في الوقت الذي يتدافع فيه عملاقا التكنولوجيا العالمية “مايكروسوفت” و”جوجل” نحو كسب الزخم، الذي تحظى به محركات البحث القائمة على المحادثة باستخدام الذكاء الاصطناعي، واكتساب ثقة المستخدمين، برز نموذج “تشات جي بي تي” والذي مكن المستخدمين من الحصول على إجابات للأسئلة، التي تدور بأذهانهم ومساعدتهم في شكل محادثة، وليس مجرد استعراض لمعلومات عبر محرك بحث.
ويدفع ذلك النوع من الذكاء الاصطناعي المستخدمين في النهاية، للشعور بأن تلك المحركات سيتغير مستقبلها وستُغير المستقبل ايضا بل وتُغير كل شيء بالتأكيد، لكنها تُثير أيضاً تساؤلات حول أثر اعتمادنا على تلك المحركات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فهي تدفعنا بالتأكيد للثقة بالشركات التي صممتها وأطلقتها، لكنها كذلك تزيد من تعمُق تلك المحركات بدرجة أكثر في حياتنا اليومية.
ChatGPT
فعندما يُجيب الذكاء الاصطناعي على الأسئلة، التي تدور في أذهاننا ونبحث عنها من خلال محركات بحث جديدة في شكل محادثة، فهي تُقدم لنا دعما وإجابات حول استفساراتنا، وليست مجرد معلومات نستخدمها للبحث عن إجابات لأسئلتنا، ما ستدفعنا في النهاية إلى اللجوء لتلك المحركات، والوثوق بها بدرجة أكثر مما كنا نفعل في السابق.
وتستند تقنية “تشات جي بي تي ChatGPT” على أحدث جيل من الذكاء الاصطناعي “التوليدي”، حيث إنه قادر على إنشاء محتوى لفظي ومرئي، وليس فقط معالجته بالطريقة التي يقوم بها الذكاء الاصطناعي التقليدي، لكنه بهذه الطريقة أصبح قادراً على التعمق بشكل أكبر في حياتنا اليومية، والطريقة التي نعيش ونعمل بها أكثر مما هو عليه بالفعل، ولن يكتفي بعد ذلك بمجرد الإجابة على أسئلتنا، لكنه سيُسهم أيضاً في كتابة مذكراتنا ومقالاتنا، أو حتى كتابة الشعر والفنون.
ونظراً لما تحتاجه هذه النوعية من التقنيات من موارد هائلة للغاية، من حيث الموارد المالية والفكرية والحاسوبية اللازمة، من أجل تطويرها وتشغيلها، فبالتأكيد ستحتكر في النهاية كبرى وأغنى الشركات العالمية أنظمة الذكاء الاصطناعي الجديد.
ورُغم الاستثناء الواضح في أن شركة «أوبن إيه آي OpenAI » الأمريكية، مبتكرة محرك البحث الشهير القائم على المحادثة “تشات جي بي تي” ونظام “دال إي 2” لتوليد الصور، هي شركة ناشئة صغيرة نسبياُ، والتي تمكنت من تحقيق نتائج قوية ومُبهرة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكنها ارتمت في النهاية إلى أحضان “مايكروسوفت” عبر قبولها جولات متتالية من التمويلات والاستثمارات بالمُحرك الجديد، ويرجع ذلك جزئياً إلى حاجتها إلى التمويل اللازم، للدفع مقابل القدرة الحاسوبية الضرورية، لتتمكن من الاستمرار في تشغيل محركاتها الجديدة.
الثقة سبيل النجاح
هذا النوع من التكنولوجيا قوي بشكل لا يُصدق، لكنه بطبيعة الحال مليء بكثيرٍ من العيوب، لذا فقد يُقدم الكثير من المعلومات غير الصحيحة، ما يضع على عاتق شركات التكنولوجيا الكبرى، أن تستهدف بناء الثقة لدى المستهلكين في الذكاء الاصطناعي التوليدي الجديد، وبالتأكيد تقليل عدد الأخطاء التي قد ترتكبها تلك المحركات.
وبناء الثقة هو أمر سيدفع كبرى شركات التكنولوجيا بالتأكيد، للدفاع عن تقنية محركات البحث القائمة على المحادثة، لأنها في حال فقدانها لثقة المستخدمين، ستخسر منتجها، ودليل على ذلك بأنه في نوفمبر الماضي أتاحت شركة “ميتا” للجمهور محرك بحث قائما على المحادثة باستخدام الذكاء الاصطناعي مُخصصا للأبحاث العلمية ويُسمى “غالاكتيكا”.
وقال يان ليكون، كبير علماء الذكاء الاصطناعي في ميتا، إن محرك البحث “جالاكتيكا” استهدف فئة العلماء، لكن الإجابات غير الصحيحة التي قدمها في بعض الأحيان، تسببت في تعرض “ميتا” لعدد هائل من الانتقادات ما دفعها لإغلاق إتاحة وصول الجمهور، لمحرك البحث بعد ثلاثة أيام فقط من إطلاقه.
ومن جانبها، ترى جويل بينو، المدير الإداري لأبحاث الذكاء الاصطناعي الأساسية في “ميتا”، “الاتجاه الحالي يميل نحو تصميم نماذج محركات مثل “غالاكتيكا”، والتي تستهدف إنشاء نص قد يبدو أصليًا، لكنه غير دقيق”، مُضيفة “بعد أن تجاوز استخدام المُحرك النطاق المُخصص له وهو الأبحاث، فقد اخترنا حجب إتاحة المُحرك حاليًا من استخدامه بواسطة الجمهور”.
على صعيد آخر، تضع “جوجل” رهانها على إثبات أن الذكاء الاصطناعي التوليدي الخاص بها، هو أكثر جدارة بثقة المستخدمين، حيث تستهدف تقديم المُحرك لكونه أداة تُسهم في الإجابة على استفسارات المستخدمين، بدلًا من كونه مجرد مستودع للإجابات يُقدم الإجابات بدرجة أسرع أو أفضل، وذلك بحسب تأكيد الشركة في عرضها التقديمي الأخير يوم الأربعاء الماضي، عند إطلاقها مُحركها “بارد” القائم على المحادثة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وتسعى “جوجل” جاهدة لجعل مُحركها يعتمد على “الذكاء الاصطناعي المسؤول”، كما أعلنت سابقاً في “المبادئ الأساسية للذكاء الاصطناعي”، التي قدمتها الشركة في عام 2019، فيما وعدت بإطلاق مُحركها “بارد” خلال الأشهر القليلة المُقبلة.
وإلى جانب عمالقة التكنولوجيا، تبرز محركات بحث أخرى قائمة على المحادثة وتعمل حاليًا بالفعل، مثل “You.com”، الذي يستطيع أن يُجيب على أسئلتك عبر نافذة محادثة، و”Andisearch.com” الذي يُلخص لك أي مقال تبحث عنه على متصفح الويب الخاص بك.
You.com
رُغم أن مثل تلك الخدمات الصغيرة، تبدو للمستخدمين باعتبارها نوعاً من أنواع السحر والإعجاز، فإذا سألت مُحرك البحث القائم على المحادثة “You.com” سؤال “برجاء سرد أفضل محركات البحث القائمة على المحادثة، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي”، فعندئذ فقط، سيتمكن من تقديم إجابة واضحة وموجزة تتضمن جميع الشركات الناشئة الأكثر شهرة، التي تعمل في هذا المجال، لكننا في حال أضفنا بعض التغييرات الصغيرة في طريقة صياغة هذا السؤال، سيُقدم إجابة لا تمت للسؤال بصلة.
ومن خلال تجربتي، قدم المُحرك “You.com” إجابات في أغلب الأحيان دقيقة، لكنه بعد ذلك قد يُضيف اسمًا لمحرك بحث لا وجود له على الإطلاق، وهو ما اتضح عبر استخدامي لمُحرك البحث “جوجل”، أن تلك الأسماء لمحركات البحث المختلقة التي أظهرها “You.com” في إجاباته، تبدو على الأرجح أنه يُخطئ في التعرف على أسماء البشر المقتبسة بداخل المقالات، ويعتبرها أسماءً لمحركات بحث.
Andisearch.com
تقول الرئيسة التنفيذية للشركة المالكة لمحرك البحث “Andi” “محرك البحث لا يُقدم نتائج البحث بتنسيق المحادثة، لأن التأكد من دقة الإجابات هو صعب للغاية، لكنه يُقدم نتائج بتنسيق تقليدي ويعرض استخدام الذكاء الاصطناعي، لتخليص أي صفحة يرغب المستخدم في تلخيصها”، مُضيفة “عند رؤيتي لعمالقة شركات التكنولوجيا تؤكد أن البحث باستخدام المحادثة هو المستقبل، بدا لي تعليقهم بأنه أمر مثير للغاية، لكنه من الصعب حقًا التحقق من دقة الإجابات التي تُقدمها المحركات”.
ومن المثير حقًا رؤية ما حققه فريق “Andi” الذي يتكون حالياً من أقل من 10 أشخاص، وتمكن بالفعل من حصد استثمارات بقيمة 2.5 مليون دولار حتى الآن، لكنه كشف جليًا أن جعل الذكاء الاصطناعي جديرا بالثقة يتطلب بالتأكيد موارد هائلة، وهي ما تمتلكه بالفعل شركات مثل “مايكروسوفت” و”جوجل”.
التربع على القمة والحاجة إلى التمويل
ونظراً لما حققه محرك بحث “تشات جي بي تي”، والتي يُرجح أن تكون أسرع خدمة في التاريخ تصل إلى 100 مليون مستخدم بحسب تقرير حديث صادر عن “يو بي إس”، فمن الواضح أن الفائدة الواضحة لهذا النوع من أنظمة الذكاء الاصطناعي، عند دمجه في محرك بحث أو في العديد من التطبيقات المحتملة الأخرى، هو تهديد احتكار محرك البحث “جوجل” لسوق محركات البحث وفتح أسواق جديدة ومصادر جديدة، للإيرادات لشركة “مايكروسوفت” وغيرها من الشركات العاملة في المجال.
لكن يتبقى شيء آخر، لن تتمكن الشركة الناشئة “أوبن أي آي” من تحقيقه بمفردها في حال التربع على قمة محركات البحث، فكونك المحرك الأول الناجح في مجالك، سيتعين عليك الحصول على أنواع من الموارد لا يُمكن لأي من الشركات حشدها، سوى كبرى الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا، مثل “مايكروسوفت” و”جوجل”.
شراكة بين ماستركارد ونتورك إنترناشيونال لمنع الاحتيال باستخدام الذكاء الاصطناعي
“بي تك” و”سامسونج” يوقعان اتفاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التسويق
الذكاء الإصطناعي ومستقبل Google
30 %منها ستذهب للإمارات..90 مليار دولار إستثمارات الذكاء الإصطناعي في المنطقة بحلول 2030