جاء إعلان صندوق النقد الدولي، عن تجديد ولاية كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة للصندوق لخمس سنوات إضافية حتى عام 2029، ليشكل تأكيداً من الصندوق على توجهه نحو الاستقرار الإداري وتأمين ركائزه الداخلية لمواجهة التحديات الاقتصادية التي يواجهها العالم، وفي ظل الظروف المتقلبة التي أثرت سلباً على آفاق النمو المتوقعة خلال الأعوام المقبلة.
وتمكنت جورجيفا، خلال فترة الولاية الأولى، من مواجهة التحدي الاقتصادي الأضخم في العصر الحديث، والمتمثل في التداعيات الاقتصادية الناتجة عن جائحة كوفيد 19، والتي شكلت عقبة عسيرة أمام صندوق النقد، أدت لظهور العديد من التساؤلات حول فاعلية الممنظمات الاقتصادية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد، ومدى جاهزيتهم ومرونتهم في التعامل مع الظروف الاقتصادية المفاجئة.
وتجاوزت جورجيفا خلال الولاية الأولى، الضغوط الإعلامية الناتجة عن مزاعم وُصفت بالمغلوطة، بشأن الضغط على موظفين البنك الدولي لتغيير بيانات لصالح الصين إبان عملها السابق بالبنك الدولي، حيث خرجت من هذه الأزمة بدعم وثقة دولية بالتزامها بالحفاظ على أعلى معايير الحوكمة والنزاهة، وهو ما دفعها لمضاعفة نشاطها الدولي في الفترة الماضية.
وتدخل مديرة عام الصندوق الدولي، للولاية الثانية، وأمامها تحديات رئيسة، لعل أولها الإصلاح في المؤسسة المالية والنظام الهيكلي المالي لدعم الدول، خاصة في ظل وجود آراء منها ما تطرّق له الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، والذي تحدّث سابقاً عن عدم إيفاء المنظمات الاقتصادية متعددة الأطراف بالتزاماتها وبالمطلوب منها في مواجهة الدول الأكثر احتياجاً.
ويأتي التحدي الثاني في توسعة نطاق الاستفادة من صندوق النقد الدولي، ليشكّل مظلة دولية جامعة للمتضررين من الأوضاع الاقتصادية الراهنة وبالأخص الدول الأفريقية، من خلال مراجعة قواعد الإقراض وإعادة هيكلة عملية صنع القرار، لتُصبح أكثر شمولية داخل المنظمة واستعادة الثقة التي واجهت عدة هزّات مؤخراً.
أما التحدي الثالث فيتمثل في قدرة الصندوق على التعامل مع الظروف المالية والاقتصادية الناتجة عن المشهد الجيوسياسي الحالي والصراعات السياسية والعسكرية التي تُلقي بظلالها على التزامات الدول، إضافة لتحديات أخرى تشمل تداعيات أسعار الفائدة التي تعد مرتفعة على المستقبل الاقتصادي متوسط وبعيد المدى، ومضاعفة جدوى برامج الصندوق في انتشال الاقتصادات المتضررة.
إجمالاً فإن الخمس سنوات المقبلة، ستمثل نقطة تحول استراتيجي في بقاء دور وتأثير المنظمات الاقتصادية التقليدية متعددة الأطراف، وهو ما يفرض ضرورة العمل على إيجاد سياسات مالية أكثر واقعية وإيجاد برامج مستدامة ذات جدوى اقتصادية طويلة الأمد، بما يضمن استقرار الدول والمجتمعات.
- بقلم: ناصر الجابري
-كاتب وصحفي اقتصادي إماراتي - نبذة عن الكاتب:
-يشغل حالياً منصب رئيس القسم الاقتصادي بوكالة أنباء الإمارات ”وام“.
-كتب المقالات في عدة صحف من بينها صحيفة ”الاتحاد“ و ”الرؤية“ الإماراتية.
-له عدة إصدارات ومؤلفات معنية بالشأن الاجتماعي.
مقالات أخرى للكاتب:
ناصر الجابري يكتب..«الاقتصاد.. ورقة التصويت الحاسمة في عالم 2024»
ناصر الجابري يكتب: الشراكة بين الإمارات ومصر..من منظور الاقتصاد