كتب:أحمد أبو علي
تُعد تعديلات قانون البناء الموحد 119 لسنة 2008 من أبرز التشريعات المرتقبة خلال دور الانعقاد الرابع لمجلس النواب، وذلك فى إطار اهتمام الدولة بمنظومة البناء والتأكيد على أهمية عدم عودة البناء المخالف والمتناثر والعشوائى مرة أخرى، ويقدم ” موقع صدي البلد ” من خلال التقرير التالي عرضا لأهم التعديلات المرتقبه في قانون البناء:-
بدايه الازمه:-
بدأت ظاهرة البناء غير المخطط أو البناء العشوائى تظهر فى مصر منذ فترة السبعينات، نتيجة تزايد النمو الاقتصادى وعدم قدرة الدولة فى هذه المرحلة على توفير السكن، وهو ماكان سببا نحو إتجاه المواطنين للبناء دون دراسة أو تخطيط.
ومنذ منتصف الثمانينات وحتى 2015، تفاقم البناء العشوائى ليمثل 50% من الكتلة العمرانية من المدن والقرى، وتمثل 70% من حجم البناء، حيث إن “كل 10 بيوت يوجد منها 7 بيوت مخالفة”، لتتحول القرى التى من المفترض أنها كانت تجمعات سكنية صغيرة إلى امتداد عشوائى غير مخطط ، وهو ماكان سببا في تفاقم العديد من المشاكل والتحديات ، لذا فإن حجم الانتشار العشوائي وغير المخطط للبناء، بات يمثل عب~ا كبيرا على الدولة، بحجم تجاوزات بلغت 400 ألف فدان، منها 90 ألف فدان منذ عام 2011.
تكلفه الإصلاح
و تبلغ تكلفة استصلاح الفدان الواحد من 150 ألف جنيه وحتى 200 ألف جنيه، حيث إن الدولة تحاول تعويض الآثار السلبية لفقدان الأراضى الزراعية، وهو مايعني أننا نحتاج إلي إنفاق أكثر من 18 مليار جنيه لاستصلاح 80 ألف فدان فقدناها خلال السنوات الماضية.
إلا أن التحدي الأكبر لا يتعلق فقط بفقدان الرقعة الزراعية والبناء عليها بشكل عشوائي؛ لكن يكمن التحدي الأخطر والاقوي هو أن تواجد المواطنين في هذه التجمعات غير المخططة والعشوائية يتطلب مد المرافق من شبكات صرف صحي وخدمات أساسية، ومدارس، ووحدات صحية وغيرها، وهنا تصطدم الدوله بتحدي جديد في تلك المناطق العشوائية لتوفير كافة المرافق والخدمات لها، وبالتالي يتم ذلك من خلال انتزاع ملكية أراض زراعية أخرى لإقامة محطة للصرف الصحي، أو مياه الشرب، أو إنشاء مدارس لتعليم أبنائهم، وهو مايجعل الدوله تضطر لنزع ملكية تلك الأراضي ، وتعويض أصحاب هذه الأراضي، وهو ما يكلف الدولة الكثير، إضافة لتكلفة مد شبكات المرافق بأطوال أكبر ومحطات أكبر؛ للوصول إلى هذه التجمعات العشوائية داخل الأراضي الزراعية، وكان من الممكن أن تكون تكلفة توصيل هذه المرافق أقل بكثير للغاية، إذا ما كان نمو المباني يسير بشكل مخطط، وهو ماينعكس في النهايه في إنتقاص رقعه الإراضي الزراعيه داخل الدوله.
سيناريوهات الدوله لمواجهه سرطان البناء العشوائي منذ 2008 وحتي 2011 ، ولماذا فشلت الدوله في حسم المواجهه :-
منذ عام 2008 قامت الدوله بعمل أحوزة عمرانية لكل المدن والقرى داخل الدولة، وتمت إضافه 160 ألف فدان تم استقطاعها من الرقعة الزراعية لاستيعاب الزيادة السكانية لمدة 20 عاما أي حتى 2030، حيث أن الفدان الواحد يمكن أن يستوعب 150 فردا، أي 24 مليون نسمة، وذلك جنبا إلى جنب التوسع في إنشاء جيل جديد من المدن الجديدة، لاستيعاب الزيادة السكانية.
