الرأسمالية وخبراؤها.. والسياسات النقدية والمالية

خاص- Fintech Gate بين الحين والأخر يخرج علينا من يطلقون على أنفسهم خبراء إقتصاديون، يتحدثون في كل شئ وبلهجة تبدي وكأنهم يملكون الحلول والشفرات السحرية لحل كل مشكلات العالم، يتحدثون بلسان الراسمالية المصرية ويدلوا بدلوهم في السياسات النقدية و المالية و يكيلون الاتهامات والانتقادات للاقتصاد المصري و سياساته يمينا و يسارا و من كل اتجاه.

و حقيقة يصعب علينا أن نري الصورة مشوشة لدى الرأي العام سواء رجال الإعلام أو المواطن العادي، خاصة أن الموضوعات الإقتصادية والمالية والنقدية لا يتم تناولها بالعمق الكافي و المعرفة المطلوبة.

فلم تسلم سياسات أسعار الصرف و الفائدة و البورصة و ميزانيات البنوك و مراكزها النقدية من كل هذا النقد، وحيث أن الموضوعات عديدة و متشعبة و متداخلة و يتم تناولها منفرطة و متفرقة في حين أن جميعها مرتبطة و متأثرة بعضها البعض ، فسيتم التركيز في سطور قليلة على محاولة توضيح بعض الأساسيات التي لم يتم التطرق اليها.

وقد تلاحظ في كافة المداخلات التي تخرج كل فترة، أنها وتهمل وتتجاهل العوامل الفعلية المؤثرة في السياسات الاقتصادية، ويتم فقط التركيز علي القشور ويجري تناول الموضوعات بشكل سطحي.

علينا أن نذكركم أولا بأن السياسات الإقتصادية الكلية، كانت قد تأسست عبر عشرات السنوات بناء علي توجهات متطابقة مع أفكار هؤلاء الخبراء، الذين نجدهم اليوم غير راضين عن نتائج تلك السياسات التي وضعوها، بل الأمر لم يقف هنا حيث نصبوا من أنفسهم نقادا وجلادين للنتائج التي هم أساسا أسسوا لها علي مدي عقود، و على الخصوص عقد ما قبل 2011 عندما كانوا هم الداعون لبيع أصول الدولة وتحويلها لأسهم و توزيعها علي المواطنين حتي يلتهمها الاوليجاركيين مثل ما حدث في الاتحاد السوفييتي المنحل.

ولذكر البعض من هذه التصرفات، فإن شركات الدولة كانت تباع للقطاع الخاص و في بعض الاحيان كان يجري تمويل هذا البيع من البنوك المصرية ، بما يعني أن الشركة تباع بلا مقابل وهذا ما أوقفه البنك المركزي بقراراته في عام 2005.

و حقيقةً لم يكن البنك المركزي أبدا محبوبا و مقبولا من هؤلاء فلقد كانت الرغبة الشديدة في الحصول علي كل شيء بدون قواعد هو دافعهم و كان يساندهم حكومة تتبني عن إدراك أو عدم إدراك فكرة كل شيء مباح للقطاع الخاص أو لهؤلاء الاوليجاركيين علي زعم أن هذا هو الإنفتاح و التقدم و حرية الأسواق و الاقتصاد الحر و أنهم هم العاملون ببواطن الأمور و أن البيروقراطية الحكومية المصرية الجاهلة لا تتحدث حتي الانجليزية و بعيدة عما يحدث في العالم من تقدم .

نتجية كل هذه الممارسات في ذلك الوقت انتعشت بورصتهم عن طريق بيع الشركات الحكومية و صالوا وجالوا في البورصة و العمل الرأسمالي و كونوا الثروات الضخمة.

وكان من أساسيات تلك الفترة إنتهاج سياسة التجارة الخارجية الحرة بزعم ايضا أن هذه هي التوجهات الرأسمالية المنشودة، وتم إبرام إتفاقيات التجارة الحرة لتنفتح أسواقنا المصرية علي مصراعيها أمام البضايع الاجنبية ذات القدرة التنافسية القوية ما خلق منافسة شديدة أمام المنتج المحلي الذي لم يستطع المنافسة، فتهاوت الصناعة المصرية الضعيفة ولحقت بها الزراعة ايضا امام هذا الطوفان من الواردات و بدا المواطن المصري يتحول الي النمط الاستهلاكي من أجل هذه السلع الجاذبة و تعود المواطن علي نمط من الاستهلاك لم نعرفه في تاريخنا حتي دخل الريف المصري سوق الاستهلاك لكل شيء و بدأ استنزاف موارد مصر المحدوده من النقد الاجنبي أو الموارد الانتهازية الوقتية التي جاءت نتيجة خصخصة بعض الشركات العامة.

و بسياسات مالية غير مدركة مصاحبة لسياسات خطيرة في التجارة الخارجية و في ضوء أعمال الصناعة الحقيقية التي تقوم علي القيمة المضافة للاقتصاد المصري و ليس الصناعة التي قامت علي استيراد عوامل الانتاج من الخارج انهارت الصناعة والزراعة حتي وصل الوضع إلى أن مصر أصبحت تستورد احتياجاتها الضخمة من الغذاء من الخارج و الذي من المتوقع ان تصل فاتورته هذا العام الى 15 مليار دولار وفق التقديرات الأولية.

