فينتك جيت: مصطفى عيد
أعلنت شركة «Meta» الأمريكية، المالكة لمنصات «Facebook» و«Instagram»، عن توسّع جديد في تقنياتها القائمة على الذكاء الاصطناعي، وذلك بإطلاقها تطبيقًا مستقلاً جديدًا، بالإضافة إلى إدماج قدرات الذكاء الاصطناعي في نظارات ذكية تشبه نظارات الواقع المعزز، في خطوة وُصفت بأنها تتجاوز حدود الابتكار إلى بناء “بنية تحتية لواقع مراقَب ومُفلتر بالكامل”.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة «Mark Zuckerberg» عبر «Instagram» إن عدد مستخدمي «Meta AI» عبر منصات الشركة المختلفة تجاوز المليار مستخدم، مشيرًا إلى إطلاق تطبيق جديد يدعو المستخدمين إلى تجربته، لكنه لم يكن مجرد إعلان ترويجي عادي، بل إشارة واضحة إلى دخول الشركة مرحلة جديدة من السيطرة على ما يمكن وصفه بـ”إعادة تشكيل الواقع البشري”.
النظارات الذكية الجديدة التي بدأت الشركة في ترويجها ليست مجرد أدوات ترفيهية أو تقنيات مساعدة، بل تتضمن كاميرا، وميكروفون، وواجهة ذكاء اصطناعي، واتصالًا بالإنترنت، ما يجعلها قادرة على التعرف على الوجوه، وتحليل اللغة، وتوفير معلومات فورية، بالإضافة إلى تسجيل وتخزين البيانات من البيئة المحيطة دون علم أو موافقة الآخرين.
هذه النظارات قادرة على تلخيص معلومات عن الأشخاص من حول المستخدم، وترجمة الكلام فورياً، واقتراح عبارات للحديث، وحتى عرض تقييمات للأماكن قبل دخولها، وكل ذلك دون الحاجة إلى لمس الهاتف أو كتابة أي شيء.
ويُشير محللون إلى أن هذه التقنية الجديدة تمثل تحولًا جذريًا في علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، حيث لم يعد الهاتف الذكي هو نقطة التفاعل الوحيدة، بل أصبحت النظارات واجهة مباشرة بين العقل والواقع، تديرها خوارزميات «Meta» التي تراقب وتفسّر وتعيد صياغة المعلومات وفقًا لأولوياتها التجارية والسياسية.
يؤكد الخبراء أن التهديد الحقيقي لا يكمن في ارتداء هذه النظارات، بل في وجودها حولنا دون أن نعلم، إذ يمكن لمن يرتديها توجيه عدساتها في أي اتجاه، لتُسجَّل لحظاتك، وتُحلَّل تعبيرات وجهك، وتُقيَّم حالتك النفسية دون إذن منك.
كما أن البيانات التي تُجمع تُرسل إلى خوادم «Meta» حيث تُحلل وتُستخدم في بناء نماذج لتوقّع السلوك وتحليل الانفعالات، مما يفتح الباب أمام “تسليع الإدراك البشري” وتحويل كل تفاعل يومي إلى مادة خام للاستهلاك التجاري والربح.
بحسب التقرير، فإن تأثير هذه النظارات يتجاوز المراقبة إلى التحكم في الإدراك نفسه، إذ يمكن للشخص الذي يرتديها أن يرى نسخة معدّلة من الواقع، مزودة بمعلومات مجتزأة أو مفلترة، ما قد يؤثر في الأحكام والتفاعلات الاجتماعية وحتى القرارات المهنية.
على سبيل المثال، قد يتمكن مسؤول توظيف من معرفة التوجهات السياسية والاجتماعية لمتقدم للوظيفة من خلال تحليل بياناته العامة عبر النظارات، دون علمه أو قدرته على الدفاع عن نفسه، ما يشكّل تحولًا جذريًا في ميزان القوى بين الأفراد والمؤسسات.
وتحذر المقالة من أن هذا التحول لن يحدث عبر إجبار المستخدمين، بل من خلال الإغراءات والميزات الحصرية. فبمرور الوقت، سيصبح استخدام هذه النظارات امتيازًا يربط المستخدمين بتجربة “موسعة” من المعلومات والراحة، بينما يصبح رفض ارتدائها بمثابة الخروج من دائرة الحياة الرقمية الحديثة.
وفي حين تنشغل وسائل الإعلام بمناقشة نظارات الواقع الافتراضي من «Apple» أو الجدل حول «TikTok»، فإن ما تقوم به «Meta» يهدف إلى السيطرة على البنية التحتية للإدراك اليومي، عبر خصخصة “الرؤية” وتحويل الحياة اليومية إلى مساحة مُدارة من قبل الخوارزميات.
مع دخول نصف سكان العالم ضمن منظومة «Meta»، يطرح الخبراء تساؤلات جدية: من سيوقف «Mark Zuckerberg» عن تحويل العالم من حولنا إلى منتج رقمي قابل للتسويق؟ فالحكومات بطيئة في الاستجابة، والتنظيمات القانونية ما زالت عاجزة، بينما يُقبل المستخدمون على التقنيات الجديدة بدافع الفضول والرغبة في التميز الاجتماعي.
وتختتم المقالة بتحذير مباشر: «Mark Zuckerberg» لا يحتاج إلى التحكم في ما تفكر فيه، يكفيه أن يتحكم فيما تراه. ومع النظارات الذكية وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، قد يتمكن قريبًا من التحكم في كليهما.
اقرأ ايضا:
ناشط أميركي يقاضي «ميتا» بسبب «رد» الذكاء الاصطناعي
«ميتا» تحظر صفحة إخبارية إسلامية بارزة على «Instagram» في الهند بطلب من الحكومة