ارتفاع قياسي في مغادرة الرؤساء التنفيذيين مناصبهم خلال عام 2024 جراء تطورات الذكاء الاصطناعي وضغوط المستثمرين
كتب:رامي سميح
أفاد تقرير صادر عن شركة الاستشارات القيادية “راسل رينولدز أسوشيتس” عن مغادرة عدد قياسي* من الرؤساء التنفيذيين لشركات عالمية مناصبهم خلال عام 2024 بفعل الضغوط المتزايدة من المستثمرين والتطور التكنولوجي والتقاعد، حيث ترك 202 رئيس تنفيذي مناصبهم بزيادة قدرها 9% عن عام 2023.
وأشار التقرير، الذي يرصد الحالة الوظيفية للرؤساء التنفيذيين المعينين والمغادرين من 13 مؤشراً عالمياً، إلى مغادرة عدد قياسي جديد من الرؤساء التنفيذيين (43) بعد أقل من 36 شهراً على تعيينهم جرّاء نفاد صبر المستثمرين النشطين من ضعف أدائهم.
و قال روستي أوكيلي، رئيس مجلس إدارة راسل رينولدز أسوشيتس والرئيس التنفيذي للخدمات الاستشارية في الأمريكيتين: “إلى جانب التعامل مع احتياجات الموظفين والمستثمرين وأصحاب المصلحة الآخرين، يتعين على الرؤساء التنفيذيين أيضاً إدارة علاقاتهم مع الجهات الحكومية بكثير من الحذر، وقد يؤدي هذا إلى ارتفاع معدلات تعاقبهم. باختصار، بات الأمر أكثر صعوبة”.
وشهدت أغلب المؤشرات ارتفاعاً ملحوظاً في مغادرة الرؤساء التنفيذيين، حيث كشف مؤشر ستاندرد آند بورز 500 عن مغادرة 58 رئيساً تنفيذياً العام الماضي، بزيادة قدرها 21% عن عام 2023 الذي سجل ثاني أعلى رقم قياسي. ومع ذلك، سار مؤشر “FTSE 100” في اتجاه معاكس؛ فخلال عام من التغييرات السياسية والتحديات الاقتصادية، حافظت مجالس إدارة الشركات المدرجة في هذا المؤشر على رؤسائها التنفيذيين مع مغادرة 12 منهم فقط خلال عام 2024، بانخفاض قدره 14% عن العام الماضي.
90% من الرؤساء التنفيذيين يتوقعون أن يحسّن الذكاء الاصطناعي عمليات وإجراءات شركات التكنولوجيا
شهد قطاع التكنولوجيا أعلى معدل دوران للرؤساء التنفيذيين على مستوى العالم؛ حيث حققت شركات التكنولوجيا رقماً قياسياً جديداً بمغادرة 40 رئيساً تنفيذياً مناصبهم العام الماضي، بزيادة قدرها 90% عن عام 2023. وفيما يواصل الذكاء الاصطناعي إحداث تحول جذري في نماذج الأعمال لهذا القطاع، لا يقتصر دور الرؤساء التنفيذيين على حفز مسار التقدم التكنولوجي فحسب، وإنما يتعين عليهم أيضاً إدارة التغيير الثقافي والتجاري والتنظيمي أيضاً.
نتيجة لذلك، تختلف فئة الرؤساء التنفيذيين في قطاع التكنولوجيا لعام 2024 بشكل واضح عن القطاعات الأخرى. ففي العام الماضي، كان 8% فقط من الرؤساء التنفيذيين المعينين في قطاع التكنولوجيا يتمتعون بخبرة سابقة كرؤساء تنفيذيين، في حين كانت مجالس الإدارة تبحث عن قادة يجمعون بين الإلمام العميق بالتكنولوجيا، والتركيز على العملاء، والقدرة على مجاراة النمو والتحول السريع.
ومع هذه الحاجة الملحة إلى المرونة، بات مديرو العمليات هم الأكثر حظوةً لشغل مناصب الرؤساء التنفيذيين عبر جميع القطاعات؛ ذلك أن القدرة على فهم كيفية تأثير التغيير التكنولوجي، ليس فقط على نماذج الأعمال وإنما أيضاً على الأشخاص والثقافة وسلاسل التوريد؛ أفضت إلى قدوم 21% من جميع الرؤساء التنفيذيين المعينين في عام 2024 من مناصب مديري العمليات.
وقال شون روبرتس، مستشار راسل رينولدز أسوشيتس وعضو مجلس الممارسة التقنية: “يشهد قطاع التكنولوجيا تغييراً عميقاً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي التوليدي، والاستثمار في البنية التحتية الرقمية، والنمو المستمر في البرمجيات. وقد أدى ذلك إلى إنشاء شركات جديدة أو متنامية تحتاج إلى رؤساء تنفيذيين يتمتعون بالكفاءة اللازمة لإدارة هذا التغيير. ومع ذلك، لاحظنا أيضاً أن توقعات زيادة الأداء أو التغيير الاستراتيجي كان لها تأثير مباشر على زيادة المهام الموكلة إلى الرئيس التنفيذي”.
