في تقرير لـ «جي 42» و«إيكونوميست إمباكت» : البنية التحتية في الأسواق الناشئة غير مهيأة بالكامل لتبني الذكاء الاصطناعي

كتب:رامي سميح

أصدرت “جي 42″، الشركة القابضة الرائدة في مجال الابتكارات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي والتي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، بالشراكة مع مجلة إيكونوميست إمباكت، تقريراً بحثياً جديداً بعنوان “استعد، انطلق، الذكاء الاصطناعي” (Ready, Set, AI).

يبحث التقرير في جاهزية الأسواق الناشئة مثل أذربيجان ومصر والهند وإندونيسيا وكازاخستان وكينيا وتركيا لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، كما يسلّط الضوء على الفجوات الحالية التي تعيق تبني الذكاء الاصطناعي في هذه الأسواق، ويستكشف الفرص الاجتماعية والاقتصادية الواعدة، لا سيما في المناطق التي تعاني من نقص في الخدمات.

وبحسب التقرير، تُبدي الأسواق الناشئة رغبةً كبيرة في مواكبة التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي.

ومع ذلك، تواجه العديد من هذه الدول تحديات كبيرة تعيق تقدمها، مثل نقص البنية التحتية المناسبة وقلة المواهب الماهرة. علاوة على ذلك، تُشكّل العوامل السياسية والاقتصادية، بما في ذلك تقلّب العملات، وعدم اليقين التنظيمي، وحالات عدم الاستقرار السياسي، عوائق رئيسية أمام جذب الاستثمار واسع النطاق في العديد من الأسواق التي شملها التقرير.

وفي حديثه عن التقرير، قال بينج شياو، الرئيس التنفيذي لمجموعة “جي 42″:”نعيش اليوم نقطة تحوّل تاريخية، وعلينا جميعاً أن نتكاتف لضمان عدم تكرار أخطاء الماضي. فإذا نظرنا إلى الوراء، نجد أن الكهرباء اختُرعت منذ أكثر من 140 عاماً، ومع ذلك، فإن ما يقرب من نصف سكان أفريقيا لا يزالون حتى اليوم محرومين من الوصول إليها.

وعلى غرار التحوّل الذي أحدثه اختراع الكهرباء، فإن الذكاء الاصطناعي يعد بإعادة تشكيل الاقتصادات والمجتمعات بأكملها. لكن، كما كانت الكهرباء في الماضي بعيدة المنال عن الكثيرين، فإن الذكاء الاصطناعي اليوم غير متاح للكثيرين.

في جي 42، نؤمن أنه مع تحوّل الذكاء إلى خدمة أساسية من خلال الذكاء الاصطناعي، فإن مسؤوليتنا المشتركة تكمن في ضمان وصوله بشكل عادل إلى الجميع.”

وأضاف شياو: “تساعدنا الأبحاث الأخيرة على فهم احتياجات الأسواق الناشئة، والفرص المتاحة في كل منها، والعقبات التي تمنع تلك الأسواق من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بطريقة مفيدة.”

البنية التحتية الرقمية تشكّل تحدياً كبيراً

يكشف التقرير الجديد عن تباين كبير في مدى جاهزية قادة الأعمال لتبني الذكاء الاصطناعي في الأسواق المشمولة بالاستطلاع.

استناداً إلى آراء 700 مدير ومدير تنفيذي مشارك في اتخاذ القرارات المتعلّقة بنشر تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل الشركات المتوسطة والكبيرة، أظهرت النتائج أن نقص البنية التحتية المناسبة يمثّل العائق الأكبر أمام التبني واسع النطاق لهذه التقنيات.

وفقاً للتقرير، أشار 20% من المشاركين في الاستطلاع إلى أن بنيتهم التحتية ليست مهيأة بالكامل لاحتضان تقنيات الذكاء الاصطناعي، على الرغم من توفّر أسس تكنولوجيا المعلومات الأساسية. فعلى سبيل المثال، أفاد 70% من المستجيبين بوجود اتصال إنترنت ثابت ومستقر، وهو عامل حيوي لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي.

ومع ذلك، برزت تحديات أخرى، أهمها الوصول إلى بيانات عالية الجودة.

