محمد فؤاد يكتب : هل مصر مقبلة على أزمة عقارية وهل هناك ما يدعو للقلق حول استثمارات المصريين؟

«يكثر الحديث كل فتره عن التوقعات بحدوث أزمة في القطاع العقاري وحدوث حاله من الركود البيعي ، وذلك لأن سوق العقارات في مصر نما بشكل مطرد منذ 2013 حتى الآن؛ خاصةً مع توسع الدولة والشركات الخاصه في هذا القطاع، وهو التوسع الذي بلغ أوجه في أكبر مشروع من حيث حجم التمويل، وهو العاصمة الإدارية الجديدة؛ حيث إنه من المستهدف أن يصل حجم الاستثمارات في تلك العاصمة الجديدة إلى ما يعادل 45 مليار دولار، وهو ما يُعادل أكثر من 15% من الناتج المحلي الحالي في مصر».

وفي نفس الوقت تزايدت التكهنات مؤخرا في أوساط الخبراء الاقتصاديين، حول إمكانية انفجار فقاعة في السوق العقاري المصري خاصة بعد الزيادات السعرية الكبيرة في أسعار العقارات، التي قاربت معدلات التضخم التي حدثت بعد قرار تحرير سعر الصرف أكثر من مره منذ نوفمبر 2016، حيث وصلت إلى ما يزيد عن% 60 ، وبكل تأكيد تُعزِّز تلك المخاوف من احتمالية انفجار الفقاعة نفسها، فحين يتحدث الفاعلون في السوق العقاري أو السوق بشكل عام عن وجود فقاعة سعرية قائمة أو فقاعة عقارية في المستقبل، فهذا يؤدي على المدى الطويل لإحجام المضاربين عن الشراء والاتجاه للبيع أكثر.

وهذا السلوك الجمعي الذي يوصف بالجنون ، قد يؤدي أحيانًا لأزمة كبيرة في القطاع العقاري، فالعامل النفسي هو جزء مهم لخلق أي أزمه وخاصه الأزمات الاقتصاديه ، وكما كان هذا العامل مؤثرًا في الأزمة العقارية الكبرى في 2008، فإنه يمكن أن يؤثر بالطبع في صناعه أزمة للسوق العقاري المصري – إن لم تكون هناك ضوابط حكوميه صارمه لمواجهه هذا الأمر.

و لكي نفهم ماذا نعني بالفقاعة العقارية علينا الرجوع للعام 2004، ففي هذا العام، كان السوق العقاري الأمريكي يشهد طفرة كبيرة، و كان المطورون العقاريون الكبار يقترضون من البنوك ليبنوا منازل للمواطنين الأمريكيين، و أصبح تملُّك منزل جزءًا من الحلم الأمريكي ، و كان كل شيء مستقرًّا، لكن في نفس العام كتب الاقتصادي الأمريكي الحائز على نوبل «روبرت شيلر» بالاشتراك مع زميلته “كارل كيس” بحث مطول مطوّلة بعنوان «هل هناك فقاعة في السوق الأمريكي؟»، و لم يكن مفهوم الفقاعة السعرية منتشرًا في ذلك الوقت.

وكان كثير من الاقتصاديين والسواد الأعظم من الوكالات الائتمانية الكبرى يصنِّفون الاستثمار في القطاع العقاري استثمارًا آمنًا ، ووفقًا لشيلر وكيس وقتها ، فإن الفقاعة غالبًا ما تُعبِّر عن ارتفاع للطلب على العقار يرفع بدوره السعر، ونتيجة لتأخر قوى العرض في الاستجابة لهذا الطلب بسبب بطء عملية بناء وبيع المنازل، تبدأ الأسعار تزداد، وتُوحي تلك الزيادة السعرية لكثير من المستثمرين بمزيد من الرفع للأسعار، ومن ثَم يبدأ الجميع بناء وبيع العقارات ، و على الجانب الآخر، يشعر المستثمرون بأن العقار هو مستقبل آمن لمدخراتهم.

ومن ثَم يشتري هؤلاء كثيرًا منها بغرض المضاربة وإعادة البيع لاحقًا؛ و تستمر الزيادة السعرية في التغذية الذاتية لنفسها، وهو ما يدفع الفقاعة السعرية للتضخم، حتى تصبح الأسعار في النهاية في مستويات تفوق القدرة الشرائية لمعظم السكان، وهو ما يحدث اليوم في الحالة المصرية، حيث إن هناك كثيرًا من العرض وقليلًا من الطلب بسبب ارتفاع الأسعار.

