الرئيس التنفيذي لـ«مدينة مصر»: البشرية في مفترق طرق مع الذكاء الاصطناعي.. وقطاع العقارات أمام ثورة «PropTech» شاملة
فينتك جيت:ريهام علي
أكد عبد الله سلام، الرئيس التنفيذي لشركة مدينة مصر، أن العالم يقف اليوم على أعتاب مرحلة غير مسبوقة في تاريخه مع الانتشار السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل ChatGPT، والتي لم تعد مجرد ابتكارات تقنية، بل تحولت إلى قوى تغييرية تعيد صياغة طريقة تفكير البشر، أنماط حياتهم، وأنظمة العمل عبر مختلف القطاعات.
وأشار سلام خلال كلمته بجلسة مستقبل إبداعات التكنولوجيا العقارية في الشرق الأوسط المقامة على هامش معرض سيتي سكيب إلى أن البشرية تقف عند مفترق طرق حقيقي: إما أن تحتضن هذه التكنولوجيا وتعيد توظيفها لخدمة الإنسان، أو أن تواجه مخاطر التخلف عن الركب، وهو ما قد يؤدي إلى فقدان التوازن في قطاعات أساسية مثل التعليم، الصحة، الثقافة، والاقتصاد، ومن بينها بطبيعة الحال قطاع العقارات.
الذكاء الاصطناعي.. حديث المجالس العائلية قبل المؤتمرات الدولية
أوضح سلام أن الذكاء الاصطناعي أصبح موضوع الساعة في كل مكان، لدرجة أنه لم يعد يقتصر على نقاشات المؤتمرات المتخصصة أو دوائر الأعمال، بل وصل إلى الجلسات العائلية البسيطة.
“اليوم لا يخلو أي نقاش – حتى على مائدة الطعام – من سؤال عن الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته. المدهش أن حجم التبني وصل إلى مستوى وصفته بـ’المرعب’.
فالأجيال الأكبر سنًا، في السبعينيات والثمانينيات، ربما أكثر انبهارًا من جيل الشباب نفسه. هؤلاء الذين عاشوا الانتقال من الراديو إلى التلفزيون الأبيض والأسود ثم الملون، وصولًا إلى ثورة الهواتف المحمولة، يجدون أنفسهم الآن أمام جهاز صغير يجيب عن أي سؤال في لحظة واحدة. بالنسبة لهم، ما يحدث اليوم يعادل قفزة حضارية لم يشهدوا مثلها من قبل.”
أما الجيل الذي نشأ على الإنترنت – بحسب سلام – فقد اعتاد على التطور التدريجي، لكن السرعة الخارقة للذكاء الاصطناعي جعلته يعيش حالة من الصدمة والدهشة.
مفترق طرق بين الفرص والتحديات
يرى سلام أن هذه المرحلة تحمل فرصًا غير مسبوقة، لكنها في الوقت نفسه لا تخلو من تحديات عميقة.
“أنا بطبيعتي متفائل، وأرى أن هذه اللحظة يمكن أن تكون إيجابية جدًا إذا أحسنا استثمارها. نعم، هناك جانب مظلم لا مفر منه يتعلق بالوظائف، وبالثقافة المجتمعية، وبالتأثير على العقول. لكنني مؤمن أن الإنسانية ستتغلب على هذه التحديات كما فعلت سابقًا.”
وأشار إلى تجربته الشخصية مع ميلاد الإنترنت في التسعينيات، حيث سادت وقتها مخاوف مشابهة حول تأثيره على المجتمع والشباب.
ورغم الأضرار التي حدثت، تمكن العالم من استيعاب التكنولوجيا وتطويعها لتصبح أحد أعمدة الحضارة الحديثة.
وأضاف “لن نعيش مدينة فاضلة بلا مشاكل، لكننا سنجد دائمًا طريقًا لاحتضان التكنولوجيا وتطويعها لخدمة الإنسان.”
PropTech.. من “هل؟” إلى “كيف؟”
انتقل سلام للحديث عن قطاع العقارات، مشددًا على أن إدخال التكنولوجيا العقارية (PropTech) لم يعد سؤال “هل ستدخل؟”، بل أصبح سؤال “كيف ندمجها في قلب الصناعة؟”.
“PropTech لم يعد مجرد أداة مساعدة أو خيارًا إضافيًا، بل أصبح محورًا رئيسيًا للنمو والتنافسية في القطاع العقاري. من تحليل البيانات الضخمة، إلى تحسين عمليات البناء، إلى إدارة المرافق الذكية، كلها تطبيقات تُعيد رسم مستقبل الصناعة بالكامل.”
وأكد أن العقارات بطبيعتها قطاع تقليدي يوصف بأنه “Legacy System”، لكنه يرى أن هذا التوصيف لم يعد مبررًا للبقاء في دائرة الجمود “إذا استسلمنا لفكرة أن العقار صناعة تقليدية، فسنحكم على أنفسنا بالموت البطيء. العقار يمس حياة الإنسان في كل جوانبها – من التعليم والصحة إلى الرياضة واللوجستيات – وبالتالي فهو أكثر صناعة قابلة للإبداع.”
العلاقة الحقيقية تبدأ بعد الاستلام.. عميل مدى الحياة
لفت سلام إلى أن العلاقة بين المطور العقاري والعميل لا تبدأ عند البيع أو التسليم كما يظن البعض، بل تبدأ بعد الاستلام وتستمر مدى الحياة.
“العلاقة بيننا وبين عملائنا ليست قصيرة المدى، بل تمتد عبر الأجيال. عندما يرث الأبناء والأحفاد العقار نفسه ويعيشون فيه، تصبح مسؤوليتنا أن نضمن استمرارية هذه العلاقة بشكل مريح ومستدام.”
