الإمارات تقود مستقبل العملات الرقمية للبنوك المركزية

كتب: محمد بدوي

يقود مصرف الإمارات المركزي، الطريق نحو مستقبل تؤدي فيه العملات الرقمية دوراً محورياً لتعزيز الأنظمة المالية وتمكين الأفراد والشركات في مختلف أنحاء المنطقة، وذلك عبر تبنى مبادرات العملات الرقمية للبنوك المركزية، وآخرها إطلاق استراتيجية العملة الرقمية للمصرف المركزي «الدرهم الرقمي». وتُعد العملة الرقمية للبنوك المركزية المُصدَرة والمدعومة من المصرف المركزي شكلاً من أشكال النقود الرقمية الخالية من المخاطر والمخزنة للقيمة، وتتميز بكونها وسيلة أكثر أماناً وسرعة لإجراء المدفوعات عبر الحدود وبتكلفة منخفضة.

كما تُسهم العملة الرقمية للمصرف المركزي في التخفيف من التحديات الحالية في المدفوعات المحلية وعبر الحدود، وتحقيق الشمول المالي والوصول لمجتمع لا نقدي، إضافة إلى المساهمة في تعزيز البنية التحتية للمدفوعات في الإمارات وتوفير قنوات إضافية قوية للمدفوعات المحلية والدولية، مما يضمن نظاماً مالياً مرناً وموثوقاً.

مبادرات رائدة

ويعد مصرف الإمارات المركزي، من البنوك المركزية الرائدة في تبنى مبادرات العملات الرقمية للبنوك المركزية، حيث أطلق في عام 2020 مشروع «عابر» مع البنك المركزي السعودي، والذي أكدت نتائجه إمكانية استخدام العملة الرقمية الصادرة عن البنكين المركزيين لتسوية المدفوعات عبر الحدود، كما حصل المشروع على جائزة «التأثير العالمي 2021» الممنوحة من قبل مجلة «سنترال بانكينج».

وبالإضافة إلى ذلك تم إطلاق مبادرة التشغيل التجريبي لمشروع «الجسر» للعملات الرقمية للبنوك المركزية العابرة للحدود بالتعاون مع سلطة النقد في هونج كونج وبنك تايلاند ومعهد العملات الرقمية التابع لبنك الشعب الصيني وبنك التسويات الدولية في 2022، والذي تم من خلاله إنجاز معاملات مالية ذات قيمة حقيقية. وأسهمت هذه المبادرات في جهوزية المصرف المركزي الإماراتي لتنفيذ استراتيجيته للعملة الرقمية الخاصة به.

وفي نهاية شهر مارس الماضي وقع مصرف الإمارات المركزي اتفاقية مع شركتي «G42 Cloud» و«R3» لبدء تنفيذ استراتيجية العملة الرقمية للمصرف المركزي، إحدى المبادرات التسع لبرنامج تحول البنية التحتية المالية في دولة الإمارات. وتم اختيار«G42 Cloud» لتقديم خدمات البنية التحتية للمشروع، في حين ستقدم «R3» الخدمات التكنولوجية. وتشمل المرحلة الأولى لاستراتيجية المصرف المركزي للعملة الرقمية التي يُتوقع اكتمالها في غضون الأشهر الـ 12 إلى 15 المقبلة على ثلاث ركائز رئيسة هي: الإطلاق التجريبي لمنصة الجسر بهدف تسهيل المعاملات المالية للعملات الرقمية العابر للحدود، وتسوية مدفوعات التجارة الدولية، والتعاون الثنائي على إثبات مفهوم العملات الرقمية المركزية مع جمهورية الهند، الذي يعد أكبر الشركاء التجاريين لدولة الإمارات، بالإضافة إلى العمل على إثبات مفهوم العملة الرقمية للبنوك المركزية لإصدار عملة رقمية لاستخدام الأفراد والشركات والمؤسسات في الإمارات.
النقود الرقمية

وحسب نتائج الاستبيان العالمي لمعهد المحللين الماليين المعتمدين، حول إصدار عملات البنوك المركزية الرقمية، فإن إعلان مصرف الإمارات المركزي عن مبادرة الدرهم الرقمي، والتي تهدف إلى إطلاق شكل من أشكال النقود الرقمية المُصدرة والمدعومة من المصرف المركزي أدت إلى حالة عامة من التفاؤل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث أكد 63 % من أعضاء المعهد من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ضرورة إطلاق البنوك المركزية للعملات الرقمية، وقال 73% إنهم سيستخدمونها بصفتهم الشخصية أو المهنية في حال قامت البنوك المركزية بإصدارها.

وأوضح معهد المحللين الماليين المعتمدين، الذي يمثل الجمعية العالمية لخبراء الاستثمار، أن غالبية ردود المشاركين في الاستبيان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جاءت أكثر تفاؤلاً وإيجابية من النسبة حول العالم، بعد أن أعرب 56% من المشاركين عن ثقتهم بقدرة عملات البنوك المركزية الرقمية على تعزيز الاستقرار المالي العام.

في حين قال 54% منهم إن من شأن تلك العملات على الأرجح أن ترتقي بمستويات الشمولية المالية للقطاعات الاقتصادية أو السكان الذين يعانون من نقص في الخدمات، كاشفاً أن 49% من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعتقدون أن العملات المشفرة الخاصة لن تتأثر بإصدار عملات البنوك المركزية الرقمية، حيث يمكن استمرار التعامل بكلا النوعين في الوقت ذاته، مما يعكس أهمية دور كل من الأصول الرقمية والعملات المدعومة من الحكومة في ازدهار الاقتصاد الرقمي وتعزيزه.

