توقعات بنمو نشاط العملات المشفرة في الشرق الأوسط في 2024

كتب:محمد بدوي

لقد كان عام 2023 عاماً حافلاً بالأحداث من جميع النواحي، وانتهى بشكل غير متوقع مع اندلاع الصراع بين إسرائيل وغزة في الشرق الأوسط. ويتفق المراقبون الماليون وخبراء الاقتصاد على أهمية توخي الحذر عند وضع التوقعات بشأن أسواق الشرق الأوسط لعام 2024، مع الإشارة إلى احتمال امتداد الصراع إلى دول مجاورة أخرى. ومع ذلك، لا يزال من الأسهل استعراض التنبؤات المتعلقة باللاعبين الإقليميين الرئيسيين بسبب التزامهم برؤى طويلة المدى، وبرامج تحويليّة، وجهود تنويع، علاوة على البعد الجغرافي عن موقع الصراع الرئيسي. إذاً، ما هي التوقعات التي يمكننا تقديمها للعام المقبل.
هل الدولار الأمريكي أقوى من المتوقع؟
وفقاً لمات ويلر، رئيس أبحاث السوق في FOREX.com، فبعد عامين من الزيادات القوية في أسعار الفائدة، يبدو أن المتداولين يعتقدون أن عام 2024 سيجلب “محوراً” لتخفيضات أسعار الفائدة من البنوك المركزية الكبرى. تتراوح سيناريوهات تخفيضات أسعار الفائدة من “خفض التضخم غير النظيف” إلى الركود العالمي المتزامن الخطير أو الصدمة السلبية التي تغير النموذج الاقتصادي بأكمله وتتطلب تخفيضات فورية في أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم، كما كان الحال مع فيروس كورونا.
يمكن أن يستفيد الدولار الأمريكي من تخفيضات أقل في أسعار الفائدة عما كان متوقعاً بعد عام 2023 الهادئ نسبياً.
ومع ذلك، ينفي محافظو البنوك المركزية خفض أسعار الفائدة في القريب العاجل. في الواقع، يعتقد المتداولون حالياً أن البنك المركزي الأوروبي (ECB) سيكون أول من يبدأ تخفيضات أسعار الفائدة في موعد لا يتجاوز أبريل، يليه آخرون بما في ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي في مايو ويونيو. باختصار، طالما استمرت الظروف الاقتصادية في إظهار نمو متواضع، فمن المرجح أن تبقي البنوك المركزية على أسعار الفائدة أعلى مما كانت عليه في التاريخ الحديث لضمان عدم تفاقم التضخم.
حتى الآن، صمد الاقتصاد الأمريكي بشكل أفضل من معظم منافسيه الرئيسيين، وإذا استمر هذا الاتجاه، فقد يرتفع الدولار الأمريكي مع بدء المتداولين في تأجيل تخفيضات أسعار الفائدة إلى النصف الثاني من العام.