من “Silent Luxury” إلى “Silent Technology”
استلهم سلام مفهوم Silent Technology من عالم الموضة والفخامة، حيث ظهر مصطلح Silent Luxury الذي يقوم على إبراز الجودة والفخامة دون الحاجة لشعارات صاخبة.
“نريد أن نفعل الشيء نفسه في العقارات. التكنولوجيا يجب أن تكون قوية وحاضرة لخدمة العميل، لكنها في الوقت نفسه صامتة وغير مزعجة. الهدف أن يعيش العميل تجربة طبيعية وسلسة، حيث تعمل التكنولوجيا في الخلفية لتسهيل حياته، لا لتثقيلها.”
أمثلة عملية للتكنولوجيا الصامتة:
أنظمة التحكم الذكية في الدخول (Access Control).
كاميرات المراقبة المتطورة (CCTV) وأنظمة الأمان.
حلول الدفع الرقمي وملكية العقار الجزئية (Fractional Ownership).
إدارة المرافق والخدمات الذكية داخل المجتمعات العمرانية.
وأكد سلام أن الهدف ليس إشعار العميل بالمراقبة أو إرهاقه بإجراءات معقدة، بل تمكينه من العيش في بيئة آمنة وسهلة بفضل التكنولوجيا.
التقنية والإنسانية في مفترق طرق
تطرق سلام إلى البعد الفلسفي للتكنولوجيا، مشددًا على أنها لم تعد مجرد أدوات محايدة، بل أصبحت تؤثر في تصميم الإنسان نفسه:
“السؤال لم يعد: هل سنستخدم الذكاء الاصطناعي؟ بل: كيف سيفكر الذكاء الاصطناعي في تصميمنا نحن كبشر؟ هل سيدفعنا لنصبح أكثر انضباطًا مثل الآلة؟ أم سيستوعب عشوائيتنا الإنسانية ويجعلها جزءًا من المنظومة؟”
وأضاف أن جوهر التحول اليوم يتمثل في الانتقال من تصميم المنتجات إلى تصميم التجارب الإنسانية الكاملة “لم نعد نصمم مبنى أو وحدة عقارية فقط، بل نصمم رحلة متكاملة للعميل: من طريقة الحجز والشراء، إلى كيفية السكن، إلى تفاعله المستمر مع المدينة على المدى الطويل. التقنية ليست مجرد واجهة صاخبة، بل قوة صامتة تُعيد تشكيل التجربة.”
مدينة مصر.. من “مدرسة قديمة” إلى “مبتكر السوق”
استعرض سلام تجربة شركة مدينة مصر، التي تأسست عام 1959، قائلاً إنها كانت تُصنّف لسنوات طويلة كواحدة من “الشركات التقليدية – Old School”، لكن هذا الوصف تغيّر جذريًا.
“اليوم، وبشهادة أطراف مستقلة، تُعتبر مدينة مصر من المبتكرين في السوق العقاري. هذا التحول لم يأتِ صدفة، بل نتيجة قرار واعٍ بخوض المخاطر ومواجهة أنفسنا قبل منافسينا.”
وأشار إلى إطلاق منصة “صوت مصر العقاري” في 2021 بالتزامن مع صعود “كلوب هاوس”، معتبرًا إياها خطوة جريئة عكست استعداد الشركة للمغامرة والانفتاح على أدوات غير مألوفة في صناعة تقليدية.
مختبرات الابتكار.. صدام الأجيال لصالح المستقبل
كشف سلام أن الشركة أنشأت وحدة مستقلة باسم مدينة مصر Innovation Labs تعمل ككيان منفصل بعقلية شابة مختلفة، للتعاون مع الشركات الناشئة والاستحواذ على الأفكار الجديدة ،”نعم، هناك صدام داخلي بين الأجيال والأنماط الإدارية المختلفة، لكنه صدام صحي. التغيير لا يولد في بيئة ساكنة، بل يحتاج إلى نقاش وصراع فكري. وهذا ما يحدث اليوم داخل شركتنا.”
السرعة.. القلق الأكبر
اعترف سلام بأن القلق الأكبر بالنسبة له لا يتعلق بفكرة الابتكار نفسها، بل بسرعة تنفيذه”رغم كل ما نقوم به من خطوات، يبقى سؤالي: هل نتحرك بالسرعة الكافية؟ العالم يتغير بوتيرة مذهلة. حتى شركات مثل أبل، التي كانت رمزًا للابتكار، أصبحت اليوم تُنتقد بأنها أبطأ من موجات الذكاء الاصطناعي والشركات الناشئة. نحن لا نريد أن نقع في نفس الفخ.”
وأضاف أن الشركة تركز على استقطاب الشباب والشركات الناشئة السريعة لضمان مواكبة الإيقاع العالمي.
رسالة الختام: الابتكار خيار بقاء
اختتم عبد الله سلام كلمته برسالة واضحة: “إذا ظللنا نردد أن العقارات صناعة تقليدية، فسوف نصبح نبوءة تحقق نفسها ونقتل أنفسنا بأيدينا.
أما إذا اخترنا أن نعيد تعريف الصناعة ونفتح الباب للابتكار، فسنصنع مستقبلًا مختلفًا ونبقى في قلب المنافسة. التحدي ليس في مقاومة التكنولوجيا، بل في إعادة تعريفها لتكون أكثر إنسانية وأكثر انسجامًا مع طبيعتنا.”
اقرا ايضا:
«مدينة مصر» تحصل على موافقة «الرقابة المالية» لتأسيس صندوق« SAFE» العقاري
تخريج 130 شركة ناشئة مصرية من برنامج «Orange Corners» بدعم «مدينة مصر»
«مدينة مصر للاسكان» تعتزم الاستثمار في الشركات الناشئة المرتبطة بالتطوير العقاري