كتب – محمد بدوي
تتواصل اليوم وغدا فعاليات قمة ومعرض عالم الذكاء الاصطناعي في أبوظبي باستضافة فعاليات القمة لتدشن أكبر تجمع عالمي بين القطاعين العام والخاص في مجال الذكاء الاصطناعي لهذا العام.
ويعد “عالم الذكاء الاصطناعي”، الحدث الأبرز عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي، وتقام فعالياته بتنظيم مركز دبي التجاري العالمي وكون الدولية بالتعاون مع جيتكس جلوبال على مدار ثلاثة أيام، من 4 ولغاية 6 فبراير بين أبوظبي ودبي. ويستقطب أبرز الجهات الفاعلة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يفتح آفاق الحوار والنقاش أمام المشاركين لاستكشاف التأثير العالمي لهذه التقنية، ويعزز التعاون العابر للقارات فاتحاً آفاقاً جديدة لابتكارات الذكاء الاصطناعي.
واستهل الحدث أنشطته يوم الثلاثاء بقمة عالم الذكاء الاصطناعي التي استضافتها منتجع سانت ريجيس جزيرة السعديات، حيث شهدت القمة حضوراً جماهيرياً كثيفاً وأجندة حافلة بالفعاليات، مقدمةً انطلاقة مبهرة لأجندة المعارض والفعاليات الدولية لصناعة الذكاء الاصطناعي لعام 2025.
وأشاد فيصل البناي، مستشار رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة والأمين العام لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتقدمة (ATRC)، بتأثير الذكاء الاصطناعي عالمياً خلال كلمة القمة الرئيسية، قائلاً: “على مر التاريخ، ربما اعتقد كل جيل أنه يعيش في زمن استثنائي، لكنني أؤمن حقاً أننا نشهد عصراً عالمياً يُعيد فيه الابتكار في الذكاء الاصطناعي تعريف الممكن وتشكيل الواقع. لا يزال عصر الذكاء الاصطناعي في بداياته، وهناك الكثير مما سيحدث ويتحقق في هذا المجال، فالإمكانيات تتسع بشكل غير مسبوق بفضل التطور السريع لمنظومة الذكاء الاصطناعي، ويُعَد المصدر المفتوح أحد الجوانب العديدة التي تعزز التعاون وتمكّن الجميع من تسخير إمكانات هذه التقنية”.
كما أكد عمر سلطان العلماء، وزير الدولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد، على الدور الحيوي الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستقبلية لدولة الإمارات. وقال: “نهدف إلى تطبيق تقنيات تعزز جودة الحياة. وإذا أردنا لهذه التقنيات أن تتوسع بالانتشار، وإذا أردنا أن يكون الذكاء الاصطناعي جزءاً من حياة كل فرد منا، فعلينا التأكد من أنه متاح اقتصادياً ويتمتع بقيمة اقتصادية جيدة.”
وشهدت قمة عالم الذكاء الاصطناعي حضور نخبة من رؤساء الهيئات الحكومية، ومديري التكنولوجيا، والرؤساء التنفيذيين للذكاء الاصطناعي، إلى جانب رواد الابتكار في هذا المجال وكبار المسؤولين وصنّاع السياسات، وقدمت سلسلة مشوقة من النقاشات والحوارات الفكرية العميقة، التي تناولت ديناميكيات الذكاء الاصطناعي الحالية وآفاق تطوره المستقبلي.
وانطلاقاً من مكانة الحدث باعتباره منصة جامعة تتناول التحديات الملحة التي تواجه الصناعة وتعمل على تحليل أبرز الفرص الواعدة وسط تحولات سوقية هيكلية عميقة، استضافت قمة عالم الذكاء الاصطناعي نخبة من الروّاد أصحاب الرؤى المستقبلية من مجموعة واسعة من القطاعات التي أصبحت تعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي. وإلى جانب قطاعات الطاقة، والتعليم، والرعاية الصحية، والتمويل، والحكومة، والصناعة 4.0، والاقتصاد الإبداعي، سلّطت فعاليات قمة عالم الذكاء الاصطناعي الضوء على التأثير المتصاعد للذكاء الاصطناعي في مجالات السينما والتلفزيون والترفيه الرقمي.
تميّز اليوم الأول بعرض تفاعلي مذهل قدّمه جوناثان برونفمان، المبتكر الشهير عالمياً لتقنية “فانيتي للذكاء الاصطناعي” (Vanity AI) المستخدمة في أفلام هوليوود الضخمة مثل سبايدر مان- نو واي هوم وسلسلة “ستراينجر ثينغز” و”سكويد جاميز” التي حققت أرقامًا قياسية في نسب المشاهدة على نتفليكس. وشارك برونفمان، الشريك المؤسس لاستوديو المؤثرات البصرية الكندي Monsters Aliens Robots Zombies (MARZ)، رؤى مبهرة حول الثورة التي يقودها الذكاء الاصطناعي في صناعة السينما، وذلك خلال جلسة بعنوان: “نهاية إعادة التصوير: كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي كتابة هوليوود في دقائق.”
