كتب:مصطفى عيد
كشف تقرير حديث لشركة Mckinsey، أن قطاع التكنولوجيا المالية في أفريقيا شهد تحوّلاً لافتًا في السنوات الأخيرة، حيث تطوّرت السوق بسرعة كبيرة مع الابتكار والنمو المستمر. وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية الكبيرة، تبقى السوق واحدة من أكثر الأسواق ديناميكية واعدة في العالم، مع وجود تفاؤل كبير بين قادة التكنولوجيا المالية والمستثمرين.
وأوضح التقرير أنه بينما يتطور هذا القطاع، يواجه قادة الشركات الناشئة تحديات جديدة تتمثل في تغيير الاستراتيجيات من التركيز على النمو السريع إلى التركيز على استدامة النمو على المدى الطويل. وقد أصبح المناخ الاستثماري أكثر انتقائية، مع تزايد التركيز على استدامة الأعمال بدلاً من المكاسب قصيرة الأجل.
على الرغم من هذه التوقعات الإيجابية، فإن تحديات الركود الاقتصادي تؤثر بشكل كبير على القطاع، حيث انخفضت الاستثمارات بنسبة 37% بين 2022 و2023، في حين تراجعت الاستثمارات في النصف الأول من 2024 بنسبة 51% مقارنة بنفس الفترة في 2023.
تابع التقرير أنه لا شك أن البيئة التشغيلية لشركات التكنولوجيا المالية في أفريقيا هي بيئة صعبة للغاية. ففي العامين الماضيين، واجهت اقتصادات القارة مجموعة معقدة من التحديات الاقتصادية الكلية.
فقد أدت زيادة تكاليف المعيشة، و تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي، و ارتفاع أسعار الفائدة، و الانخفاض السريع للعملات المحلية، إلى تفاقم المشاكل التي أحدثتها التغيرات المناخية، و التأثيرات المستمرة لجائحة كوفيد-19، و التوترات الجيوسياسية المتزايدة.
وعلى الرغم من هذه الظروف الصعبة، فإن قطاع الخدمات المالية في أفريقيا، بما في ذلك الخدمات المالية التقليدية والتكنولوجيا المالية، يواصل إظهار نمو قوي، حيث حافظ على معدل نمو سنوي متوسط قدره 8% من عام 2018 حتى 2023، ومن المتوقع أن يتسارع هذا النمو ليصل إلى ما يقرب من 10% سنويًا بين عامي 2023 و2028.
تعد الديموغرافيا المواتية في أفريقيا أحد العوامل الأساسية التي تدفع هذا النمو، حيث إن القارة تحتوي على أسرع نمو سكاني في العالم، إلى جانب زيادة الاعتماد الرقمي. وقد أصبح هذا الاتجاه هو المحرك الرئيسي للنمو المستقبلي، حيث يتم تعزيز هذا النمو بفضل زيادة انتشار خدمات الدفع عبر الهاتف المحمول ،مع توقع أن يصل انتشار المشتركين في خدمات الهاتف المحمول إلى 49% بحلول عام 2030. كما أن التمويل الموجه إلى نماذج الأعمال الأقل نضجًا، مثل تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، و التكنولوجيا المالية المدمجة، و التحويلات المالية، يشهد أيضًا توسعًا.
تشير تحليلات ماكينزي إلى أن إيرادات التكنولوجيا المالية في أفريقيا قد تصل إلى 47 مليار دولار بحلول عام 2028، وهو ما يمثل زيادة بخمسة أضعاف مقارنة مع قيمتها البالغة 10 مليار دولار في عام 2023.
من المتوقع أن يتحقق هذا الرقم إذا تمكنت القارة من الوصول إلى معدل اختراق التكنولوجيا المالية بنسبة 15% (وهو ما يعادل المعدل الحالي في كينيا، إحدى الشركات الرائدة عالميًا في مجال المدفوعات الرقمية والمحافظ الإلكترونية).
حاليًا، تتراوح نسبة اختراق التكنولوجيا المالية في أفريقيا بين 5 إلى 6% من السوق؛ وبالمقارنة، فإن نسبة الاختراق في الأسواق الأكثر تطورًا مثل ألمانيا و الولايات المتحدة الأمريكية تتراوح بين 6 إلى 16%.
