«الذكاء الاصطناعي» يرسم ملامح جديدة للتكنولوجيا والاستثمار والاقتصاد العالمي ومنطقة الخليج في قلب المشهد
فينتك جيت: محمد بدوي
يواصل الذكاء الاصطناعي إحداث تحول جذري في نماذج الأعمال والاقتصاد العالمي، بدءًا من الشركات العملاقة التي تبني مجموعات ضخمة من وحدات معالجة الرسومات (GPU Clusters)، ووصولًا إلى الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا الكبرى الذين يسعون وراء الهدف نفسه بوتيرة متسارعة.
واعتبر ديني فيش، مدير محفظة التكنولوجيا والابتكار ومحلل الأبحاث في شركة “جانس هاندرسن”، أن هذه المقاربة “لا مثيل لها في عالم التكنولوجيا”، مشيرًا إلى أن تبِعاتها “سوف تطال على الأمد البعيد الحكومات والمستثمرين والشركات، لا سيما في منطقة الخليج، حيث يرسم الذكاء الاصطناعي ملامح الأسواق والسياسات والقيادات في مختلف القطاعات”.
هدف واحد جذاب
ورأى فيش أن جميع الرؤساء التنفيذيين لأهم شركات التكنولوجيا في العالم يسعون وراء هدف واحد جذاب، معتبرًا أنه “أمر وجودي، سواء في الجانب الإيجابي أو السلبي”. وأشار إلى أن مشاعر المستثمرين تجاه الذكاء الاصطناعي لم تكن واضحة في البداية. ففي أوائل عام 2025، ظهرت مخاوف عقب إطلاق “ديب سيك “(DeepSeek)، عندما عندما لم تُفهم متطلبات القوة الحاسوبية بشكل صحيح.
وتساءلت الأسواق عما إذا كان الإنفاق الرأسمالي الضخم الذي شهدته سيُترجَم إلى إيرادات. لكن هذا الغموض تبدّد بعد إعلان نتائج أرباح مايكروسوفت في أبريل حيث أتاحت البنية التحتية الإضافية معروضًا أكبر قابله ارتفاع في الإيرادات، ما شكل نقطة تحول أدت إلى تحقيق عوائد ملموسة.
تبني الذكاء الاصطناعي
وتزامنت إعادة التقييم هذه مع اتساع نطاق تبني الذكاء الاصطناعي، فأوضح فيش أن حوالي نصف الشركات المدرجة على مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” قد أوردت الذكاء الاصطناعي في تقاريرها للربع الأول، ما يؤكد سرعة انتشار استخداماته في مختلف القطاعات. لكنه يرى أن السوق ما زالت تقلل من شأن تأثير الذكاء الاصطناعي في الأرباح، بالرغم من أن شركات التكنولوجيا الكبرى كانت شرعت في استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير البرمجيات، وفي الأبحاث والدعم والتسويق.
وقال فيش: “تُجسّد مايكروسوفت هذه الديناميكية؛ فقد تسارعت إيراداتها في الأعمال الأساسية بينما انخفض عدد الموظفين، في معادلة تشير إلى توسع ملحوظ في هامش الأرباح”.
تبني الذكاء الاصطناعي
ويشهد استخدام الذكاء الاصطناعي على أرض الواقع نموًا متزايدًا، فأشار فيش إلى أن مراكز البيانات تتطلب فترات زمنية طويلة للحصول على التصاريح والربط بمصادر الطاقة، وأن مجموعات التدريب تتوسع من مئات الآلاف من وحدات معالجة الرسومات إلى أنظمة أضخم، متوقعًا حدوث توقف مرحلي في الاستثمار حتى تستوعب الشركات النفقات الأخيرة، لكنه أعرب عن ثقته في اتجاه القطاعات على مدى سنوات عديدة، وسعيها نحو الحصول على قدرات استدلالية أكثر تقدمًا.