الصناعات غير النفطية تتصدر منطقة الشرق الأوسط
على الرغم من أن دول الشرق الأوسط تمر بمراحل مختلفة من التنمية، إلا أن اللاعبين الرئيسيين، وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، يحققون قفزات نحو التنويع الاقتصادي من خلال تبني رؤى طويلة المدى تساعدهم على توسيع قاعدتهم الصناعية، وفتح قطاعات مختلفة أمام الاستثمار، وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، والامتثال للأهداف البيئيّة والاستدامة العالميّة.
وفقاً لتقرير حديث للبنك الدولي، مع توقعات نمو المنطقة بنسبة 3.6% في عام 2024، فمن المحتمل أن ينكمش الاقتصاد النفطي بنسبة 3.9%، ما لم تؤدي الأحداث الجيوسياسية في الشرق الأوسط إلى تقلب أسعار النفط. ويتوقع التقرير نفسه أن ينمو الاقتصاد غير النفطي في الإمارات العربية المتحدة بنسبة 4.5% هذا العام بفضل جهود التنويع التي تبذلها الدولة، في حين من المتوقع أن ينمو القطاع غير النفطي في المملكة العربية السعودية بنسبة 4.3% بقيادة عدة قطاعات، بما في ذلك التجارة والضيافة والتصنيع والصناعات التحويلية والبناء وغيرها.
ومن المتوقع أيضاً أن تؤدي جهود التنويع إلى دفع النمو في البحرين والكويت وقطر وعمان، ولكن بوتيرة أبطأ. وفي الكويت، من المتوقع أن ينمو القطاع غير النفطي بنسبة 5.2% مدعوماً بالاستهلاك الخاص والسياسة المالية الفضفاضة. وبدورها تتحول قطر بسرعة إلى مركز رياضي عالمي، في حين من المتوقع أن يواصل قطاعا السياحة والخدمات في البحرين انتعاشهما.
أما بالنسبة لبلدان المشرق العربي تأتي التوقعات أقل إيجابية في عام 2024، حيث يبدو أن التضخم والتوترات الجيوسياسية والافتقار إلى الإصلاحات طويلة الأجل تؤدي إلى إبطاء عجلة التنمية في هذه البلدان. وتواجه مصر أيضاً عاماً مليئاً بالتحديات، خاصة بعد أن قامت وكالة ستاندرد آند بورز العالمية للتصنيفات الائتمانية بتعديل التصنيف الائتماني السيادي طويل الأجل للعملة الأجنبية والمحلية للبلاد إلى “B-” من “B”.

صعود الشركات الناشئة ورأس المال الاستثماري
في السنوات الأخيرة، تحوّل الشرق الأوسط إلى مركز حيوي للشركات الناشئة وخاصة في مجال التكنولوجيا. لقد مهدت العديد من العوامل هذا المسار الإيجابي، لا سيما في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك الدعم الحكومي الكبير، التوافر المتزايد لصناديق رأس المال الاستثماري والمستثمرين المنفتحين، البنية التحتيّة الرقميّة المتقدمة، الطلب المتزايد على المنتجات والخدمات الرقميّة، وتوافر مجموعة واسعة من المواهب. تشمل قطاعات الشركات الناشئة المزدهرة في دول مجلس التعاون الخليجي التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية والتكنولوجيا الصحيّة والنقل والخدمات اللوجستية، فضلاً عن الطاقة المتجدّدة.
وفقاً لمجلة فوربس، “جمعت الشركات الناشئة الخمسين الأكثر تمويلاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حوالي 3.2 مليار دولار في عام 2022، بزيادة 6.7 بالمائة عن عام 2021″، في حين تسلط دراسة أجرتها STV الضوء على أنه “من المتوقع أن تظهر 45 شركة ناشئة تبلغ قيمتها ما لا يقل عن مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحلول عام 2030 بقيادة السعودية”. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تهدف الجهود الحكومية أيضاً إلى مضاعفة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي للدولة من 9.7% إلى 19.4% على مدى السنوات العشر المقبلة، بما يتماشى مع رؤية 2030 التي تنص على ظهور ما يقرب من 115 شركة ناشئة جديدة في مجال التكنولوجيا سنوياً في دول مجلس التعاون الخليجي. على الرغم من أنه لا تزال هناك بعض التحديات التي يتعين معالجتها، يبدو أن الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا لديها مستقبل واعد في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تساهم في التنويع الاقتصادي في المنطقة ودفع التقدم التكنولوجي.