و يتجه معظم المطورين العقاريين الأن لبناء العقارات الفخمة التي تناسب طموحات الطبقة الوسطى العليا في الادخار في أصل ثابت مثل العقار، و هنا يتوقف العقار عن دوره الأساسي، أن يكون «مسكنًا»، ويتحول إلى مخزن للقيمة، أي يصبح الجميع مقتنعًا بأن أفضل مخزن لقيمة المال هو العقار؛ فالعقارات أسعارها تزيد سنويًّا على الأقل بمعدلات أكبر من معدلات الفائدة البنكية، حتى على الرغم من الارتفاع الشديد لأسعار الفائدة بعد التعويم لما يقارب 23%, وحتى إن لم تكن الأرقام صحيحة، أي كانت معدلات الفائدة البنكية أكبر من الزيادة في سعر عقارات معينة، فيكفي أن يقتنع الجميع بذلك ليُقبلوا على شراء المزيد من الوحدات وتخزينها لإعادة بيعها مرة أخرى.

وبكل موضوعيه ، تُحدد عدة عوامل أخرى الطلب المتزايد علي العقارات في مصر، منها العوامل الثقافية، فتقاليد مطالبة الزوج بشقة مستقلة للزواج، خاصة في المدن، تشكِّل دافعًا للطلب، لكن في الغالب، يلجأ هؤلاء للسوق غير الرسمية التي تقوم عليها شركات عقارات صغيرة جدًّا أو أشخاص، وبحسب ديفيد سيمز، صاحب أشهر الأعمال في رصد التغيرات العمرانية في القاهرة، فإن هذا السوق غير الرسمي استوعب ما يقرب من 79% من الزيادة السكانية في مصر في الفترة بين 1996–2006؛ بينما لم تستوعب المدن الجديدة الرسمية إلا ما يقرب من 15% ، إذن هناك سوق غير رسمي كبير في مصر لا نعرف حجم التضخم في أسعار العقارات فيه على وجه الدقة، و أيضًا، لا يقدم لنا المطورون العقاريون في السوق الرسمي سواء في القطاع العام أو الخاص أي أرقام واضحة عن التضخم في أسعار العقارات، كل ما نملكه هو تقديرات، وهو ما يصعِّب مهمة التنبؤ.

و بلاشك ساعد ضخ الدولة لاستثمارات عامة كبيرة في قطاعات البنية التحتية علي نمو القطاع العقاري، و في المجمل، ينمو قطاع العقارات بمعدل يساوي أو يزيد عن ضعف النمو الحقيقي في مصر، فمنذ 2013، نما قطاع التشييد والبناء بمعدل أكبر من 7%، و ساعد هذا النمو المطرد للقطاعين، التشييد والبناء وقطاع الأنشطة العقارية، على زيادة الوزن النسبي للقطاعين من الناتج المحلي الإجمالي، ففي العام السابق فقط، أصبح الوزن النسبي للقطاعين معًا حوالي 16% من الناتج المحلي.

وهو ما جعل كثيرًا من المطورين العقاريين والخبراء في القطاع يعتقدون أنه أصبح قاطرة النمو، وهو تصور صحيح بالفعل، فمعدلات النمو العالية التي يحققها القطاعان تؤدي بالتبعية لنمو الناتج المحلي، لكن تلك الأرقام تخفي كثيرًا من الأمور؛ فبينما تستمر الأزمة الاقتصادية في مصر، يستفيد القطاع العقاري من التسهيلات التي تقدمها الدولة ومن الاستثمارات التي تضخها في قطاع العقارات والبناء والتشييد، خاصة المشاريع الكبرى للمدن الجديدة على رأسها العاصمة الإدراية الجديدة، وبلاشك تساعد تلك الاستثمارات التي تضخها الدولة على تعزيز موقع القطاع العقاري وزيادة نسبته في الناتج المحلي الإجمالي ومساهمته في النمو الاقتصادي.

وإذا قررنا أن نضم قطاع التشييد والبناء لقطاع الأنشطة العقارية، يصبح إجمالي القطاعين 16.4% كوزن نسبي من الناتج المحلي، أي أن قطاع العقارات في مصر يعادل تقريبًا الوزن النسبي للقطاع الصناعي في مصر بأكمله، و يعبر هذا الاختلال في الأوازن النسبية للقطاعات الكبرى في الاقتصاد عن لب الأزمة الهيكلية للاقتصاد المصري، وهي التي تتجلى في زيادة حجم الأنشطة الخدمية عن حجم الأنشطة الإنتاجية، وبالتالي انعكاس هذا الاختلال على معدلات البطالة والفقر وغيرها من المؤشرات الرئيسة للاقتصاد، و يعبر النمو الأخير في الناتج المحلي بعد إجراءات الإصلاح الاقتصادي عن نمو هش مدفوعًا بقطاعات هشة كالقطاع العقاري، يمكن أن يُحدث لها أزمة في أي وقت، وهو ما سوف يجعل تأثير الفقاعة العقارية مدمرًا للاقتصاد.

بقلم:

محمد فؤاد

الخبير العقاري
عضو جمعيه رجال الأعمال المصريه البريطانية