من جانبها، تُعيد الحكومات ضبط سياساتها، وفقًا لمدير محفظة التكنولوجيا والابتكار في “جانس هاندرسن”، الذي أوضح أن الحكومات باتت تنظر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره ركيزة أساسية في القوة الاقتصادية والتمكين الاجتماعي والأمن القومي. وتختلف تأثيرات السياسات باختلاف القطاعات الفرعية، على حد تعبيره، فالبرمجيات معزولة إلى حد كبير عن الرسوم الجمركية، بينما يواجه الإنترنت الاستهلاكي تعرّضًا متزايدًا لأنظمة الضرائب الرقمية، ويتزايد تنوع إنتاج الأجهزة.
بالنسبة لخوادم الذكاء الاصطناعي، فإن تجميعها في المكسيك، بموجب اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، يدعم التجارة المعفاة من الرسوم الجمركية، فيما تُساعد التعديلات الواسعة التي تُجرى على سلاسل التوريد في الحد من المخاطر. وأكد فيش أن هذه الأنشطة “تُبرز كيف أصبح الذكاء الاصطناعي أولوية اقتصادية وجيوسياسية على حد سواء.
الفرص في الخليج
يتحول التنافس العالمي في منطقة الخليج إلى فرص محلية؛ ففي دولة الإمارات، استثمرت مايكروسوفت 1.5 مليار دولار في شركة G42، التي تتخذ من العاصمة أبوظبي مقرًا، لتسريع التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، في حين أطلق معهد الابتكار التكنولوجي نموذج “فالكون 2” مفتوح المصدر في مايو 2024.
أما في المملكة العربية السعودية، فأكملت مايكروسوفت بناء ثلاثة مواقع لمراكز بيانات “أزور” Azure، يُتوقع أن تباشر التشغيل في عام 2026. وفي الوقت نفسه، أطلق صندوق الاستثمارات العامة و”جوجل كلاود” برنامجًا بقيمة 10 مليارات دولار لإنشاء مركز عالمي للذكاء الاصطناعي بالقرب من الدمام.
وسلّط فيش الضوء على ثلاث إشارات قال إنه ينبغي للمستثمرين مراقبتها في المستقبل: تتمثل الأولى في توسّع هامش الربح بفضل إسهام أدوات الذكاء الاصطناعي بزيادة الإنتاجية في مختلف القطاعات، والثانية بوتيرة بناء مراكز البيانات وإبرام عقود الطاقة، والتي ستُحدّد سرعة تشغيل القدرات الجديدة، أما الإشارة الثالثة فتتمثل في إحداث التوازن بين منصات الذكاء الاصطناعي الشاملة والنماذج المتخصصة في مجالات محددة والتي تُحقّق أرباحًا أسرع.
واختتم فيش حديثه بالقول: “هذا المسار المزدوج المتمثل في القدرات العامة المتقدمة من جهة، ومحركات الإيرادات قصيرة الأجل من جهة أخرى، سوف يحدِّد للمستثمرين مكامن العوائد المستدامة”.
نبذة عن جانس هاندرسن
تعد مجموعة جانس هاندرسن المدرجة في بورصة نيويورك (NYSE)، شركة عالمية رائدة متخصصة في مجال إدارة الأصول وتساعد العملاء على تحقيق نتائج مالية ملموسة من خلال الأفكار والرؤى المتميزة، والاستثمار المنضبط، والخدمات عالمية المستوى.
وتدير جانس هاندرسن التي تتخذ من لندن مقراً رئيسياً لها أصولاً بقيمة 373 مليار دولار أمريكي كما في 31 مارس 2025، ولديها فريق عمل كبير يضم أكثر من 2,000 موظف موزعين على مكاتبها في 25 مدينة حول العالم. وتحرص الشركة من خلال شبكتها العالمية على مساعدة ملايين الأفراد حول العالم على الاستثمار في مستقبل أفضل للجميع.
المصدر: مجموعة جانس هاندرسن
اقرأ ايضا:
«كي بي إم جي»: اعتماد الذكاء الاصطناعي في القطاع المالي الإماراتي يتجاوز المتوسط العالمي
دراسة: الذكاء الاصطناعي يضيق فرص العمل أمام المبرمجين المبتدئين في «أمريكا»