«بنيان» تطرح أسهها في البورصة المصرية مدعومة بأصول تتجاوز 16.5 مليار جنيه

فنتيك جيت: وكالات

مع تقدم وتيرة الإصلاحات الاقتصادية في مصر، وتحرير العملة، والتوسع في مشروعات البنية التحتية، يبرز قطاع العقارات التجارية بوصفه من أهم مجالات الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ومع ارتفاع الطلب من المستأجرين الإقليميين ومتعددي الجنسيات، تجذب مصر رؤوس الأموال من الشركات الساعية إلى الانكشاف على سوق العقارات في شمال أفريقيا، والذي يتوقع (Statista) نموها بنسبة 5.4% لتصل إلى نحو 6.6 تريليون دولار بحلول عام 2029.

“العقارات أهم فئة أصول في مصر”
فيي تقرير نشرته فوربس ميدل إيست يقول شامل أبو الفضل، الرئيس التنفيذي لشركة بنيان المتخصصة في قطاع الاستثمار العقاري، ومقرها القاهرة: “كانت العقارات ولا تزال أهم فئة أصول في مصر. إنها بمثابة تحوط ضد التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية.”

أسست بنيان في عام 2007 عبر شركة القلعة، ثم تم الاستحواذ عليها منتصف عام 2018 من قبل شركة (Sky Realty) ومقرها الإمارات، وهي شركة تابعة لشركة كومباس، شركة الاستثمار المباشر التي أسسها ويرأسها أبو الفضل. في وقت الاستحواذ ، كانت بنيان تملك أصلًا واحدًا فقط، وهو مركز أثاث متخصص بمساحة قابلة للتأجير تبلغ 30 ألف متر مربع.

حينها بدأت الشركة في التوسع، لتضم اليوم محفظة من 10 عقارات رئيسية موزعة في أنحاء القاهرة الكبرى، تشكل المكاتب 74% منها، و26% من مساحات البيع بالتجزئة.

وتعمل بنيان بشكل مستقل كما تدرس السوق بنشاط بحثًا عن عمليات الاستحواذ الاستراتيجية، مع نهج مصمم لاتخاذ القرارات بمرونة مع كفاءة إدارة رأس المال، والاستجابة السريعة لتطورات السوق.

وفي مارس/ آذار 2025، كانت المساحة القابلة للتأجير ضمن أصولها تتجاوز 100 ألف متر مربع، وبلغت قيمة أصولها الإجمالية 330 مليون دولار بما يعادل أكثر من 16.5 مليار جنيه.

التوسع عبر الطرح الأولي
عندما تولّى أبو الفضل قيادة الشركة عام 2018، كان رأس المال المدفوع لشركة بنيان يبلغ 50 مليون دولار. أما اليوم، فقد تضاعف هذا الرقم ليصل إلى 117.3 مليون دولار ، مع احتساب سعر الصرف التاريخي للجنيه مقابل الدولار وقت تطبيق أي زيادة في رأس المال. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، رفعت الشركة رأس المال بقيمة 8.6 مليون دولار، وخصصت العائدات لشراء أصول جديدة وتعزيز مركزها المالي، بما يؤشّر على بدء مرحلة مهمة من التوسع القوي.

نتيجة لذلك، تحوّلت الشركة من تكبد الخسائر قبل اقتطاع الفوائد والضريبة والاستهلاك وإطفاء الدين بقيمة 3.5 مليون دولار في عام 2018 إلى تحقيق الأرباح قبل اقتطاع الفوائد والضريبة والاستهلاك وإطفاء الدين، بلغت 79 مليون دولار في عام 2024. وخلال الفترة نفسها، ارتفعت قاعدة المستأجرين من 4 فقط إلى 119 مستأجرًا.

وبعد أن أرست بنيان القواعد الأساسية، تستعد حاليًا للمرحلة الكبرى التالية: طرح عام أولي في البورصة المصرية في النصف الأول من عام 2025. وتأتي هذه الخطوة لدعم التوسّع المستمر للشركة، من خلال صفقات استحواذ محددة سلفًا، على الرغم من أن التفاصيل الإضافية المتعلقة بذلك لم تُكشف بعد.