هذا الضعف الاقتصادي الذي تحول إلى إعتماد تام علي الخارج أصبح مهددا للاستقرار نظرا لان العوامل التي تمس معيشة المواطن أصبحت كلها خارج السيطرة و في سيطرة الأسواق الدولية.

و بعد أن أصبح المجتمع متعودا علي هذه السلع وهذا النمط من الاستهلاك بات من اللازم على الدولة توفير إحتياجاته و أصبحت مستويات الأسعار و التضخم في سيطرة المنتجين في الخارج.

ومع مرور السنوات ومع صاحبها من نمو المجتمع و عدد السكان بدأ العجز في ميزان التجارة الخارجية لمصر في التفاقم، هذا العجز يتطلب تمويله من النقد الأجنبي و بالتالي تضاعفت الإلتزامات المالية و الضغوط .

يطرح هءلاء الخبراء عادة روشتة إصلاحية لأصحاب المنهج الغربي الذي كان دائما يبحث عن السبل للسيطرة على مقدرات اقتصادنا عن طريق التحكم فينا من خلال السلع التي يرسلها لنا وسطيرت على اسواقنا و الدفع بمجتمع الرفاهية.

لكن هؤلاء الاوليجاركيين لم يكونوا يعبأون بالمواطن و قدرته ، حيث بأا المواطن في الإستدانة لتوفير الاحتياجات و أصبحت القروض الخاصة أساسية في حياته اليوم.

و عندما يقوم البنك المركزي بزيادة أسعار الفائدة لتعويض المواطن عن التضخم يثور هؤلاء الخبراء بأن مصر لديها أعلى أسعار عائد في العالم و أن هذا يؤثر على البورصة المصرية، متناسين مصير 20 مليون مواطن يعيشون علي العوائد لمدخراتهم ويرون أن هؤلاء الملايين من المواطنين غير مهمين.

و في حين أن الأسر المتوسطة و البسيطة من ثقافتها الإدخار، وقد نمت مدخراتهم الوطنية في حين أن هؤلاء الاوليجاركيين يحتفظون بمعظم مدخراتهم خارج البلاد.

و ومن الغريب الاهتمام الزائد من قبل هؤلاء الخبراء بالبورصة وهي التي الغرض منها أن تكون مصدرا لتوفير رؤوس الأموال للمشروعات، و هذا لم يحدث تقريبا و أصبحت هي فقط بورصة للمضاربات و الاتفاقات الغير علنية التي تحقق خسائر للمجتمع و عندما يتدخل الرقيب لضبط قواعد التعامل يتكالب عليه أصحاب المصالح بالضغوط والاعلام الغير فاهم او الوسائل الاخري و لم نرى في العالم مؤسسات رقابية تنتقد من الشركات والمستثمرين التي يجري رقابتها.

وبكل تأكيد فإن هؤلاء مرضي عنهم في أوساط صانعي السياسات في الولايات المتحدة و يتم دعمهم.
ثم الأن يتحدثون عن النقد الاجنبي و يدلون بدلوهم في السياسات العامة و هم حقيقة لم يتدربوا التدريب العملي الكاف علي هذه الامور الفنية الغاية في التعقيد.

فمثلا عند صدور أي قرار بشأن أسعار القائدة، نراهم يتكلمون عنه بكل بساطة، رغم أن هذه القرارات يتم إتخاذها بناء علي تحليلات ودراسات عميقة و برامج معقدة جدا و هو أمر خطير.

يجب أن يكون واضحا للجميع أن أساسات المناخ الاقتصادي الذي تم إرسائه قبل 2011، تفتقد الادراك و الفهم العميق لتداعيات هذه التوجهات علي المدي الطويل.

و حاليا تحاول الدولة تدارك هذه النتائج لتوجهات سياسات يتم تصحيحها تدريجيا، و هذا واضح في توجهات الدولة في الاهتمام بقطاع الزراعة الذي تم إهماله عشرات السنين حتي تحولت 1.5 مليون فدان إلى حدائق فاكهة في حين نستورد المواد الغذائية الاساسية مثل القمح والذرة و زيت الطعام والاسماك واللحوم و الفول بعشرات المليارات من الخارج.

و بدأت صناعات تقودها الدولة وبعض أجهزتها ومنها جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، في العمل من أجل التصدير وباتت مصر تصدر لـ 40 دولة و هذه المشروعات، تدار بكفاءة كبيرة و انضباط و خبرة مهندسين و خبراء علوم و كيمياء في مشروعات كيماوية و بتروكيماوية، لكن كل هذلا لا يراه هؤلاء الخبراء أو يصمتون عنها، ويراها فقط الشركات والمؤسسات الدولية.

هناك أخطاء وإهمال في العديد من الملفات ، منها فتح السوق أمام القطاع الخاص لجلب السلع كل السلع من الخارج ما جعل سوقنا يخلق فرص عمل لشعوب الدول الاخري علي حساب مواطنينا وذلك من خلال فتح ابواب الاستيراد بدون ضوابط حتى تدهورت الصناعة المصرية المجدية.

نعم لم تنجح تجربة القطاع الخاص في تحقيق التوازن الاقتصادي و النقدي و بالتالي فقدنا هذا وذاك ، و مصر تعمل الان و منذ سنوات على تنفيذ سياسات تصحيحية ، وبكل تأكيد تجد المقاومة من ذوي المصلحة الخاصة ، و لكن الدولة لا تعمل لمصالح فئة و لكن لمصلحة الشعب المصري كله.

اقرأ أيضا..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.