عشره سنوات مضت ، مثلت نقطة فارقة في تاريخ وعمر الاقتصاد المصري ، تحديات متنوعة ومتلاحقة ولم تكن هينه، منها ماكان داخليا متعدد المنهجيات وربما لأول مره يحدث علي أرض الواقع ، ومنها ما كان مرتبطا بظواهر ومتغيرات إقتصاديه خارجيهً لم يسلم الاقتصاد المصري منها ، بل إمتد تأثيرها لأبعد من ذلك.
عشر سنوات شكلت نظاما إقتصاديا عالميا سريع التغير ، لا نستطيع ان ننكر ان جزء كبير من هذا التغير كان في كثير منه يعود لأمور سياسيه ومصالح دوليه بارجماتيهً غيرت مفاهيم عديده في حركه التشابكات في منظومه الاقتصاد العالميً ؛ تلك المنظومة الاقتصاديه التي أصبحت تسير وفق منهجيات ربما في كثير من الأوقات لا ترتبط بالأدبيات العلميه ، بل تحكمها لعبه المصالح والقوي.
وفي خضمً كل تلك التغيرات ، حدثت تحولات عديده في إداره متغيرات المشهد الاقتصادي المصري ، فمنذ عام ٢٠١٤ ، وتحاول الدوله المصريه خوض معركه شرسه في سبيل صناعه التنميهً، تلك المعركه التي لا تعترف سوي بأنه ليست هناك رفاهيه في إرجاء أو تأجيل تنفيذ اي مرحله من مراحلها ، وربما ذلك يحتاج الي دوله تمتلك وضعا مستقرأ في كافه النواحي.
إلا ان هذا لم يكن متوفرا بهذه المثاليه في حاله الدوله المصريه ؛ فالوضع في مصر لم يكن أبان عام ٢٠١٣ جيدا علي الإطلاق ، تصارعات عديده إشتبكت معها الدوله المصريه في سبيل تعزيز سبل استقرارها وتحقيق تنميه حقيقيه لأجيال حاليه واجيال قادمه في ظل عالم متعدد الهويات الاقتصاديه التي لا ترحم ولا تحترم سوي القوي ، وراحت الدوله المصريه تؤسّس لميلاد دوله جديده تختلف كليا عن ماسبق قبل ٣ عقود مضت ، دوله تمتلك رؤيه جاده نحو التغيير المستدام ، دوله تحاول الوقوف من جديد ، دوله تحاول ان تنتزع لها مكانا وسط عالم لا يحترم سوي الأقوياء.
وربما مفهوم القوه هنا ليس فقط القوه العسكريه ؛ إنما اقصد هنا قوه اقتصاديه تصنع من خلالها مصر تواجدا اقليميا وعالميا تستند عليه في رسم توازنات عديده في ظل تغيرات كامله بمنطقه الشرق الأوسط.
ان التحدي لم يكن فقط في كيفيه إعاده بناء دوله مترهله ، تمتلك وتزخر بقدرا من المشكلات لا تحسد عليه ؛ فهناك زياده سكانيه متسارعه لا تتوافق مع ماهو متاح من موارد محدوده، واستمرت مصر في هذا المسار الاصلاحي حتي عام ٢٠١٦ ، ففي نوفمبر ٢٠١٦ كانت بدايه جديده في مسيره الإصلاح الاقتصادي لمصرً.
وربما هذه المره نستطيع ان نقول إنها مثلت تجربه حقيقيه لاصلاحً اقتصادي حقيقي يصحبه قدر من مراره النتائج التي ربما كانت أصعب من قدره المصريين علي التحمل في وقتها ، هو كان بمثابه إصلاح اقتصادي حقيقي بعيد عن المسكنات، ربما امتلاك الحكومه المصريه لهذا القدر من الجرأه في التوجه نحو تنفيذهً لم يكن معتادا من قبل ، خطوه راهنت بها الحكومه المصريه علي شعبيتها وتحملت القدر الأكبر من الانتقاد وردود الفعل الغير مرحبه به ، بل ان حلم إنقاذ الاقتصاد من مسار مغلق غير معلوم نهايته كيف ستكون.
وفي سياق البحث عن تشكيل خريطه الإصلاح الاقتصادي ، ومتابعه انعكاساتها علي صناعه التنميهً، صوّبت الدوله المصريه سهام التصحيح والإصلاح نحو كافه القطاعات الاقتصاديه التي ربما ستحمل رايه الإصلاح وتسرع من تحقيقه.
وهنا ارتأت الدوله المصريه ان تعول علي قطاعات اقتصاديه بعينها يتم الاعتماد عليها في التأسيس لفتره جديده تحقق طموحات دوله نحو اقتصاد في مرحله الإفاقه والتعافي ، وهنا سأتحدث عن صناعه التنميه باستخدام العمران، فا بعد ثوره ال 30 من يونيو بدأ الحديث عن أن العمران هو وعاء التنميه؛ لذا تعتبر خطة الدولة بمشروعات التنمية العمرانية، بالأساس خطة اقتصادية.
وليست خطة للبناء فقط، وهنا حدث تحول في طبيعه التكوين الاقتصادي لقطاعات اقتصاديه عديده من مجرد قطاعات اقتصاديه تنتظر زياده نسب النمو والاستثمار بها ، إلي قطاعات تصنع وتسهم في إحداث التنميه.
ولعل إستحواذ قطاع التنميه العمرانيهً في مصر علي كل هذا الاهتمام طيبه السنوات العشر الماضيه – جعل هناك نسبه مساهمه كبيره للقطاع في حجم المكون الدولاري الداخل للاقتصاد المصري سواء علي صعيد بيع الأراضي بالدولار للمستثمرين الأجانب ، أو شراء الأجانب لعقارات مصريه بالدولار.
وبدأ مصطلح الدولار العقاري يتشكل ويظهر بقوه في الأوساط الاقتصاديه ليس مستندا فقط لمرجعيه مساهمه القطاع العمراني نفسه فقط في التكوين الدولاري للاقتصاد الوطني ، بل ايضاً لما تم احداثه من فوران اقتصادي في كافه الصناعات المرتبطه بصناعه العقار في مصر نتيجه تطور وتسارع التنميه العقاريه نفسها في مصر ، وهو مافتح الباب أمام احداث حاله انتعاش لكمً هائل في صادرات تلك الصناعات المغذيه لصناعه العقار للخارج ايضاً ، وهو ما اثر علي احداث إستقرار حقيقي لسعر صرف الدولار مؤخرا.
وبلغت قيمة ما تم تخصيصه من أراض بالدولار من 2020 : 2023، نحو6.5 مليار جنيه، وبلغ عدد الطلبات لتخصيص الأراضى في 2023، 5122 طلباً، بمساحة 80 ألف فدان، في حين كان عدد الطلبات في 2014، 500 طلب، بمساحة لا تتجاوز 5 آلاف فدان، إضافة إلى تنمية مناطق ذات قيمة لم تشملها خطط التنمية السابقة، تنفيذاً لتوجيهات الرئيس السيسى، مثل مشروع التجلى الأعظم فوق أرض السلام بمدينة سانت كاترين، لرفع عدد السائحين بالمدينة من 250 ألف سائح سنويا، إلى 1.5 مليون سائح سنويا.
وتبلغ تكلفة المرحلة الأولى لمشروع تطوير مدينة سانت كاترين 10 مليارات جنيه، كل هذه الأمور بلاشك عززت من صناعه المكون الدولاري داخل الاقتصاد الوطني وزياده نسبته داخل الاقتصاد ، وهنا اتضحت بقوه الاهميه النسبيه لقطاع التنميه العمرانيه بالنسبه للاقتصاد المصري.
