شركات التقنية المالية في مواجهة مع الأرقام الحقيقية بسبب صعوبة الحصول على الأموال

على مدار الخمسة أعوام السابقة، خاضت مجموعة من شركات التقنية المالية جولات تمويل متتالية، ووصل تقييم هذه الشركات إلى أعلى المستويات، وأعلنت شركة Klarna السويدية العاملة في مجال الشراء الآن والدفع لاحقًا عن طموحاتها في أن تصبح مثل شركات Ryanair وتسلا وأمازون في هذا القطاع.

أما الآن ومع رفع البنوك المركزية أسعار الفائدة في محاولة للتغلب على التضخم المتزايد، تحاول Klarna الحصول على تمويل جديد بتقييم يقل عن النصف، بعد أن كانت الشركة قد وصلت إلى أعلى تقييم لها بقيمة 46 مليار دولار أمريكي. إضافةً إلى أن شركات التقنية المالية مضطرة إلى التصالح مع عالم لم يعد التوسع فيه مستمدًا من القروض الميسرة ونماذج الأعمال لا بد أن تكون مصحوبةً بالأرباح.

تجدر الإشارة إلى حصول شركات التقنية المالية على مبالغ تمويل قياسية في 2021، إلا أن كثير من الشركات الآن تكافح من أجل الحصول على تمويل جديد وتتفاوض على بيع نشاطها أو القبول بتقييم أقل لتتمكن من الصمود والوفاء بالتزاماتها وفقًا لآراء المستثمرين والمحللين والتنفيذيين العاملين في المجال.

يوم الخميس، حصلت شركة SumUp لخدمات المدفوعات على تمويل بتقييم 8 مليار يورو، وهو تقييم أقل بكثير من التقييم السابق للشركة في وقت مبكر من هذا العام والذي وصل إلى 20 مليار يورو.

ومع شد الأحزمة، قد تعتمد وسيلة قياس فرص استمرار شركات التقنية المالية على السيولة الموجودة في ميزانياتها. قال إريك بوتزويت المؤسس والمدير التنفيذي الشريك في تطبيق الاستثمارات الألماني Scalable Capital: “إذا كنت تتوقع نفاد السيولة في شركتك بعد أقل من عام واحد، فأنت في حالة ذعر “.

تضاعفت استثمارات مؤسسات رأس المال المخاطر في هذا القطاع العام الماضي ووصلت إلى 134 مليار دولار، مما أدى إلى تفوق تقييمات شركات التقنية المالية على باقي القطاعات التقنية الفرعية وفقًا لبيانات Crunchbase. وقد وصل التمويل إلى أعلى مستوياته في الربع الثاني من 2021 بسبب دعم المستثمرين مثل Accel وSequoia Capital وSoftBank وBerkshire Hathaway بعض المجموعات مثل مؤسسة الإقراض الرقمي البرازيلية Nubank وشركة السمسرة الألمانية Trade Republic وشركة المدفوعات Mollie الموجودة في أمستردام. في العام الماضي، وصلت نسبة استثمارات رأس المال المخاطر في شركات الخدمات المالية إلى قرابة دولار لكل 5 دولارات.

أما الآن، فقد انهارت تقييمات شركات التقنية المالية العامة بوتيرة أسرع من وتيرة ارتفاعها بسبب التباطؤ الحاد في التمويل في الربع الأول. وانخفضت تقييمات شركات التقنية المالية بحدة أكبر مقارنةً بالقطاعات التقنية الأخرى وفقًا لتقرير حديث أصدرته مؤسسة Andreessen Horowitz partners والذي استشهد ببيانات من Capital IQ. تهاوت التقييمات من 25 ضعف الإيرادات الآجلة في أكتوبر 2021 إلى أربعة أضعاف في مايو.

وفقًا لبيانات CB Insights، انخفض التمويل الذي حصلت عليه شركات التقنية المالية في آخر ربع من العام بنسبة 21% ووصل إلى 28.8 مليار دولار بعد أن كان في أعلى مستوياته (36.6 مليار دولار) في الربع الثاني من العام الماضي.

“كان من السهل على الصناديق التي حصلت على تمويل بمبالغ ضخمة أن تقول، “سوف نضاعف التقييم. ليس من الضروري أن يرتبط التقييم بأداء الشركة”. هذا ما قاله جوناثان كيدان الشريك الإداري في Torch Capital التي استثمرت في شركات تقنية مالية مثل Acorns وCompass. “سوف تظهر الآثار أمام الجميع بحلول الخريف”.

قال أرجون كابور الشريك الإداري في Forecast Labs: “كثير من شركات التقنية المالية جمعت رؤوس أموال وفقًا لتقييمات مرتفعة تعتمد على أهداف نمو طموحة. ومع كل التغيرات في السوق، فإن أغلب الشركات لن تتمكن من تحقيق الأهداف التي حددتها، وهذا يعني أن العمل التجاري لا يساوي التمويل الذي حصل عليه”.

على الرغم من أنه يتوقع تعافي القطاع على المدى الطويل، “فإن كثير من الأعمال التجارية سوف تخرج من السوق إلى أن يحدث ذلك”.

أصبح المستثمرون يشككون في البنوك الافتراضية التي تتعامل مباشرةً مع المستهلكين لأن زيادة التضخم تؤدي إلى انخفاض قدرة الأشخاص على الادخار وزيادة احتمالات التخلف عن السداد. وانخفض التمويل الذي تحصل عليه التقنيات المالية البنكية إلى 48% بقيمة 4.4 مليار دولار في الربع الأول مقارنةً بنفس الفترة من العام الماضي وفقًا لبيانات CB Insights.

