محمد فؤاد يكتب: معارض العقارات في مصر تبحث عن جمهور

وكثرتها أضعفت تأثيرها

من لا يستعد للأزمات.. يتعرض لها دائما، ومن لا يسع للتكيف مع تحولات الأسواق ومتغيراتها.. سيخسر يوماً ما، ومن لا يستشرف توجهات العملاء والمستثمرين يدفع الثمن باكياً.. ومن لا يتغير قبل التعرُّض للمخاطر.. تجبره المخاطر على التغير وهو مجبر.

ثمة حقائق أساسية، وهي أن السوق العقاري المصري يمر بمرحلة حساسة، صحيح أن أسعاره لن تنهار، لكنه من المرجح أن يتعرّض لموجة تصحيح سعرية، وصحيح أن أساسياته قوية، وأنه الأكثر قدرة على مواجهة الصدمات، لكن ثمة حقيقة مفادها أن البيئة التشغيلية باتت أصعب، فكيف استعدت شركات التطوير العقاري في مصر لتطور وتسوق العقارات محلياً أو حتى في الأسواق الخارجية لهذه المتغيرات والحقائق من حيث آلية تسويق وطرح مشاريعها؟ هل سيستمر هؤلاء فقط في طرح وعرض المشاريع المتكررة نفسها في العديد من المعارض العقاريه فاقده الجدوي ؟ ألم تراودهم فكرة ملل الزوار؟ ألم يفكروا في أن السوق العقاري يحتاج إلى أدوات تسويقية أكثر ابتكاراً؟ ألم يتوقفوا دقيقتين فقط أمام احتمالية تأثر القدرة الشرائية للمواطنين والمقيمين الراغبين في شراء عقارات في ظل البيئة الاقتصادية الحالية؟

على الأرجح أنهم يتصرّفون كما لو أن الاقتصادي والفيلسوف البريطاني جون ستيوارت ملّ يلقنهم عبارته الخالدة التي رددها في القرن الثامن عشر «ملاك العقارات يصبحون أغنى حتى أثناء نومهم».. غير أن هذه العبارة لم تعد صالحة الآن إلا للتقليديين والكسالى.. فالعقار سلعة.. والسلعة لن تسوق نفسها بنفسها.. حتى في قصص الأطفال لم يحدث ذلك.. لكنه يحدث فقط في خيال بعض مطوري ومسوقي العقارات في مصر الان.

ابان الأزمة المالية العالمية التي نشبت في أميركا والمعروفة باسم أزمة الرهون العقارية انتشر ملصق عليه صورة فأر، هذا الفأر يرمز لسمساري العقارات ويحمل مظلة سوداء ممسكاً حقيبته اللامعة هارباً من الخراب الذي سببه هو أصلاً وحاملاً ثروته الهائلة.. الصورة كانت تقليدية فالفئران أول من يفر من السفن الغارقة.. لكنها انتشرت سريعاً. فالأزمة أثرت آنذاك في حياة الاميركيين لكن مطوري ومستثمري العقار تحركوا بسرعة تسويقيا لاعادة الثقة لعملائهم وكان منتشراً آنذاك اعلان في برنامج مقدمة البرامج الأشهر في الولايات المتحدة اوبرا وينفري يقول «سوف يكون اعتقادي الأبدي هو ان شراء منزل خيار رائع.. لماذا!.. لأنك لا تستطيع أن تعيش داخل أسهمك ولن تفترش الأوراق المالية لتنام عليها، ولا تسع لاقناعى أنك ستقيم في صندوق استثمار مشترك.. لكن عند شرائك للعقار يكون ذلك هو الوقت الذي تذهب فيه ليس فقط لابرام صفقة جيدة في وقت الركود.. وانما تذهب أيضاً لعقد صفقة عمرك ، وأمام ملصقات الفأر الهارب انتشرت حملات تسويقية مضادة بعضها استعار عبارة الملياردير الاميركي جون ألفرد بولسون التي تقول «إذا كنت لا تملك منزلا اشتر واحداً.. واذا كنت تمتلك منزلاً واحداً فاشتر آخر اضافيا.. أما اذا كنت تملك منزلين فاشتر الثالث وأقرض أقاربك أموالاً ليشتروا هم أيضاً.