كما ان توجه الدوله المصريه لتوسيع رقعة المعمور من أجل التنمية الاقتصادية، نظراً لأن المعمور القائم أصبح غير قادر على إعالة قاطنيه اقتصاديا؛ مثل الهدف الأول للمخطط الإستراتيجي القومي للتنمية العمرانية ، هو مضاعفة رقعة المعمور المصري، ونحو 95 % من المشروعات التي تم ويجرى تنفيذها هي مخرجات المخطط والباقي هي تنفيذ للتحديثات التي تتم على المخطط كل فترة.
وكان هناك تحديات كثيرة لتغير الوضع القائم قبل عام 2014، وكان التحدى الأول، ضيق الحيز المكاني المعمور والنمو العشوائي على الأراضي الزراعية، والمستهدف للتغلب عليه، زيادة المعمور المصري إلى 14 % من مساحة الجمهورية، وهو الهدف الأول للمخطط الإستراتيجي القومى للتنمية العمرانية “مصر 2052”.
ففي عام 1985 كان تمركز العمران على 5.5 % من مساحة الجمهورية، يقطنها 50 مليون نسمة، ونسبة التحضر كانت 45 %، بينما في عام 2011، أصبح عدد السكان 89 مليون نسمة، يعيشون على 7 % من مساحة الجمهورية، وانخفضت نسبة التحضر إلى 42 %، كما تم إنشاء 23 مدينة جديدة على 3 أجيال زمنية، خلال 36 عاما حتى 2014، على مساحة 750 ألف فدان، واستوعبت تلك المدن 5 ملايين نسمة.
وخلال الفترة من 1985 : 2014، التهم الزحف العمراني العشوائي على الأراضي الزراعية 490 ألف فدان، تم تحويلها إلى أراضٍ للبناء، بمعدل فقد 17 ألف فدان سنوياً من الأراضي الزراعية، حيث لو استمر الزحف العمراني بدون تدخل أو إيجاد حلول بديلة، كان سيتم فقدان 150 ألف فدان من الأراضي الزراعية، تتجاوز قيمتها 225 مليار جنيه، هذا بخلاف 250 مليار جنيه، تكاليف إمداد مرافق وخدمات، وفقدان 130 ألف فرصة عمل مباشرة، و40 ألف فرصة عمل غير مباشرة.
وانتهجت الدول المصرية سياسات بتوجيهات الرئيس السيسى، لمواجهة ضيق المعمور المصري والنمو العشوائي على الأراضي الزراعية، والتي تمثلت في مسارين رئيسيين، وهما، إنشاء مراكز عمرانية جديدة لاستيعاب السكان والأنشطة الاقتصادية (مدن الجيل الرابع)، ورفع كفاءة مدن الأجيال السابقة، بجانب تطوير ورفع كفاءة البيئة العمرانية ووضع ضوابط للتحكم في النمو العمراني غير المخطط، وتستكمل وزارة الإسكان هذين المسارين خلال الأعوام المقبلة وفقا خطة تنموية دقيقة.
وجار تنفيذ 24 مدينة جديدة “مدن الجيل الرابع”، تستوعب 32 مليون نسمة، موزعة كالتالى، 9 مدن بإقليم القاهرة الكبرى، و6 مدن بالوجه القبلي، و5 مدن بإقليم قناة السويس وسيناء، و4 مدن بالوجه البحرى، بالإضافة إلى 14 مدينة جارٍ تخطيطها للبدء في التنفيذ، وبلغ إجمالي الاستثمارات بالمدن الجديدة (الأجيال السابقة والجيل الرابع) في الفترة من 2014 : 2023، 1.3 تريليون جنيه، منها 975 مليار جنيه لإنشاء وتنمية مدن الجيل الرابع، بنسبة 75 % من الاستثمارات، و325 مليار جنيه لتطوير ورفع كفاءة مدن الأجيال السابقة، بنسبة 25 % من الاستثمارات.
بقلم:
دكتور/ محمد راشد
عضو مجلس إدارة غرفة صناعة التطوير العقاري
رئيس مجلس إدارة شركة راشد للاستشارات