ناقشنا في تقريرنا الأخير، الذي صدر نهاية مارس، سلوك الذهب اللافت حيث ارتفع سعره بشكل ملحوظ دون وجود محفزات واضحة لهذه التحركات. وأكدنا أن هذا الارتفاع يستدعي اهتماماً كبيراً لأنه يُشير إلى استمرار قوة الطلب الأساسي على المعدن الأصفر. ومنذ ذلك الحين، استمر الارتفاع الذي بدأ في أوائل أكتوبر الماضي بعد تصاعد التوتر الجيوسياسي في الشرق الأوسط. حيث حقق الذهب الشهر الماضي مكاسب قياسية بلغت 8.3%.
وصل الذهب اليوم إلى مستوى 2300 دولار أمريكي الذي حددناه في توقعاتنا للربع الأول من عام 2024 والتي حملت عنوان “سنة المعادن”، حيث عبرنا عن نظرتنا الإيجابية تجاه الذهب والفضة والنحاس ومن ثم البلاتين أيضاً.
ومن الجدير بالذكر أن وصول الذهب إلى هذا المستوى جاء دون ثلاثة عوامل رئيسية كنا نتوقعها، وهي خفض أسعار الفائدة، حيث تراجعت التوقعات من أكثر من سبع مرات في بداية العام إلى أقل من ثلاث مرات حالياً، والتي كان من المفترض أن تضعف الدولار، وانخفاض العوائد الحقيقية الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى زيادة الطلب على صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة من قبل شركات إدارة الأموال.
لم يحدث أي من هذين الأمرين بعد، وبدلاً من ذلك، ارتفع الذهب بدعم من صناديق التحوط التي استفادت من الزخم القوي الذي أحدثه الطلب العالمي المتزايد على الذهب نتيجة للتوترات الجيوسياسية المتصاعدة والنمو الاقتصادي الممول بالديون.
سلطنا الضوء، في توقعاتنا للربع الثاني من عام 2024 التي صدرت في وقت سابق من هذا الأسبوع، على الأسباب التي تجعلنا نعتقد بأن مرحلة الاستقرار التي دامت عاماً عبر قطاع السلع قد انتهت. ومن أهم هذه الأسباب التوقعات بأن المعادن الصناعية والثمينة ستحقق أداءً جيداً، إلى جانب قطاعي الطاقة والحبوب.
من المرجح أن يشهد كل من الذهب والفضة فترة استقرار، على المدى القصير. ومع اقتراب موعد خفض أسعار الفائدة والذي من المتوقع أن يؤدي إلى تحسن آفاق الدولار والعائد، نتوقع أن يواصل الذهب ارتفاعه ليصل إلى 2500 دولار أمريكي، وأن تصل الفضة إلى 30 دولاراً أمريكياً وهو أعلى مستوى لها في فبراير 2021. ومع ذلك، تظل أكبر التهديدات للأسعار هي انخفاض غير محتمل في حدة التوتر الجيوسياسي، وتوقف البنوك المركزية عن موجة شراء الذهب لديها بينما تتكيف مع الأسعار المرتفعة، وكذلك قيام صناديق التحوط بتخفيض جزء من حيازاتها الكبيرة من العقود الآجلة للذهب والتي بلغت تقريباً 300 طن الشهر الماضي.
استمر زخم الارتفاع القوي الذي شهده الذهب الشهر الماضي بعد تجاوزه حاجز 2075 دولار أمريكي دون أن يواجه أي تحديات تذكر. لم يتجاوز التصحيح الذي حدث في منتصف مارس 50 دولاراً أمريكياً، مما يشير إلى قوة الزخم. يعد غياب عمليات التصحيح الكبيرة عاملاً مساعداً لاستمرار ارتفاع الذهب، خاصة بالنظر إلى المراكز الطويلة التي تراكمت مؤخراً لدى صناديق التحوط والمستشارين الفنيين المعتمدين.
باستخدام مستويات فيبوناتشي كدليل، فإن أي تصحيح محتمل إلى 2245 دولار أمريكي أو حتى 2225 دولار أمريكي قد لا يكون كافياً لزعزعة المراكز الطويلة المذكورة. حيث من الممكن، بعد فترة من الاستقرار المتوقع، أن يؤدي احتمال خفض أسعار الفائدة واستئناف مشتريات البنوك المركزية إلى ارتفاع سعر الذهب إلى 2500 دولار أمريكي في وقت لاحق من هذا العام. يبقى مستوى الدعم الرئيسي للذهب عند 2075 دولار أمريكي.
عانت الفضة سابقاً مقارنة بالذهب، ويرجع ذلك جزئياً إلى افتقادها لدعم مشتريات البنوك المركزية. ومع ذلك، شهد الشهر الماضي تحسناً في أداء الفضة بدعم من تعافي قطاع المعادن الصناعية، وعلى وجه الخصوص النحاس الذي حقق ارتفاعاً ملحوظاً استجابة لتوقعات تشديد آفاق المعروض من المناجم ومناقشات معامل الصهر الصينية بشأن خفض الإنتاج في ظل تزايد الآمال بتعافي الطلب العالمي.
كما انخفضت نسبة الذهب إلى الفضة، خلال الأسبوع الماضي، بشكل ملحوظ من أعلى من 90 أونصة من الفضة مقابل أونصة واحدة من الذهب إلى 84.7 حالياً.
يعكس هذا الانخفاض قدرة الفضة على الارتفاع بشكل كبير عند تلقيها دعماً مزدوجاً من كل من الذهب والنحاس. من وجهة نظر فنية، تبع الارتفاع فوق مستوى المقاومة السابق الذي تحول إلى مستوى دعم عند 26 دولاراً أمريكياً ارتفاعاً سريعاً فوق 27 دولاراً أمريكياً، وهو أعلى مستوى في مارس 2022. المستوى الرئيسي التالي الذي يجب مراقبته هو منطقة 28 دولاراً أمريكياً، وهو هدفنا الأول لهذا العام، يليه أعلى مستوى في العقد عند 30 دولاراً أمريكياً.
الكاتب:
أولي هانسن، رئيس استراتيجيات السلع في ساكسو بنك