وأظهر الاستبيان أن تسريع عمليات الدفع وإجراء التحويلات المصرفية يشكلان السبب الرئيس في جميع الأسواق لدعم إصدار عملات البنوك المركزية الرقمية، وهناك قناعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بقدرة هذه العملات على توفير الكفاءة والراحة والأمن في التعاملات الشخصية والمهنية على حد سواء، لافتاً إلى أن المخاوف الرئيسية من عملية الإصدار تستند إلى ثلاث قضايا، وهي الأمن السيبراني والاحتيال، وخصوصية البيانات، وقلة حالات الاستخدام.

مركز عالمي

وقال محمد شاكر الخبير المالي، إن دولة الإمارات دائماً ما تحرص على ترسيخ مكانتها القيادية كمركز مالي عالمي، وقد ظهر ذلك جلياً عبر برنامج تحول البنية التحتية المالية، والذي يتضمن عدد من المبادرات الخاصة بالعملة الرقمية للبنوك المركزية، مؤكداً أن إطلاق استراتيجية العملة الرقمية للمصرف المركزي يجسد تطوراً لمنظومة الأموال والمدفوعات في الدولة، حيث تستهدف تسريع وتيرة التحول نحو الاقتصاد الرقمي وتعزيز الشمول المالي. وأشار شاكر، إلى أن سعي الإمارات لإصدار عملة رقمية واستخدامها عبر الحدود يظهر رغبة في أن تكون الدولة سباقة في تطبيق التقنيات الحديثة وتطويعها وتطويرها وتقديمها للعالم.

مزوّد عالمي

وإلى ذلك علق ستيفن فانغ، المدير التنفيذي للتكنولوجيا في شركة«كليكل»أحدث مزوّد عالمي لخدمـة الأصول الافتراضيــة في دولة الإمارات ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بأنه بينما يستمر سوق التشفير في النمو والنضج، فإن الشركة تحرص على تعزيز التعاون مع الجهات التنظيمية والمشاركين في السوق، وهي مستعدة للقيادة في مجال الأصول الرقمية، وتمهيد الطريق لمستقبل أكثر أماناً وازدهاراً وترابطاً في عالم العملات الرقمية، مؤكداً أن التزام «كليكل» بنشاط تخزين الأصول المنظم يدل على التفاني الثابت لتوفير منصة آمنة ومتوافقة ومبتكرة لعملائها، عن طريق الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، والخبرة العملية، والفهم العميق للمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وشددت شركة «كليكل» على أهمية توفير بيئة آمنة للمستثمرين في ظل تقلبات السوق، خاصة مع استمرار عالم العملات الرقمية في التطور، حيث تسعى لإحداث نقلة نوعية في مجال العملات الرقمية من خلال التركيز على التميز التكنولوجي والخبرة العملية والمتميزة في القطاع وتعزيز بيئة تعاونية مع المنظمين والمشاركين في السوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، منوهه بأنها حصلت على الموافقة المبدئية لتقديم الخدمات المالية في سوق أبوظبي العالمي (ADGM) للعمل بصفـة الوسيط و الحافظ الأمين للأصول الرقمية.

قيمة العملة

ورداً على المفهوم الخاطئ بأن العملات الرقمية ليست لها قيمة فعلية، أفادت منصّة «بينانس» العالمية الرائدة لتقنية البلوك تشين، ومزوّد البنية التحتية للعملات الرقمية، بأن قيمة العملة، سواء أكانت ورقية أم رقمية، تأتي بناءً على قبولها واعتمادها على نطاق واسع، وفي حالة الأصول الرقمية، فإن هذه الاعتمادات والمقاييس تتزايد بصورة مستمرة. وقالت إنه في الحقيقة فإن معظم العملات الورقية التي نعرفها ليست مدعومة بأصول مادية فعلية، حيث يتمّ إصدارها ببساطة من قبل الحكومات، وتشكل «الثقة» بالحكومات المعنية بهذا الشأن جزءاً كبيراً من قيمة العملة الورقية المستخدمة، مبينة أنه كما يجد الناس القيمة في النقود الورقية انطلاقاً من ثقتهم بالحكومات التي أصدرتها، فإن المزيد والمزيد من المستخدمين أصبحوا يجدون قيمة حقيقية في العملات الرقمية بناء على ثقتهم بالتكنولوجيا الأساسية التي تدعمها.

ونبهت منصّة «بينانس» إلى أن قيمة العملة الرقمية تأتي من التعليمات البرمجية مفتوحة المصدر، وهي متاحة لأي شخص كي يراها ويتحقق منها بنفسه، مما يلغي الحاجة إلى الوثوق بطرف ثالث قد يكون له أهدافه الخاصة. وذكرت أنه على الرغم من أن اعتماد العملات الرقمية كأداة للدفع ما لا يزال محدوداً، إلا أن قبولها واستخدامها بهذا الشأن يتزايد كل عام، وفي الواقع، تتجاوز استخدامات العملات الرقمية مجرد كونها أداة للدفع وتسهيل التجارة، حيث يمكن استخدامها كمستودع للقيمة، وعلى غرار سلع أخرى مثل الذهب، يعتبر البيتكوين أحد الأمثلة الرئيسة لاستخدامات العملات الرقمية، مؤكدة أنه حين يقول شخص ما أن العملات الرقمية ليست ذات قيمة فعلية، يمكن التذكير بأن عدم وجود وسطاء فيها، واستخدامها كأداة للمدفوعات، وقدرتها على حفظ القيمة والابتكار التكنولوجي هي جميعاً مزايا لها قيمة فعلية.

روابط ذات صلة…