قال روبرت لي محلل في مجال التقنيات المالية في PitchBook بأن تشعب التمويل أمر محتمل لأن مؤسسات التقنيات المالية التي تتعامل مباشرةً مع المستهلك تواجه صعوبات، في حين أن المؤسسات التي تبيع البرمجيات إلى الأعمال التجارية الأخرى سوف تكون أكثر استقرارًا. من بين هذه المؤسسات في المملكة المتحدة Thought Machine العاملة في التقنيات المالية للخدمات المصرفية السحابية التي تضاعف تقييمها ووصل إلى 2.7 مليار دولار في آخر جولة تمويل في مايو.

في هذه الأثناء، يفكر التنفيذيون مثل يوريك نايف، المدير التنفيذي في Dutch broker Bux في تأجيل جولات التمويل المخططة، وقال لفايننشال تايمز: “هذه الشركات بما فيها شركتنا يجب أن تركز أكثر على المسار إلى الربحية. إذا كنت تعمل بأسلوب يركز على النمو فقط، سوف تواجهك المشكلات.”

كثير من شركات التقنية المالية التي تخدم المستهلكين في الولايات المتحدة بدأت تخفض ميزانيات التسويق في محاولة للمحافظة على السيولة كما قال ديفيد سوسنا المدير التنفيذي في Personetics التي تقدم رؤى تسويقية في المجال المصرفي. “لا شك أننا بدأنا نسمع بعض (العملاء) يقولون “حسنًا، قد نحتاج التوقف أو التمهل.”

ينصح المصرفيون الشركات بالمحافظة على أكبر قدر ممكن من السيولة للمرور بسلام من عامين من المتوقع أن يكون الحصول على تمويل فيهما أمرًا صعبًا.

قال أحد المصرفيين الكبار في بنك تجاري في الولايات المتحدة: “عندما تضع في الاعتبار الوقت اللازم للحصول على جولة تمويل، فمن المحتمل أن تحتاج فترة تتراوح ما بين 30 و36 شهرًا قبل نفاد السيولة النقدية حتى لا تعود الى المستثمرين وتطلب جولات تمويلية أخرى”. وأضاف: “الشركات القوية للغاية هي فقط التي ستتمكن من الحصول على تمويل بنفس مستويات العام الماضي”.

أما Freetrade شركة السمسرة في المملكة المتحدة والتي وصل تقييمها إلى 650مليون جنيه إسترليني في نوفمبر، فحصلت على تمويل من خلال قرض قيمته 30 مليون جنيه إسترليني الشهر الماضي. وقال المدير التنفيذي آدام دودز في ذلك الوقت إن الهدف من الخطوة دعم ميزانية الشركة دون الحاجة إلى إعادة تقييمها: “الأسواق متقلبة، والتركيز على التقييم في هذه المرحلة قد لا يكون مجديًا”.

إضافةً إلى التقييم المنخفض الذي قد يكون مؤشرًا مربكًا للأسواق ويؤثر سلبًا على الروح المعنوية داخليًا، فإن جولات التمويل المنخفضة قد تحمل معها شروط أكثر صرامة مثل بروتوكولات التصفية المعززة وحماية المساهمين من انخفاض قيمة الأسهم anti-dilution protection، هذا ما قاله توم مايسون محلل المعلومات في S&P Global Market Intelligence.

قال كيدان في Torch Capital إن خيار بيع النشاط التجاري بالكامل بدأت تزداد جاذبيته لكثير من الشركات. فالتغيرات التي طرأت على شروط الخصوصية في Apple أدت إلى حدوث زيادة ملحوظة في تكاليف الاستحواذ على العملاء، وجعلت قواعد العملاء الحاليين أكثر قيمة في الوقت الذي تنخفض فيه تقييمات شركات التقنية المالية. وبدأت مجالس الإدارات بحث المبيعات المحتملة في الربيع.

عمليات الاستحواذ في قطاع التقنيات المالية – في طريقها إلى تحقيق أرقام أعلى مقارنةً بعام 2021 – ومن المتوقع أن تتسارع في الفترة المتبقية من العام بسبب استفادة الشركات المالية التقليدية مثل JPMorgan Chase وMastercard من مجموعات البرمجيات الزهيدة نسبيًا.

يقول مايكل أبوت، مدير الخدمات المصرفية الدولية في Accenture: “أرى إنها تتشكل بسرعة كبيرة الآن.” وأضاف أن الروابط بين البنوك الافتراضية والبنوك الحالية في زيادة مستمرة.

شملت الصفقات المبرمة حتى الآن خلال هذا العام استحواذ UBS علىWealthfront  وشراء Fiserv’s لمؤسسة Finxact.

قال أبوت: “ما يريده المستهلكون هو أفضل ما تستطيع البنوك الافتراضية تقديمه من حيث التجربة والقدرة على توفير المنتجات بسرعة، لكن في الوقت نفسه ما سيحتاجونه في بيئة ترتفع فيها نسبة الفائدة هو ميزانية مصرف”.

ذكر أحد المستثمرين في مؤسسة أسهم خاصة أن المؤسسة تلقت عروض منتظمة من شركات تقنية مالية تريد بيع نشاطها التجاري في الأسابيع الأخيرة لكنهم رفضوا جميع تلك العروض.

” من سيحدد إن كان هذا السعر مناسبًا أم لا؟ ماذا لو أصبح هذا السعر باهظًا جدًا بعد مرور ستة أشهر من الآن؟”

المصدر: ومضة

اقرأ أيضا..