكثير من الدول، وساهم في الحماية من تضخم اسعار الطاقة للصناعة والانتاج والافراد، وبالتالي تم حماية الافراد وقطاعات الانتاج والمنتجات المحلية من صدمة اسعار الوقود العالمية.

تابع: في بعض البلاد مدخلات الصناعة قفزت ١٢٢% ولم يحدث ذلك اطلاقا لدينا، والغاز الذي يقدم للمصانع سعره أقل حوالي 4 أو 5 مرات من أسعار الغاز في بعض الدول المتقدمة، بما يعكس حرص الحكومة على دعم الصناعة ودعمها، كما تم أيضًا حماية الصناعة بدعم اسعار الفائدة علي القروض، وبالتالي الصناعة المصرية لديها فرص اعلي في المنافسة الان، وهنا يأتي دور رجال الأعمال لتعزيز الصناعة والاستفادة من المناخ المشجع للاستثمار في السوق المصري والتسهيلات التي تقدمها الدولة لدعم القطاعات الإنتاجية، بهدف تحقيق مصلحة المواطن البسيط وتحسين مستوى الحياة”.

أشار محافظ البنك المركزي إلى أن الأموال المخصصة لإقراض الصناعة والتجارة والزراعة والخدمات بلغت حوالي ٢،٥ تريليون جنيه، وهذه السيولة الضخمة تتحرك في الاسواق وهي روح الاقتصاد، وتعكس قوة الجهاز المصرفي الذي افخر انني انتمى اليه وعملت به ٤١ عاما.

أضاف قائلا: “يجب ألا تجعلنا هذه الأحداث الخارجية وتداعياتها ننسى التطور الكبير الذي شهدته البنوك في مجال التكنولوجيا المالية، وقدرة الجهاز المصرفي على التعامل مع تريليونات العمليات المصرفية خاصة في المناسبات مثل الأعياد وغيرها، مع الأخذ في الاعتبار مراعاة كل اعتبارات التوسع في تقديم الخدمات المالية مثل توفير الأمن السيبراني الذي أنفقنا عليه استثمارات ضخمة”.

تابع: “لقد عززنا نظامنا المصرفي واستقرارنا المالي من خلال تبني التحول الرقمي وتمكين صناعة Fin Tec وتم الاستفادة من الازمات المتتالية للدفع بالتوجه لمجتمع اقل اعتمادا علي النقد حيث بلغت نسبة الشمول المالي ٥٦.٢ في نهاية عام ٢٠٢١ بالمقارنة مع نسبة ٣٣٪ في نهاية ٢٠١٧”.

وأكد طارق عامر أننا تعودنا أن نخوض معارك الاستقرار والدفاع عن مقدرات بلدنا بلا خوف وواجهنا التحديات السابقة بشجاعة ويقين وإيمان راسخ سوف نكون كذلك دائما ونخوض هذه التحديات الناجمة عن الأزمة الروسية الأوكرانية، ونواجهها بشجاعة وثقة مستحضرين الرصيد الحضاري لهذا الشعب والشعوب العربية وقدرتها على تجاوز التحديات مهما كانت ومهما بلغت من قوة.

تابع: سننطلق بكل قوانا في معركة التنمية وبناء مصر، نسير والرئيس عبد الفتاح السيسي أمامنا من أجل المصلحة العليا للبلاد، فليوفقه الله وليوفقنا من أجل بلدنا العزيز ومجتمعاتنا العربية”.

اقرأ أيضا..