فقد أشار 81% من المشاركين إلى محدودية أو انعدام الوصول إلى بيانات التدريب، بينما أكد 84% منهم افتقارهم إلى أنظمة الحوسبة عالية السعة الضرورية لتغذية وتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي بفعالية.

ولخص سمير رستموف، الأستاذ المشارك في كلية تكنولوجيا المعلومات والهندسة بجامعة ADA في أذربيجان، وأحد المشاركين في التقرير، إلى أن “أنظمة الذكاء الاصطناعي تعتمد على خوارزميات قائمة على البيانات، مما يجعل البيانات عالية الجودة ضرورةً أساسية.

ومع ذلك، فإن معظم الدول، بما في ذلك أذربيجان ودول آسيا الوسطى، تواجه تحديات كبيرة في الوصول إلى بيانات موثوقة.”

ندرة المواهب في الأسواق الناشئة

إلى جانب البنية الأساسية والأصول المادية اللازمة لتطوير وتبني حلول الذكاء الاصطناعي، يبقى رأس المال البشري عاملاً بالغ الأهمية. ومع تزايد انتشار الذكاء الاصطناعي وسهولة الوصول إلى تطبيقاته، تتغير متطلبات المهارات والصفات المطلوبة في الموظفين.

وفي حديثها عن توظيف الذكاء الاصطناعي، صرّحت مايمي كوريان، مسؤولة رأس المال البشري والثقافة في مجموعة جي 42: “في مجال مثل الذكاء الاصطناعي الذي يعتمد بشكل كبير على الابتكار ويتطور بوتيرة مذهلة، تُعد الموهبة عاملاً حاسماً، ومن الضروري العثور على المواهب المناسبة القادرة على مواكبة هذه التطورات، مع تقديم رؤى وأفكار جديدة. وكجزء من استراتيجيتنا العالمية للتوظيف، نعمل على استقطاب أفضل الكفاءات من مختلف أنحاء العالم للانضمام إلى ما نعتقد أنه القطاع الأكثر طلباً في الوقت الراهن.”

وتواجه الأسواق الناشئة تحدّياً كبيراً يتمثل في النقص المزمن في المواهب، وهو ما يمنع 45% من المشاركين في الاستطلاع من تنفيذ حلول الذكاء الاصطناعي بشكل كامل في جميع جوانب أعمالهم.

علاوة على ذلك، يُشكل تسرّب رأس المال البشري تحدّياً حقيقياً لهذه الأسواق، حيث يميل الشباب الموهوبون، وخاصة خريجي تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، إلى البحث عن فرص وظيفية ذات أجور أعلى في الخارج بعد إتمام دراستهم.

يشكّل التعليم تحدياً كبيراً على المستوى العالمي، حيث تعكس الأرقام مؤشرات لافتة حول هجرة العقول بحثاً عن فرص تعليمية أفضل. ففي الهند، إحدى الأسواق التي تناولها التقرير، أظهرت دراسة أن عام 2022 شهد هجرة 770 ألف طالب هندي لمواصلة تعليمهم العالي في الخارج، وهو أعلى رقم يسجّل في ست سنوات.

أما في تركيا، فقد ساهمت عوامل مثل التضخم المرتفع والاضطرابات السياسية في زيادة هجرة الكفاءات، حيث غادر البلاد خلال نفس العام 139,531 شاباً وشابةً تتراوح أعمارهم بين 25 و29 عاماً.

الاستثمار الطويل الأجل واعتبارات العائد على الاستثمار

في حين يتفق معظم المشاركين على أن حلول الذكاء الاصطناعي تحقق فوائد كبيرة، أشار 29% منهم في الاستطلاع إلى أن غياب عائد استثمار محدّد بوضوح يشكّل عقبةً رئيسية، بالإضافة إلى تحديات تتعلق بالقوى العاملة والبنية التحتية.

وتظهر هذه العقبة بوضوح أكبر في الأسواق التي تشهد تبنياً محدوداً لحلول الذكاء الاصطناعي.

فقد أكد موهيت كابور، الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في مجموعة ماهيندرا، أن المجموعة تعتمد على أربع ركائز أساسية لتقييم فعّالية الذكاء الاصطناعي: صافي الإيرادات، خفض التكاليف، تحسين تجربة العملاء ورفع مستوى رضاهم، وتقليل المخاطر.

