بقلم: دكتور محمد راشد عضو مجلس ادارة غرفة التطوير العقاري
في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008-2009، تعثر الاقتصاد المصري بعد فترة انتعاش قصيرة، واستمر بعدها مدفوعاً بأزمات متراكمة، بدًءا من التعافي البطيء لمعدلات النمو عالمياً ومحلياً، وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي محلياً وإقليمياً، مروراً بأزمة 2016 الاقتصادية، ثم وصولاً أخيراً إلى وباء كورونا المستجد في عام 2020، وأزمة سلاسل الإمداد العالمية، وتبعات الحرب الروسية – الأوكرانية.
المخازن الآمنة
وفي ظل هذه الظروف، ترتفع أهمية المخازن الآمنة للقيمة مثل الذهب والمعادن النفيسة والعقارات، لتفادي آثار الأزمات الاقتصادية، وبالفعل، لقد استمرت جاذبية القطاع العقاري للاستثمارات الخاصة في مصر بما انعكس على ارتفاعها التدريجي حتى وصل للمرتبة الأولى بين القطاعات غير البترولية في العام المالي 2011/2010 بعد أكثر من عقد من احتلال المرتبة الثانية.
التحول الاقتصادي
وفي إطار التحول الاقتصادي للدولة المصرية، تزايد اعتماد الحكومة على تخصيص وبيع الأراضي لتمويل احتياجات أجهزتها المختلفه، وقد استهدفت هذه السياسة تغطية احتياجات الحكومة من النقد المحلي عن طريق طرح وبيع الأراضي للمطورين، أو تخصيصها مباشرة للهيئات المراد تمويلها، والتي تتولى بدورها بيعها أو إدارة دخولها لصالح الدولة .
كان هناك عاملان رئيسيان يشّكلان صورة اهتمام الحكومات المصرية المتتالية بالاستثمار العقاري منذ السبعينيات: أولهما هو الكثافة السكانية المرتفعة والمتزايدة مقابل رقعة شبه ثابتة من الأرض المتاحة، وهو ما يخلق ضغطاً مستداماً يرفع من أسعار الأرض والعقار.
ويشجع الحكومة على محاولة تقديم مساكن تخفف من الأزمة في هيئة مدن صحراوية، ويتداخل هذا العامل مع عامل آخرالمتمثل في أزمة حشد الموارد المحلية.
حشد الموارد
ويسمح الاستثمار العقاري، كأداة مالية للدولة، بحشد موارد ريع الأرض بثلاث طرق أساسية؛ وهي: بيع الأراضي البكر – أي التي لم يسبق استغلالها بأي صورة- لمطورين عقاريين، أو بناء وتشييد الأرض وبيع الوحدات، أو مشاركتها مع مطورين أو رجال أعمال كجزء من رأسمال مشروع مشترك.
حيث أن هذا الاعتماد على الأرض، كصورة ومخزن للقيمة، يمِثّل مايمكن أن يعتبرمحاولة لـنقَودة الأرض إلى حد ما، بمعنى التسليع النقدي لها؛ بما إن النقود هي الصيغة التي تستخدمها الحكومة للتعبيرعن والوفاء بالتزاماتها، سواًء كان ذلك ذهباً، أو ورقاً، أو أرضا، وتتسم النقود بصفتين أساسيتين، هما: افتراض القيمة الجوهرية – سواًء مباشرة في حال المعادن ، النفيسة، أو غير مباشرة في حال العملات الورقية، وكذا سهولة التداول.
القيمة الجوهرية
وبينما تتسم الأرض بالقيمة الجوهرية، فإن معضلة تحويل الأرض لقيمة نقدية تكمن في مدى سهولة تداولها، أو بمعنى آخر مدى سيولتها ، وبالتالي، فعندما بدأت قدرة الحكومة على تعبئة مواردها في التراجع، من خلال الصورة التقليدية عن طريق الضرائب لتمويل احتياجات أفرعها المختلفة، كان من الضروري «نقودة» جزء من ممتلكاتها لتمويل التزاماتها المادية، ولهذا لجأت الحكومة لمحاولة تسييل ممتلكاتها من الأراضي، وهو ما أصبح ممكناً بسبب وجود طلب دائم غير ُملبَّى في السوق، بما يضمن سهولة التداول وسرعة تسييل الأصل في وقت الحاجة.
كما أنه يضمن حدا ًأدنى للقيمة النقدية لهذه الأملاك الُمسيّلة، وكان هذا كله يمثّل ظروفاً سوقية يمكن للحكومة التحكم بها بفضل ملكيتها لسائر الأراضي الصحراوية، وما تمثله من مساحات للتوسع خارج المدن والقرى القائمة داخل الزمام، وبالتالي، تتحكم الدولة بدورها في قوى العرض والطلب في الوادي والدلتا.