 

لم تكن الرحلة على مدار 7 سنوات ماضية خالية من التحديات. فبعد عامين فقط على تولي أبو الفضل قيادة الشركة، واجهت الأسواق العقارية حول العالم أزمة عالمية جلبت معها حالة من عدم اليقين لفترة طويلة. ومع تفشي الجائحة عام 2020 وتحول الشركات إلى العمل عن بُعد، اتخذت بنيان موقفًا معاكسًا للاتجاه السائد في تلك الفترة؛ فقد راهنت بكل جرأة على عودة العمل المكتبي. وبدعم من تمويل مؤسسي، بدأت بالاستحواذ على مبانٍ مكتبية، وتمكنت من شراء 6 أصول تجارية خلال عام 2022 تلاه الاستحواذ على 3 أصول أخرى منذ ذلك الوقت.

يقول أبو الفضل: “وصلنا إلى قناعة بأن الناس لن يعملوا من منازلهم إلى الأبد في مصر. إنها مرحلة مؤقتة. لقد تبنّينا هذا الرأي وتصرفنا بناء عليه”. كانت هذه الخطوة المبكرة جزءًا من استراتيجية استثمار عقاري أوسع تُعرف بـاسم (Core Plus) التي تركّز على الأصول المدرّة للدخل، والتي لديها إمكانات إضافية لتحسين معدلات الإشغال والإيجارات.

ووفقًا لأيمن يوسف، المدير الإداري لشركة كولدويل بانكر الإمارات: “أظهرت سوق المكاتب من الفئة A في القاهرة مرونة في البداية بعد الجائحة، حيث أدّت محدودية المعروض إلى رفع الإيجارات. ومع ترسّخ العمل عن بُعد، تحوّل الطلب نحو مساحات أصغر، ومجهزة، وأكثر فعالية من حيث الكلفة. كما بدأت النماذج المكتبية المرنة تكسب زخمًا. وبينما تراجع الطلب العام، حافظت الإيجارات في المواقع المتميزة على استقرارها، مدفوعة بالطلب الخاص من قطاعات محددة، كالتكنولوجيا والتجارة الإلكترونية، ما أسهم في إبقاء معدلات الشواغر تحت السيطرة”.

اليوم، تتشكل نحو 60% من قاعدة المستأجرين في بنيان، من شركات متعددة الجنسيات، وشركات مصرية كبرى. وعلى عكس الملاك التقليديين، توفر الشركة للمستأجرين مجموعة من المباني التي تلبي المعايير الدولية ويشمل ذلك توفير مساحات في مواقع رئيسية، وأصول تجارية من الدرجة الأولى، مع جميع المتطلباتها التشغيلية مثل مواقف السيارات، ومعايير السلامة من الحرائق، وكذلك التوسع في الشهادات الخضراء.

فيما تستهدف الشركة عمليات استحواذ إضافية تبلغ 25 ألف متر مربع بحلول عام 2026، مع التركيز على ما تراه منافسة مؤسسية غير متطورة في المساحات المكتبية التجارية في مصر. يقول أبو الفضل: “نتطلع إلى الحصول على المزيد من المباني. ومع عائدات الطرح العام، سنتحرك بشكل أسرع. نحن نرى أن الاكتتاب العام علامة فارقة في رحلة بنيان، من شأنها تسهيل تنفيذ استراتيجية توسع الشركة بشكل كبير.”

كذلك يتماشى الاكتتاب العام المخطط له، مع عام قياسي لسوق المال في مصر من حيث عدد الشركات المقيدة الجديدة. ففي عام 2024، شهدت البورصة المصرية نشاطًا غير مسبوق بـ12 قيدًا، وهو أعلى عدد إجمالي سنوي في تاريخها. وشملت 8 شركات مقيدة في السوق الرئيسية و4 في سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة، ما يعكس شهية الشركات للتمويل عبر الأسهم في مختلف القطاعات.

في حين صنفت البورصة المصرية 32 شركة في قطاع العقارات بقيمة سوقية إجمالية بلغت 5.3 مليار دولار، تتصدرها مجموعة طلعت مصطفى القابضة بقيمة سوقية بلغت 1.9 مليار دولار، وفقًا لأسعار الأسهم في 22 أبريل/ نيسان 2025.