آنذاك ايضاً انتشرت عبارات تسويقية ودعائية من قبيل «شراء منزل أكبر لا يعني بالضرورة إنفاق المزيد من المال» جنباً إلى جنب مع «نحن نحول الاستثمار إلى علاقات استثمارية» و«لا تشتر مني عقاراً اذا لم تكن مستعداً للربح» و«معنا ستشعر بأنك محط اهتمام العالم كله» و«سنفعل ذلك سويا.. سنفعله مرة أخرى» و«سنقودك إلى طريق منزلك» و«أنا السمسار الخاص بك.. أهلا بك في منزلك» و«الأداء السابق ضماننا للنجاح في المستقبل» و«انها السادسة والنصف مساء.. عزيزي هل تعرف أين منزلك المقبل؟» و«سنبيع منزلك.. اذا فشلنا.. سنشتريه.. هكذا بكل بساطة» و«نحن لن نختفي بمجرد التوقيع على العقود، وفي إطار مواجهه ماسبق ذكره تحركت شركات العقار الاميركية للتواكب مع متغيرات السوق بمرونة فائقة من الناحية التسويقية من خلال رصد منسوب الثقة لدى المستثمرين وقياس معدلات احجامهم عن الشراء وطرح ادوات تمويلية جديدة وتغيير الخطاب السائد الموجه للشرائح المستهدفة وتوسيع الخيارات أمام العملاء.. ثم ماذا حدث؟

عادت الثقة مجدداً ونجحت الشركات في استقطاب عملاء جدد ومواجهة الأزمة.. لماذا؟

لقد ادركوا المتغيرات وتعاطوا معها مبكراً..

ثمة حقيقة مؤكدة وهي أن من لا يدرك أن سقف بيته بات متهالكاً.. سينهار على رأسه يوماً ما ، ومنذ أن بدأ القطاع العقاري في مصر يشهد حاله من الرواج والتوسع وخاصه ضمن المشروعات العمرانيه الجديده التي شهدها السوق العقاري المصري علي مدار السنوات الخمسه الماضية ، وهو مع بدايه التأسيس لمرحله جديده من التطوير العقاري في مصر ، والتوجه نحو مفاهيم وأنماط عمرانيه جديده علي شكل ونمط الاستثمار العقاري في مصر ، كان ذلك سبيلا قويا نحو تحفيذ الطلب علي المنتج العقاري المقدم ، ليس فقط المستهلك المحلي ، بل أصبح المستهلك الاجنبي أيضا شريك قوي في تكوينه الطلب علي المنتج العقاري المصري ، وراح الحديث عن مفاهيم جديده مثل تصدير العقار ، والذي مازال حتي الآن في مصر لم يخرج بالشكل والإطار الذي يحدث القيمه المضافه علي الصناعه العقاريه.

وفي خضم تحولات عديده ومتغيره ومتلاحقه شهدها السوق العقاري المصري خلال الفتره الماضيه، ظهرت هناك آفه باتت تشكل خطرا كبيرا علي واحده من أهم الأدوات التسويقيه التي تعتمد عليها صناعه العقار كلها برمتها لإظهار المنتج العقاري في أفضل صوره ، نظرا لأنها تصنع طلبا حقيقيا علي المنتج العقاري ، وتأتي بعميلا لديه رغبه حقيقيه في شراء وتملك العقار بمختلف أنواعه ، والمعني هنا بهذا التوصيف هي المعارض العقاريه ، والتي فقدت تأثيرها وجدواها الحقيقيه في مصر ؛ بأن تكون صانعا ومشكلا لقوي طلب حقيقيه داخل السوق المصري ، وباتت صناعه المعارض العقاريه تفقد جدواها وتأثيرها ، وربما ذلك لأن تلك الصناعه إقتحمها العديد من الهواه والغير متخصصين في تلك الصناعه ؛ وهو ما أفقد تلك الصناعه هيبتها و موسميه حدوثها ؛ بل إن هذا الأثر السلبي امتد ليلحق ضررا أكبر بالمعارض العقاريه الكبرى التي كان ينتظرها العميل من العام للعام ، وبات هناك معرضا عقاريا كل يوم ، بل قد يكون هناك أكثر من معرض عقاري يقام في اليوم الواحد ، وهو ماساهم في تزايد المعروض من تلك المعارض المتخصصه ، وأصبحت سلعه عديمه القيمه ؛ وهو ما أفقدها تأثيرها ، وأصبحت أداه عديمه الجدوي والأهميه والقيمه وفقدت هيبتها.

و تعد المعارض العقارية من أهم وسائل التسويق العقاري التي يلجأ إليها المطورون العقاريون لبيع مشروعاتهم، لكنها شهدت في الآونة الأخيرة ضعف الإقبال الجماهيري، وهو ما أرجعه البعض إلى حالة الركود التي تشهدها السوق العقارية في مصر مؤخرا، وأصبح الإقبال ضعيف ويكاد يكون معدوماً، رغم أن كثيراً من الشركات العقاريه المشاركه بها تقدم عروضاً تسويقية خاصة خلال المعرض، كما أنه للحقيقه ؛ فإن حالة الركود العقاري التي تعاني منها السوق المصرية في الأشهر الخمسة الأخيرة، والتي ربما ترجع إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمصريين شكلت أيضا سببا قويا في ضعف جدوي المعارض العقاريه الأن، حتي وأن كان هناك بعض الزحام في بعض تلك المعارض، فهو زحام وهمي غير حقيقي ليس بطله العميل ، وإنما هو نتيجه تكدس العديد من أفراد المبيعات لشركات التطوير العقاري وكذلك من شركات التسويق العقاري ، علي أمل أن يأتي إليهم عميل ، يتم التعامل معه علي أنه فريسه وصيد ثمين يتم التصارع عليه ، وليس تقديم خدمه تسويقيه ممنهجه وإحترافيه له، لذلك فإن المعارض فرصة تسويقية جيدة إذا تم اختيار التوقيت المناسب لها، وتنظيمها بحيث لا تزيد على معرضين في العام، إنما كثرة المعارض العقارية التي شهدتها مصر مؤخراً، أضعف من تأثيرها وفائدتها التسويقية.