لكن ما حدث على أرض الواقع، أنه لم يلتزم أحد بهذه التوسعات في الأحوزة العمرانية؛ ولعل السبب الرئيسي في ذلك الموروث الثقافي للمواطن المصري ، فالمواطن يرغب، وفق ما تشكلت لديه من ثقافة في البناء على ما يملكه من أرض، بغض النظر عن أنها تدخل ضمن هذا الحيز العمراني أم لا، وأصبح هذا الحيز ليس حلا سحريا للظاهرة، رغم أنه لم يتم إشغال سوى 20 أو 30 % من الحيز العمراني.
الإطار التشريعي والقانوني لمواجهه سرطان البناء العشوائي:-
ظهر قانون التصالح على مخالفات البناء رقم 17 لسنة 2019، حيث أن هذا القانون جاء لإجراء تصالح للمخالفات الخاصة بقانون البناء رقم 119 لسنة 2008، كما أن القانون رقم 119 ينص صراحة على عدم التصالح مع أية مخالفة، وأن الحل الوحيد هو الإزالة، لكن في ضوء ما شهدته الفترة التي أعقبت ثورة يناير 2011 من تزايد مضطرد في عدد المباني غير المخططة والعشوائية، استوجب ذلك ضرورة وضع حل تشريعي، وهو ما صدر في عام 2019.
وتم إدخال بعض التيسيرات على القانون نتيجة ظهور عدد من التحديات عند التطبيق، وبدأ أيضا طرح التساؤل حول كيفية التعامل مع المباني المخالفة قبل عام 2008، خاصة أن القانون يحصر أعمال الإزالة على تلك التي تم بناؤها منذ عام 2008 حتى الان، ألا أن التحدي منذ إبريل 2019 حتى بداية عام 2020، تمثل في عدم القدره علي الاستفادة من هذا القانون الذي كان هدفه هو إيقاف نزيف البناء المخالف، لذا وجب تعديل هذا القانون، وبناءً عليه صدر التعديل بالقانون رقم 1 لسنة 2020 لتبسيط إجراءات التصالح.
وفيما يتعلق بقانون 1 لعام 2020، فإن هذا القانون فتح المجال لضم جميع المخالفات حتى التي تم بناؤها قبل عام 2008، ونص صراحة على سداد قيمة التصالح على أقساط ولمدة ثلاث سنوات وبدون فوائد، وكان القانون قبل تعديله يلزم بسداد قيمة التصالح بصورة فورية، كما سمح القانون 1 لسنة 2020 للمواطن أن يتظلم من عدم قبول طلب التصالح ومن قيمة التصالح نفسها، وهو ما لم يكن منصوصا عليه في القانون القديم.
هذا بالاضافه إلي أن القانون الجديد يسّر على المواطن تقديم كل المستندات التي تدل على المخالفة، وأن أي مستندات ستقدم سيتم النظر إليها، وفي الوقت الذي كان القانون القديم يتضمن أنه لابد أن يقوم مكتب استشاري هندسي بتقديم شهادة بالسلامة الإنشائية للمبنى، وهو ما رافقه شكاوى من المواطنين من استغلال هذه المكاتب والمغالاة عند استخراج هذه الشهادات، فإن التعديل على القانون اشترط أن تكون الشهادة من مهندس نقابي وليس مكتبا هندسيا أو استشاريا، حتى مع عدم العودة للنقابة وذلك تيسيرا للمواطنين، طالما أن المهندس عضو بالنقابة.