مشهد العقارات في مصر
بهذا، لدى بنيان إيمان قوي بفرص السوق المحلية. ويتخذ راي فيرما، الوسيط العقاري المتخصص في العقارات الفاخرة لدى (Eden Realty ) الإمارات، موقفًا متفائلًا لكن بحذر تجاه مشهد العقارات في مصر.

ويقول: “رغم التحديات الاقتصادية الأخيرة، لا يزال النمو مستمرًا، ومدفوعًا بأساسيات ديموغرافية قوية، وتسارع وتيرة التحضّر، والمشروعات الحكومية العملاقة مثل: العاصمة الإدارية الجديدة، والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، إلى جانب زيادة الاستثمارات الأجنبية، خاصة من دول الخليج”.

لكن التحديات لا تزال قائمة، وتشمل: ضعف القدرة الشرائية للمصريين، وارتفاع أسعار الفائدة إلى مستويات كبيرة، بالإضافة إلى هشاشة الاقتصاد الكلي، ومخاطر تنفيذ المشروعات.

مع ذلك، يرى أبو الفضل أن سوق المكاتب في مصر مؤهلة للنمو المستقر على المدى الطويل. وعلى الرغم تقلّب العملة، والاضطرابات الجيوسياسية، لا يزال متفائلًا بإمكانات السوق العقارية التجارية في البلاد، لا سيما في قطاع المكاتب، الذي يعاني من نقص في المعروض، لكنه يوفر توازنًا جيدًا بين العرض والطلب إلى جانب أنه أداة هامة للتحوط ضد التضخم.

كما يعزز هذا التفاؤل بيانات صادرة حديثًا عن البنك المركزي المصري، أظهرت تراجعًا ملحوظًا في معدل التضخم الأساسي إلى 9.4% في مارس/ آذار 2025، مقارنة بـ33.7% في الشهر نفسه من عام 2024، على الرغم من انخفاض الجنيه المصري بنسبة 6% على أساس سنوي، ليسجل سعر الصرف نحو 51 جنيهًا مقابل الدولار الأميركي بحلول 27 أبريل/ نيسان 2025.

مسيرة حافلة
يملك أبو الفضل سجلًا مهنيًا حافلًا يدعم رؤيته المستقبلية؛ فعلى مدى مسيرة مهنية تمتد لأكثر من 30 عامًا، بدأ حياته المهنية في التمويل والأسهم الخاصة، وتقلد مناصب في مؤسسات تمويلية عديدة في مصر وسويسرا منها سيتي غروب، كما مضى بنشاط في طريقه الريادي في عام 2005 من خلال تأسيس (Paragon Asset Management) في سويسرا ثم الشراكة لاحقا في فاروس القابضة.

وأسس شركته الاستثمارية كومباس كابيتال في عام 2010، التي استحوذت بعد عام واحد فقط على شركة العاشر من رمضان للصناعات الدوائية والمستحضرات التشخيصية (راميدا) وهي شركة أدوية مصرية، مقابل 30 مليون دولار. ثم استحوذ على حصة كبيرة في بلتون التي باعها في عام 2016 إلى جانب حصة في سي آي كابيتال التي تخارج منها عند إدراجها في البورصة في عام 2019. وفي عام 2018، استحوذت كومباس على بنيان، وتم طرح راميدا في البورصة المصرية عام 2019. ومنذ عام 2011، يشغل أبو الفضل أيضًا منصب نائب رئيس مجلس الإدارة غير التنفيذي لشركة راميدا.

فيما يتطلب تولي أدوار متعددة تفكيرًا منظمًا وإطارًا منضبطًا. يقول أبو الفضل: “عليك أن تكون قادرًا على الاستماع إلى جميع الآراء، ثم تطوير قناعة خاصة قبل التقدم بسرعة في ذلك.” كذلك تعمل الشركة وفق مبدأ “إما أن تتفق وتلتزم أو تختلف وتلتزم” وهو نهج مصمم لدفع التنفيذ الموحد والسريع.

أما المسار الاستراتيجي لشركة بنيان فهو واضح: التركيز على التوسّع، مدعومًا باستقرار المستأجرين، في وقت تحقق فيه الشركة مستوى نمو متميز. يؤكد الرئيس التنفيذي: “طموحنا يتجاوز ما حققناه اليوم بشكل كبير. نحن نؤمن أننا لا نزال في بداية الرحلة، بالكاد نبدأ الطريق الآن”.