الرؤساء التنفيذيون المعينون لمرة واحدة (ووحيدة)
كشف التقرير أيضاً أن الجمع بين تحسين خطة التعاقب وزيادة الضغوط على دور الرئيس التنفيذي يجعل من الرئيس التنفيذي المتناوب حالةً نادرة. وقد كان معظم الرؤساء التنفيذيين المعنين (85%) في عام 2024 مرشحين لشغل منصب الرئيس التنفيذي لأول مرة.
ويرجع ذلك جزئياً إلى موجة تقاعد الرؤساء التنفيذيين. ففي سياق التدقيق المتزايد من جانب صنّاع السياسات والمستثمرين، قرر حوالي ثلث (30%) من الرؤساء التنفيذيين المغادرين التقاعد من المناصب التنفيذية بالكامل.
ونتيجة لذلك، كان عام 2024 قياسياً فيما يتعلق بالتعاقب الإداري المخطط له؛ فقد جرت حوالي ربع (22%) حالات مغادرة الرؤساء التنفيذيين في إطار عملية تعاقب مخطط لها؛ وتم تعيين 73% من إجمالي عدد الرؤساء التنفيذيين الجدد من ضمن كوادر الشركة نفسها، وتعتبر هذه النسبة الأعلى على الإطلاق.
وشهد قطاع التكنولوجيا نسبةً أعلى، حيث كان 84% من الرؤساء التنفيذيين المعينين من ضمن كوادر الشركة نفسها.
وقالت لورا ساندرسون، رئيس مجلس إدارة راسل رينولدز أسوشيتس في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط والهند: “أدى الضغط المتزايد على الرؤساء التنفيذيين عالمياً إلى ضرورة التخطيط المناسب لتعاقب الإدارة داخل الشركات.
وتشير أرقام العام الماضي إلى حالةٍ إيجابية للغاية في هذا الصدد، حيث تبين أنّ مجالس الإدارة أصبحت أكثر استباقية وميلاً إلى تبني استراتيجية طويلة الأمد من حيث التفكير بخطط تعاقب الإدارة، ومن المشجع أيضاً أن نشهد تراجعاً في معدلات إقالة الرؤساء التنفيذيين”.
وشهد منصب الرئيس التنفيذي خلال السنوات الأخيرة تحولاً كبيراً، حيث يواجه هؤلاء القادة اليوم مطالب متزايدة ومتناقضة في كثير من الأحيان من الموظفين والمساهمين والعملاء، تتراوح بين العمل عن بعد والعمل في المكتب، ومسائل الاستدامة والعوامل الجيوسياسية، والضغوط الاقتصادية على معظم قطاعات الأعمال.
وفيما يخضع الرؤساء التنفيذيون لمزيد من التدقيق والضغوط العامة أكثر من أي وقت مضى، قرر العديد منهم عدم تولي هذه المناصب مرة ثانية، وإنما يميلون بعدها إلى شغل مناصب رؤساء مجلس إدارة أو مديرين غير تنفيذيين بعد فترة ولايتهم.
تحسن كبير في معدل التكافؤ بين الجنسين في شغل منصب الرئيس التنفيذي، ولكن هدف التكافؤ لا يزال بعيد المنال
تظهر نتائج التقرير أن الأمر سيستغرق 72.5 عاماً لتحقيق التكافؤ بين الجنسين في شغل مناصب الرؤساء التنفيذيين في الشركات العالمية وفقاً لمعدل التغيير الحالي.
وهذا يعكس تحسناً كبيراً مقارنةً بتقديرات العام الماضي التي توقعت مرور 81 عاماً لتحقيق هذا التكافؤ.
وفي جميع الأحوال، لا يزال تحقيق هدف التكافؤ بعيد المنال، مما يؤكد على ضرورة تسارع معدل التغيير.
ويعتبر مؤشر “داكس” الألماني ومؤشر “فوتسي 100” هما المؤشران الرائدان لقياس التسارع نحو تحقيق التكافؤ بين الجنسين في شغل مناصب الرؤساء التنفيذيين، ويستغرق ذلك 33.8 و39 عاماً وفقاً لهذين المؤشرين على التوالي.
وفي عام 2024، تم تعيين 24 امرأة جديدة كرئيسات تنفيذيات بما يمثل 11% من إجمالي عدد التعيينات بهذا المنصب – وهو ثاني أعلى عدد من النساء اللواتي تولين هذا المنصب منذ بدأت راسل رينولدز أسوشيتس بجمع البيانات في عام 2019.
ومع تركيز الشركات بشكل أكبر على خطط التعاقب ومعدلات دوران الرؤساء التنفيذيين التي باتت اليوم أكثر ارتفاعاً من أي وقت مضى، يوفر هذا الأمر المزيد من الفرص للقيادات النسائية للارتقاء إلى مناصب الرؤساء التنفيذيين التي شغلها الرجال في السابق.