وتحدث برونفمان بحماس عن مستقبل الذكاء الاصطناعي في صناعة الأفلام، مؤكدًا أن هذه الصناعة ستستفيد بشكل هائل من القدرات الثورية لهذه التقنية. وقال: “سيكون للذكاء الاصطناعي التوليدي تأثير هائل على هوليوود. فالمشاهد البصرية المبهرة التي اعتدنا رؤيتها في أفلام مثل المهمة المستحيلة وحرب النجوم وستار تريك تُعد مكلفة وتستغرق وقتًا طويلًا في الإنتاج. سيجعل الذكاء الاصطناعي التوليدي عملية إنتاج الأفلام وتطويرها أكثر كفاءة من حيث التكلفة، وهو ما تحتاجه الاستوديوهات بشدة – مع الاستمرار في جذب الجماهير إلى شاشات السينما”.
وفيما أكد برونفمان على أهمية التعاون بين الذكاء الاصطناعي وهوليوود، فإنه طمأن الحضور بأن العنصر البشري سيظل ضرورياً دائماً، رغم المخاوف المتزايدة بشأن احتمالية تأثير الذكاء الاصطناعي على وظائف الصناعة. وقال: “لا يشكل أي فيلم أو مسلسل يعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي التوليدي تهديداً لهوليوود. فلا غنى أبداً عن العنصر البشري لأنه من غير الممكن محاكاة الإبداع والذكاء البشريين بالكامل. وإذا نظرنا إلى المؤثرين على منصة يوتيوب وقدراتهم على اجتذاب الجمهور بعيداً عن هوليوود بالفعل؛ سنجد أن عادات الاستهلاك تتغير بشكل هائل. هذا هو التهديد الأكبر الذي تواجهه الصناعة.”
ونالت القمة إشادة واسعة من المشاركين الذين استعرضوا التغيرات الجذرية التي تشهدها الاقتصادات الرقمية على مستوى العالم، ابتداءً من أطر الحوكمة ومتطلبات التسويق التجاري والتحولات بين الصناعات، وصولاً إلى التطورات التي تغيّر ملامح الأسواق، والتوقعات المباشرة، وسباق القيادة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، وباعتباره قوة مثيرة للجدل تجمع بين وجهات نظر متباينة على الساحة العالمية، شهد الحضور عروضًا قدّمها خبراء عالميون بارزون ناقشوا من خلالها مجموعة متنوعة من الرؤى ووجهات النظر الواسعة.
وشهدت القمة جلسة نقاشية بعنوان: “كيف يتسارع الذكاء الاصطناعي التوليدي؟ التعامل مع الضغوط المتزايدة لتسريع ابتكار الذكاء الاصطناعي”. وخلال هذه الجلسة، شدد ستيوارت راسل، أستاذ علوم الحاسوب في جامعة كاليفورنيا بيركلي، على الحاجة الملحة لوضع لوائح صارمة لصناعة الذكاء الاصطناعي، حيث صرّح قائلاً: “السردية التي تدّعي أن التنظيم يعيق الابتكار هي فكرة سامة – فالتجارب السابقة تُظهر لنا أن التقنيات الرقمية غير المنظمة يمكن أن تتسبب في أضرار جسيمة. نحن – كخبراء في الذكاء الاصطناعي – لا نفهم تماماً كيف تعمل هذه التقنية. وعندما لا تعمل كما ينبغي، لا يوجد أحد يعرف طريقة إصلاحها. في الواقع، لا أحد يعرف حقاً ما الذي سيحدث لاحقاً. سواء كان توسيع نطاق نماذج اللغة الكبيرة سيؤدي إلى ظهور ذكاء اصطناعي عام (AGI) أم لا، فهو مجرد تكهنات في الوقت الحالي.”
كما تضمن برنامج القمة جلسة قدّمتها كيت دارلينج، الباحثة في مختبر الوسائط بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة. وقدمت خلالها عرضًا تفاعليًا مصحوبًا بعرض تجريبي للروبوتات، وسلطت كيت الضوء على أبحاث رائدة تستكشف مستقبلًا يشهد تناغمًا بين البشر والروبوتات: “عمل المهندسون لعقود من الزمن على تطوير روبوت يكون قويًا وموثوقًا وآمنًا بما يكفي ليُستخدم في الأماكن العامة. بالنسبة لي شخصيًا، فإن التطورات التقنية التي شهدناها ليست بالضرورة الأمر الأكثر إثارة للاهتمام. الشيء المثير حقاً هو ما يحدث عندما تجمع بين الذكاء الاصطناعي والروبوتات وتضعهما في سياق التفاعل مع البشر. لأنه مع بدء الناس في مواجهة هذه التقنيات في حياتهم اليومية، نشهد ردود أفعال غير متوقعة ومثيرة للاهتمام.”