رغم هذه التوقعات الإيجابية، فإن الرياح الاقتصادية المعاكسة قد تحد من نمو القطاع. في الوقت نفسه، فإن البيئة الاستثمارية أصبحت أكثر تشددًا.
منذ عام 2021، تباطأت تدفقات رأس المال إلى شركات التكنولوجيا المالية بشكل كبير، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى انخفاض التمويل عبر الأسهم.
فقد انخفضت الاستثمارات في التكنولوجيا المالية في أفريقيا بنسبة 37% بين عامي 2022 و2023، وهو الاتجاه الذي استمر في عام 2024، حيث تراجعت الاستثمارات في النصف الأول من العام بنسبة 51% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، من 864 مليون دولار إلى 419 مليون دولار.
لقد أثرت أزمة التمويل على شركات التكنولوجيا المالية، وخاصة تلك التي تعتمد على رأس المال الخارجي، مما أدى ببعض الشركات إلى تقليص حجمها أو الاندماج مع كيانات أخرى أو حتى الإغلاق.
كما شهدت عمليات الاستحواذ والاندماج زيادة ملحوظة مع تراجع رأس المال.
وفي المقابل، ارتفع الديون بشكل كبير، حيث نما بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 182% بين عامي 2022 و2023، وهو ما قد يكون دليلاً على أن المستثمرين أصبحوا أكثر ثقة في الشركات التكنولوجية المالية الأكثر نضجًا.
مع نضوج السوق، تحولت استثمارات التكنولوجيا المالية في أفريقيا نحو قطاعات أكثر تقدمًا مثل الإقراض للأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة و المدفوعات غير السلعية، بما في ذلك مدفوعات التجار والمدفوعات العابرة للحدود، والتي اجتذبت حوالي 70% من قيمة التمويل في عامي 2022 و2023.
في حين أن المحافظ الإلكترونية ومشاريع البلوك تشين أو العملات المشفرة قد تلقت استثمارات كبيرة في عام 2022، حيث شكلت حوالي 20% من التمويل، إلا أن الاستثمار في هذه القطاعات شهد تراجعًا حادًا في عام 2023.
بعيدًا عن القيود المتعلقة بالتمويل، فإن شركات التكنولوجيا المالية في أفريقيا تواجه تعقيدات تنظيمية و زيادة في المنافسة على المواهب.
حيث أظهر استطلاع رأي أُجري في عام 2024 أن حوالي 38% من المطورين الأفارقة يعملون لصالح شركات مقرها خارج أفريقيا، بينما أفاد أكثر من 80% من التنفيذيين الذين تم استطلاع آرائهم بأن توظيف المواهب التكنولوجية والمنتجات أو المواهب الاستراتيجية في القارة يعد أمرًا صعبًا إلى حد ما أو بالغ الصعوبة.
كما أن أفريقيا تعتبر بؤرة للغش والاحتيال الإلكتروني، وهو تحدٍ عالمي متزايد.
ففي عام 2021، قدرت الشرطة الدولية (الإنتربول) أن التأثير المالي للجرائم الإلكترونية في المنطقة تجاوز 4 مليارات دولار، أي حوالي 10% من إجمالي الناتج المحلي للقارة، وزادت حجم وتأثير هذه الجرائم بمعدل أسرع من غيرها من المناطق في العالم.
ومن بين الاتجاهات العالمية الأخرى التي تؤثر على الشركات التكنولوجية المالية في أفريقيا، يبرز صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي (Gen AI)، وزيادة التركيز التنظيمي على حماية البيانات والخصوصية، بالإضافة إلى الاهتمامات المتعلقة بالاستدامة وتغير المناخ.
من بين جميع التطورات في قطاع الخدمات المالية، أظهرت الدراسات أن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في العمليات المالية يحمل أكبر إمكانات النمو.
ومن المتوقع أن يكون الذكاء الاصطناعي التوليدي له تأثير كبير في تحسين تجربة العملاء من خلال تقديم منتجات مخصصة بسرعات عالية، وزيادة الإنتاجية، ومنع الاحتيال. يشعر معظم قادة الشركات التكنولوجية المالية في أفريقيا أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يوفر إمكانات نمو كبيرة لشركات التكنولوجيا المالية التي تستفيد منه بشكل فعال.