استخراج تراخيص البناء ومدة سريان الرخصة أبرز التشريعات المرتقبة
وتستهدف التعديلات المرتقبة مزيدًا من التيسيرات على المواطنين فى عملية استخراج تراخيص البناء ومدة سريان الرخصة، سواء فى التعامل مع الجهات المعنية وذلك من خلال التطبيق السليم للتشريع على أرض الواقع، إضافة إلى بيان صلاحية ترخيص البناء ومدة سريانه وتسهيل استخراج رخصة البناء، وتحظى منظومة البناء باهتمام كبير خلال الفترة الأخيرة، سواء على الصعيد التشريعى، أو المبادرات والجهود المبذولة فى ملف تطوير العشوائيات التى تُعد طفرة غير مسبوقة وإنجاز حقيقى في أحد أهم الملفات الشائكه في مصر، و الذى ظل لعصور طويلة سببا فى معاناة المواطنين، واستكمالا للجهود فإن مشروع قانون البناء الموحد الجديد سيكون إضافة قوية لمنظومة البناء خلال الفترة المقبلة ويقضى على الكثير من التشابكات.
أبرز التعديلات المرتقبة
وأبرز التعديلات المرتقبة أيضا، تقليل المدة الزمنية للبت فى الطلبات ومدة سريانها، وقرارات التقسيم بالمحافظات، كما يحدد مشروع القانون ضوابط بشأن ولاية وتحديد اختصاصات ومسئوليات كل من الوزارات المعنية، حيث ينص القانون القائم على أن تُعتبر الاشتراطات الواردة بالمخططات الاستراتيجية العامة والتفصيلية للمدن والقرى شروطًا بنائية يجب الالتزام بها ضمن الاشتراطات المقررة قانونًا فى شأن تنظيم أعمال البناء.
وألزم القانون القائم الوحدات المحلية مراقبة تطبيق الاشتراطات الواردة بجميع المخططات والالتزام بها فى مواجهة ذوى الشأن، واتخاذ جميع القرارات والإجراءات التى تكفل وضعها موضع التنفيذ، ووقف تنفيذ كافة الأعمال المخالفة لها، وفى جميع الأحوال لا يجوز للوحدات المحلية إصدار بيان بصلاحية الموقع للبناء وإصدار الترخيص بالبناء دون وجود مخطط تفصيلى معتمد، وحظر الإعلان عن أى من مشروعات تقسيم الأراضى أو التعامل على قطعة أرض من أراضى المشروع أو جزء منه إلا بعد أن يودع صاحب الشأن بمديرية المساحة ومكتب الشهر العقارى المختص صورة مصدقًا عليها من القرار الصادر باعتماد المشروع ومرفقاته من الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم.
وحظر القانون أيضا على الجهات الحكومية الإعلان عن أى من مشروعات تقسيم الأراضى أو التعامل على قطعة أرض من أراضى المشروع أو جزء منه إلا بعد صدور قرار باعتماد التقسيم موضوع الإعلان، كما ولا يجوز للمسئول فى الجهة التى تتولى الإعلان القيام بالإعلان إلا بعد الحصول من صاحب الشأن على ما يثبت الإيداع المشار إليه، أو من الجهة الحكومية على صورة مصدق عليها من القرار الصادر باعتماد المشروع ومرفقاته، وذلك طبقًا لما تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون من إجراءات فى هذا الشأن، مع مراعاة القواعد الخاصة بالمحافظات الحدودية.
التعديلات تعمل بشكل مباشر على التيسير على المواطنين، وفض التشابك بين الوزارات
وأكدت لجنة الإسكان بمجلس الشيوخ، على أن التعديلات تعمل بشكل مباشر على التيسير على المواطنين، وفض التشابك بين الوزارات، المعنية مثل وزارة التنمية المحلية ووزارة الإسكان والمرافق ووزارة الزراعة، تسهيل تقديم تراخيص البناء والرسوم المطلوبة، تيسيرا على المواطنين، مؤكدة أن مشروع القانون يتطرق لملف التخطيط والتنمية العمرانية المحلية وفقا لما هو معمول به فى القانون الحالى ولكن فى شكل مبسط يضمن تحقيق مطالب المواطنين وفى نفس الوقت عدم العودة للبناء المخالف أو المتناثر مرة أخرى.