و تُوج التسارع في نمو القطاع العقاري في الثمانينيات، بحلوله محل الزراعة كثالث ِّ أكبر قطاع غير بترولي في منتصف التسعينيات ، وبدًءا من2011 ،استحوذ القطاع العقاري على المرتبة الأولي في الاستثمارات الخاصة، وحافظ على معدلات نمو قوية برغم عدم الاستقرار السياسي الذي شاب المرحلة التالية على ثورة يناير2011 ، ومن المهم هنا ملاحظة أن النمو المتسارع للقطاع غيرمتماٍش مع القطاعات الأخرى، فبينما انخفض تأو تباطأت استثمارات القطاع الخاص بين عامي 2009 و2011 الماليين في أغلب القطاعات، فقد تضاعفت في القطاع العقاري، معبرةً عن دور هذا القطاع كملجأ آمن للاستثمار في أوقات الحذر والتخوف الاقتصادي .
المعروض النقدي العام
ولنا أن نتخيل المعروض العقاري في الوادي والدلتا بمثابة «المعروض النقدي العام»، بينما تمثل أراضي الظهير الصحراوي «الاحتياطي العام للخزانة»؛ حيث أنه من الممكن طرحه على السوق بالتدريج، وإن كان أي إفراط في ذلك قد يخاطر بالحّط من قيمة هذه العملة المفترضة. في هذا الإطار أيضاً، تصبح أزمة السكن دافعاً أساسياً لقوة هذًه العملة، ويكون ذلك عن طريق تغذية الطلب الدائم غيرالُملبَّى ؛ إذن، نجاح الحكومات المتعاقبة في استخدام الأرض والاستثمار العقاري بهذه الطريقة على مدار العقود الأربعة الماضية، لتوفير احتياجاتها التمويلية المحلية، و الصعود الصاروخي للقطاع العقاري ومنزلته من الاقتصاد المصري، كان يعني أن محاولة استخدام نفس الطريقة لتأمين احتياجات التمويل الأجنبي آتية عاجلاً أو آجلاً.، وتظل المعضلة الأساسية في هذه المحاولة هي كيفية استخدام قطاع غير-تجاري بطبيعته لتوفير النقد الأجنبي ؛.
ويوجد يوجد ثلاث طرق أساسية لاستخدام القطاع العقاري لتوفير النقد الأجنبي: أولها، عن طريق شراءالمصريين بالخارج لأراٍضأ ووحدات عقارية ، وبعدالسماح بتملك الأجانب لأراٍض في مصر،أتيح طريقان آخران؛ وهما: إماتملك الأجانب أراضي أوعقارات في مصر، وإما الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاع العقاري من خلال تمويل أو بناء أو بيع وشراء وتسويق الوحدات العقارية. نلاحظ أن شراء الأفراد، سواًء مصريين بالخارج أو أجانب للعقارعادة ًماتكون أسبابه عضوية إلى حٍد كبير، فأغلب المصريين بالخارج عمالة مهاجرة تتوقع العودة إلى مصر في وقت أو آخر، وعليه فإنها تحتاج إلى العقار، وكذا في حال الأجانب المقيمين في مصر.
أما بالنسبة للطريق الثالث، وهو الأبرز، فتحتاج الحكومة لتحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاع بضمان عوائد تنافسية على الاستثمار ، وبما أن الحكومة تتحكم في سعر الأرض بطريقتين؛ إحداهما مباشرة، والأخرى غير مباشرة – الطريقة الأولى من خلال التحكم في المعروض ـ إذ تعني ملكية الدولة لأراضي الظهير الصحراوي، احتفاظها بالحق الاحتكاري في تحديد حجم السوق ومعدل التوسع فيه،
فبينما يتزايد الطلب تلقائياً بفضل الضغط السكاني، لا يزيد المعروض إلا بإرادة الحكومة. وأما الطريقة الثانية، وهي أكثر مباشرةً، فتتمثل في سعر طرح الأرض في المزادات أو تخصيصها بالأمر المباشر، ورغم أن هذا التدخل أكثر مباشرةً، إلا أنه ليس بالضرورة أكثر تأثيراً، حيث يحدد المطور العقاري سعر البيع بلا قيود في عقود التخصيص، بغض النظر عن سعر الشراء وقيمة البناء نفسه.
ومعنى ذلك هو أن الحكومة تستطيع ضمان عوائد تنافسية للمستثمربفضل تحكمها في السوق العام، فطالما ظل الخلل المستدام في السوق كاٍف لضمان سيولة الأرض، فإنه يظل كافياً لخلق عوائد تنافسية للاستثمار الأجنبي، وكلما قل هذا الخلل واستقر السوق أكثر، تصاغرت تنافسية الاستثمار بالنسبة للاقتصادات الأخرى.
و تُوج التسارع في نمو القطاع العقاري في الثمانينيات، بحلوله محل الزراعة كثالث ِّ أكبر قطاع غير بترولي في منتصف التسعينيات ، وبدًءا من2011 ،استحوذ القطاع العقاري على المرتبة الأولي في الاستثمارات الخاصة، وحافظ على معدلات نمو قوية برغم عدم الاستقرار السياسي الذي شاب المرحلة التالية على ثورة يناير2011 .
ومن المهم هنا ملاحظة أن النمو المتسارع للقطاع غيرمتماٍش مع القطاعات الأخرى، فبينما انخفض تأو تباطأت استثمارات القطاع الخاص بين عامي 2009 و2011 الماليين في أغلب القطاعات، فقد تضاعفت في القطاع العقاري، معبرةً عن دور هذا القطاع كملجأ آمن للاستثمار في أوقات الحذر والتخوف الاقتصادي .