وبناءً على ذلك، فإن فوائد حلول الذكاء الاصطناعي تبدو مغرية للغاية. فقد أشار 59% من المشاركين إلى زيادة في الإنتاجية والكفاءة في أعمالهم، و42% إلى تحسين رضا العملاء، و38% إلى خفض التكاليف كأهم العوامل التي تدفعهم نحو تبني الذكاء الاصطناعي.

كما أوضح معظم المشاركين أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تشمل مختلف وظائف الأعمال.

وأفاد 58% بأنهم يستخدمونه في مجالات التمويل والمحاسبة، بينما يطبّقه 49% في خدمة العملاء، و48% في المشتريات، و46% في الموارد البشرية.

الاستثمار في الجنوب العالمي

جعلت شركة “جي 42″، التي تتخذ من أبوظبي – الإمارات العربية المتحدة مقراً لها، الشمولية والمساواة محوراً أساسياً في تقديم مفهوم “شبكة الذكاء”. تهدف هذه البنية التحتية الموزعة والمترابطة إلى تحقيق توزيعٍ متساوٍ للذكاء، مما يُتوقع أن يُحدث تأثيراً كبيراً على دول الجنوب العالمي.

وعلى مستوى البنية التحتية، كانت قد أعلنت شركة “جي 42” بالشراكة مع شركة “مايكروسوفت” عن استثمار بقيمة مليار دولار أمريكي لتعزيز البنية التحتية الرقمية في كينيا. وتشمل الخطة ضمن هذا الاستثمار إنشاء مركز بيانات متطور وصديق للبيئة في موقع استراتيجي بمنطقة غنية بالطاقة الحرارية الأرضية في كينيا.

ومن المتوقع أن تبلغ الطاقة التشغيلية الأولية لمركز البيانات 100 ميجاواط، مع إمكانية زيادتها إلى واحد جيجاواط، مما يضع معياراً جديداً لمراكز البيانات المستدامة.

بالإضافة إلى ذلك، يتوقع المشاركون في المشروع أن يكون لهم تأثير إيجابي على تطوير مهارات المواهب المحلية التي تدخل قطاع التكنولوجيا المزدهر في كينيا من خلال الاستثمار.

ولضمان الوصول العادل إلى الذكاء الاصطناعي والحفاظ على اللغات والثقافات على نطاق واسع، أطلقت “جي 42” عدة مبادرات لتطوير نماذج لغوية كبيرة تنافس تلك التي تركّز على اللغة الإنجليزية.

ومن أبرز هذه المبادرات نموذج “جيس 70B”، أول نموذج لغة كبير مفتوح المصدر باللغة العربية على مستوى العالم.

تهدف “جي 42” من خلال هذا النموذج إلى تمكين 400 مليون ناطق باللغة العربية من الوصول إلى قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدية بلغتهم الأم.

كما أعلنت شركة “جي 42” مؤخراً عن إطلاق “ناندا” (NANDA)، النسخة الهندية المكافئة لنموذج “جيس”، والتي من المتوقع أن تصل إلى مئات الملايين من المستخدمين في الهند.

وخلال الإطلاق، أكد أندرو جاكسون، الرئيس التنفيذي لشركة “إنسبشن”، أن “جي 42” تمتلك سجلاً حافلاً في تطوير نماذج اللغة الكبيرة المتخصصة.

وأضاف: “مع ناندا، نبدأ عصراً جديداً من الشمولية في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث نضمن تمثيل التراث الغني وعمق اللغة الهندية في المشهد الرقمي والذكاء الاصطناعي.

حيث يجسّد ناندا التزام ‘جي 42’ الراسخ بالتميز وسعيها لإيصال تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى الجميع”.

“Ready, Set, AI” هو أحدث تقرير أصدرته مجموعة “جي 42”. ومن بين التقارير البارزة الأخرى: “مستقبل الرياضة والذكاء الاصطناعي”، الذي تم تطويره بالتعاون مع شركة The Future Laboratory، وهي شركة استشارية ومقرها لندن. كما أصدرت المجموعة تقريراً بعنوان “الأنظمة البيئية للذكاء الاصطناعي السيادي: التنقل عبر البنية التحتية العالمية للذكاء الاصطناعي وحوكمة البيانات”، بالشراكة مع قسم الأبحاث والتحليل في “بوليتيكو”، بهدف دعم صناع القرار بمعلومات دقيقة حول الذكاء الاصطناعي.