ابتكار مركز عالمي جديد للسياحة والضيافة
بعد رفع القيود المتعلقة بفيروس كورونا، توافد المسافرون مرة أخرى من جميع أنحاد العالم إلى منطقة الشرق الأوسط، التي تعتبر أحد المراكز السياحية الرئيسية في العالم مع مجموعة واسعة من مناطق الجذب التي تلبي احتياجات المسافرين الأكثر تميزاً.
ووفقا لشركة تحليل السفر ForwardKeys، احتلت المملكة العربية السعودية المركز الخامس في التصنيف العالمي للوافدين الدوليين في عام 2023، بينما احتلت الإمارات العربية المتحدة ومصر المرتبتين الثامنة والعاشرة على التوالي. “منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا هي المنطقة الوحيدة التي سجلت توسعاً في تدفقات السياحة الدولية للربع الرابع من عام 2023” حسبما ذكرت الشركة، مؤكدة على أن عدد السياح الدوليين الوافدين إلى المنطقة من المتوقع أن ينمو بنسبة 2٪ في الربع الرابع مع استمرار النمو في عام 2024.
وفي حين أن نشاط السفر قد يتأثر بالحرب بين إسرائيل وغزة في بلدان المشرق العربي، فإن وضع الإمارات العربية المتحدة كوجهة آمنة للترفيه والتسلية سيعزز قطاع الضيافة والسياحة لديها. وبالمثل، تسعى المملكة العربية السعودية، من خلال الانفتاح على العالم، إلى أن تصبح وجهة سياحية شهيرة بحلول نهاية العقد، مع خطط لمساهمة القطاع بأكثر من 10٪ في الناتج المحلي الإجمالي الوطني. وتنظر قطر وعمان أيضاً إلى السياحة والضيافة باعتبارهما ركائز محتملة لاقتصاداتهما المعتمدة على النفط، وتعملان على جذب المزيد من السياح.

نمو ملحوظ في قطاع العملات المشفرة
هناك قطاع آخر من المتوقع أن يشهد نمواً في الشرق الأوسط في عام 2024 وهو مجال العملات المشفرة.

تتوقع المجموعة الدولية لأبحاث واستشارات تحليل السوق (IMARC) أن يصل حجم سوق العملات المشفرة في دول مجلس التعاون الخليجي إلى معدل نمو (CAGR) يبلغ 53.85% بين عامي 2024 و2032. هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء هذا النمو الكبير، بما في ذلك تطوير البنية التحتيّة بقيادة الاستثمارات الحكوميّة، والاعتماد الواسع النطاق للتكنولوجيات الرقميّة، وجهود التنويع الاقتصادي الكبيرة. وتعدّ مجموعة IMARC شركة استشارية رائدة في استراتيجيات الإدارة وأبحاث السوق في جميع أنحاء العالم.

مستقبل أكثر خضرة واستدامة
مع تحول العالم نحو مستقبل أكثر اخضراراً، تُظهر منطقة الشرق الأوسط التزاماً كبيراً وإصراراً عظيماً على لعب دور رئيسي في قيادة مشاريع ومبادرات الاستدامة من أجل غد أخضر. وفقاً لشركة Strategy&، وهي جزء من شبكة PwC، فإن منطقة الشرق الأوسط لديها القدرة على أن تشهد نمواً اقتصادياً بقيمة 3 تريليون دولار أمريكي مع خلق أكثر من مليون وظيفة مستقبليّة بحلول عام 2030. وتشير الشركة إلى أنه “يمكن للحكومات وقادة الشركات الاستفادة من الموارد المتجدّدة الوفيرة في المنطقة لتصنيع منتجات صناعية محايدة للكربون وسالبة الكربون للتصدير، أو لتنويع مزيج الطاقة الخاص بها لتشمل مصادر مثل الطاقة الشمسية والهيدروكربونات ذات التأثير المنخفض على البيئة.”
مرة أخرى، تتولى دول مجلس التعاون الخليجي زمام المبادرة في مجال الاستدامة أيضاً، حيث استضافت دبي مؤخراً مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ (COP28) في ديسمبر من عام 2023، والذي من المتوقع أن يؤدي إلى خطط استدامة قابلة للتنفيذ وتعاون في عام 2024. ومن المتوقع أيضاً أن تستضيف المنطقة أحداثاً مهمة أخرى في عام 2024، بما في ذلك لايف الاستدامة دبي، قمة دبي للطاقة والاستدامة، مؤتمر الشرق الأوسط للطاقة في دبي، ICSDI الرياض، ومنتدى الاستدامة للشرق الأوسط في المنامة، وغيرها من الأحداث المهمة.