و علي مدار سنوات طويله ، ظلت المعارض العقارية ، الاليه الاقوي والاكثر تأثيرا من بين ادوات التسويق العقاري، وظل توقيت انعقاد اي معرض من تلك المعارض سواء علي الصعيد المحلي أو العالمي حدث كبير ينتظره كافه المتابعين للسوق العقاري سواء علي صعيد المطورين أو العملاء ، فلم يكن انعقاد تلك المعارض حدث هام فقط لاطراف المعادلة العقاريه، بل للعديد من المهن والحرف المرتبطة بتنظيم تلك المعارض ، حيث أنها كانت ومازالت صاحبه تأثير اقتصادي قوي في السوق العقاري، ويشهد انعقادها حاله رواج كبيره داخل الدوله ، حتي ان معظم تلك المعارض يتم الترويج لها علي مدار فترات طويله قبل حدوثها، حتي ان معظم تلك المعا،ض اكتسب سمعه ترويجيه عقاريا محليا وعالميا، وانعكس ذلك علي اداء كافه المطوريين العقاريين ، حيث ان جميعهم يستعد لتلك المعارض منذ فتره كبيره تسبق انعقاد المعرض ، ويحاول كل مطور ان يقدم افضل عروض بيعيه لديه لاجتذاب اكبر قدر ممكن من العملاء ، وهو مالاشك ينعكس في خلق حاله من المنافسه القويه داخل السوق العقاري ، بل ويدفع نحو احداث حاله رواج قويه للقطاع العقاري والسوق بكافة قطاعاته الاقتصادية، واستمرت اليه المعارض تحقق ذلك النجاح وامتد حتي الان، الا ان التحريف دائما مايفقد للشئ قيمته وتأثيره ويقلل من تنافسيته ، وهو ماحدث بالفعل من شركات التسويق العقاري داخل السوق المصري ، حيث بدأ العديد منها في التفكير في اقامه المعارض العقارية لكل شركه تسويق علي حده ، وبدأت سياسه التقليد والتكرار ، وخلال فتره زمنيه قصيره تعددت المعارض العقاريه وانتشرت – حتي انه اصبح هناك معرض كل يوم ، وتعددت المعارض العقارية لشركات التسويق العقاري، حتي انها فقدت قيمتها وتأثيرها كأحد اهم واقوي الاليات التسويقية للقطاع العقاري، والدليل علي ذلك ان العديد من المعارض العقارية التي نظمتها شركات التسويق العقاري لم تحقق سوي مبيعات قليله للغايه ، بل لا نكن مبالغين ان قولنا انها لم تحقق ايه مبيعات علي الاطلاق ، وهو مانعكس بالتبيعيه بالسلب علي المعارض العقارية الكبري والتي ارتبطت في اذهان كل المتعاملين داخل السوق العقاري، وفقدت المعارض العقارية الكبري هيبتها ، وتأثر السوق العقاري المصري بالسلب نتيجه ذلك.

لم يكن احد من اصحاب شركات التسويق العقاري يعلم انه مايفعله باقدامه علي اقامه تلك المعارض يضر اكثر مما ينفع ، بل يدفع نحو احداث حاله من التشبع للعميل ويجعله مع مرور الوقت يفقد الشغف في حضور المعارض الاخري التي تقام، الا ان مايجب علي اصحاب تلك الشركات من شركات التسويق العقاري ان المعارض العقاريه هي صناعه وليست مجرد حدث يقام للعرض والدعاية للمشروعات العقاريه، وان استمرت شركات التسويق العقاري في انتهاج تلك السياسه فإنها تكتب شهاده وفاه لتلك الاليه الهامه للتسويق العقاري في مصر ومنطقه الشرق الأوسط.

وأخيرا ، لابد وان تتدخل الدوله بوضع الضوابط اللازمه لحفظ تلك الصناعه وضمان استمراريتها ، وتقديم الدعم الكامل للنهوض بها من خلال هيئه وطنيه للتنظيم تتولي ذلك الامر، حيث تعد اليه المعارض العقاريه اداه ذات فعالية محورية وأداة لاستعراض أهم البيانات والإحصائيات المرتبطة بالسوق العقارية المصرية، كما تضع المعارض رؤى حيوية حول الاتجاهات والفرص الناشئة فى السوق المصرية، التى تؤثر على قرارات الأعمال التى يتخذها صناع السوق.