«وسط ما يشهده العالم اليوم من تحديات اقتصادية جوهرية، وأمام حالة «اللا يقين» بفعل المتغيرات الجيوسياسية وتداعيات ارتفاع أسعار الفائدة ومعدلات التضخم، وحالة الجمود في القطاعات الاستراتيجية، يبرز الاقتصاد كعنصر مؤثر وحاسم في تحديد بوصلة العالم، ضمن عدد من الاستحقاقات الانتخابية العالمية، والتي يشكل الاقتصاد فيها عاملاً محورياً».
ولعل الحدث الأبرز يكمن في الانتخابات الأمريكية التي تأتي في نهاية العام الجاري، حيث تسائلت تقارير عن مدى تأثير هذا الحدث على قرارات المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والذي أكد رئيسه جيروم باول في عدة مناسبات، بُعد قراراته عن التوازنات والحسابات السياسية المعقدة، واستناد القرارات على مؤشرات التضخم والبيانات الاقتصادية الدورية.
سياسات بنك الإحتياط الفيدرالي قبل وبعد الإنتخابات الأمريكية
هذا الحديث الذي تؤكده مجموعة دراسات سابقة، أشهرها ما تضمنته دراسة سلوك بنك الاحتياطي الفيدرالي خلال الدورات الانتخابية، والتي بينت أن السياسة النقدية قبل الانتخابات لا تتغيّر كثيراً عن ما بعدها، وهو الأمر الذي يختلف معه كثيرون، خاصة من قادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والذين يترقبّون تأثيرات سيناريوهات خفض أسعار الفائدة المتوقع خلال الربع الأخير من العام الجاري على توجهات الناخبين، بالتزامن مع نتائح الاستطلاع الذي أجرته صحيفة نيويورك تايمز، والذي بيّن أن 57 بالمئة من الأميركيين يضعون الملفات الاقتصادية باعتبارها “القضية الأكثر أهمية“.
هذه النتيجة التي تعكس تطلعات المجتمع الأمريكي لحل شامل للوضع الاقتصادي، والذي شهد عدة منعطفات حادة خلال العامين الماضيين، فبخلاف ارتفاع أسعار الفائدة ومستويات التضخم، مثّل الاستقطاب السياسي حول قانون سقف الدّين، انعكاساً فعلياً للتأثير السياسي على خارطة طريق أكبر اقتصادات العالم.
المملكة المتحدة
في المقابل، يشبّه خبراء اقتصاديون، الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها المملكة المتحدة حالياً قبيل فترة الانتخابات، بتلك الأوضاع التي سبقت انتخابات عام 1979، والتي أدت لوصول المرأة الحديدية مارغريت تاتشر لسدّة رئاسة مجلس الوزراء لمدة 11 عاماً متتالية، خاصة مع ركود الاقتصاد البريطاني، حيث أظهرت بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني، أن الناتج المحلي الإجمالي، للنمو الاقتصادي، انكمش بنسبة 0.3 بالمئة مؤخراً.
الانتخابات الهندية
من ناحية أخرى، تسود أجواء التفاؤل الاقتصاد الهندي، خاصة مع توقعات أن تشهد فترة ما بعد الانتخابات، وفقاً لتقديرات جي بي مورغان، تدفقات داخلة لأسواق الأسهم الهندية بقيمة 100 مليار دولار على مدى السنوات القليلة المقبلة، وذلك استجابة للاهتمام المتزايد لاستثمارات الصناديق العالمية في الهند، حيث تبلغ قيمتها حالياً نحو 4.3 تريليون دولار.
إجمالاً، فإن الانتخابات التي ستُعقد ضمن دول يشكل مجموع ناتجها الإجمالي نحو 60 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، سيكون لها بالغ الأثر على مستقبل الاقتصاد العالمي والذي يدخل مرحلة جديدة، تتطلب تعزيزاً للشراكات الاقتصادية بين الدول والتوسع في الآفاق الاستثمارية والتجارية، بما يسهم في تجاوز التحديات الاقتصادية، خاصة مع تزايد التوقعات غير المتفائلة تجاه أداء الاقتصاد العالمي وفقاً لتوقعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهو الأمر الذي يعزز من أهمية السياسات الاقتصادية المرنة كشعار للمرحلة المقبلة.
- بقلم: ناصر الجابري
-كاتب وصحفي اقتصادي إماراتي - نبذة عن الكاتب:
-يشغل حالياً منصب رئيس القسم الاقتصادي بوكالة أنباء الإمارات ”وام“.
-كتب المقالات في عدة صحف من بينها صحيفة ”الاتحاد“ و ”الرؤية“ الإماراتية.
-له عدة إصدارات ومؤلفات معنية بالشأن الاجتماعي.
مقالات سابقة: