«دكتور عمر عبد الفتاح» يكتب.. تحليل اقتصادي لصعود الذهب

مع الارتفاعات القياسية في أسعار الذهب عالميًا، حيث لامس سعر الأونصة نحو 3800 دولار عند إغلاق الجمعة الماضية، يبرز السؤال الذي يشغل المستثمرين وصنّاع القرار:
هل دخل الذهب مرحلة فقاعة تستعد للانفجار، أم أن صعوده لا يزال يستند إلى دوافع اقتصادية ومالية وجيوسياسية قوية تجعله مرشحًا لمزيد من الارتفاع؟


الذهب هو الذهب… لكن البيئة تغيّرت

من المهم أن نضع في الاعتبار أن الذهب نفسه لم يتغير؛ فهو المعدن ذاته الذي شكّل معيارًا للقيمة عبر قرون طويلة.
لكن ما تغيّر خلال العقد الأخير هو البيئة الاقتصادية والمالية المحيطة بالذهب، ومعها مكونات الطلب ودوافعه.

فلم يعد الطلب فقط مرتبطًا بالمجوهرات أو الاستخدامات التقليدية، بل أصبح مدفوعًا بالتحوط من المخاطر المالية، وباستراتيجيات البنوك المركزية، وبالدوافع الاستثمارية الفردية.
أضف إلى ذلك السيولة النقدية الهائلة التي ضُخت في الاقتصاد العالمي بين 2019 و2022، والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة، وفترات أسعار الفائدة المنخفضة التي غذّت موجات شراء الذهب.


هل الذهب اليوم هو نفسه ذهب قبل عشر سنوات؟

الذهب كمادة لم يتغيّر، لكن السياق الذي يقاس فيه قد تغير جذريًا.
قبل عقد، كان تحرّك الذهب مرتبطًا بالتضخم ومعدلات الفائدة وبعض الاضطرابات الإقليمية.

اليوم هناك عناصر جديدة:

  • الرقمنة التي جعلت من شراء الذهب متاحًا لكسر الجرعات (grams and fractions).

  • صناديق ETF التي سمحت بتدفق سيولة مؤسسية بسهولة.

  • تحركات بنوك مركزية كبيرة نحو زيادة الاحتياطيات الذهبية كجزء من تنويع الاحتياطيات من الدولار.

بالمعنى العملي، الذهب نفسه هو ذاته، لكن “الطلب” الذي يحرك السعر بات أكثر تنوعًا وأقوى.


العوامل المحركة لصعود الذهب

أولاً: العوامل طويلة الأجل (الهيكلية)

  1. الذهب كملاذ آمن تاريخي: احتفاظ الذهب بمكانته كأداة للتحوط ضد التضخم والأزمات المالية وانهيارات العملات.

  2. تحول في استراتيجيات البنوك المركزية: ازدياد وتيرة مشتريات البنوك المركزية، خاصة في الاقتصادات الناشئة.

  3. التوسع النقدي العالمي: ضخ كميات كبيرة من السيولة بين 2019 و2022.

  4. العجز والديون العالمية: مستويات ديون عامة وخاصة مرتفعة تدفع المستثمرين للبحث عن أصول خارج النظام المالي التقليدي.

  5. تغير سلوك الأفراد: توسّع أدوات الادخار والاستثمار بالذهب، من السبائك الصغيرة إلى التطبيقات الرقمية.

ثانيًا: العوامل قصيرة الأجل (الظرفية)

  1. المخاطر الجيوسياسية: النزاعات والتوترات الدولية تزيد الطلب التحوطي.

  2. احتمالات التصحيح في أسواق الأسهم: تقييمات مرتفعة تشجّع تحويل جزء من المحافظ إلى ذهب.

  3. تغيرات أسعار الفائدة: خفض الفائدة يقلل من جاذبية السندات مقارنة بالذهب.

  4. التدفقات إلى صناديق الذهب (ETFs): سيولة مؤسسية تضيف ضغطًا صعوديًا.

  5. ديناميكية الأسعار: زخم الأسعار يجذب المضاربين ويعزز الاتجاه الصاعد.


تغير سلوك الأفراد ومظاهر الطلب الشعبي

لم يعد الادخار في الذهب يقتصر على الحُلي التقليدية. بل ظهرت ظواهر جديدة تولّد طلبًا شعبيًا واضحًا:

  • انتشار ماكينات بيع الذهب (Gold ATMs) في بعض المدن.

  • خدمات وتطبيقات رقمية تتيح شراء كسور جرام وحفظها افتراضيًا.

  • برامج ادخار شهري بالذهب تقدمها بنوك ومنصات متخصصة.

  • زيادة الإقبال على السبائك الصغيرة والعملات الذهبية في أسواق ناشئة مثل مصر وتركيا والهند، وفي أسواق متقدمة مثل ألمانيا وسويسرا.

هذه المظاهر تشير إلى تحول ثقافي واقتصادي يعزز استقرار الطلب على المدى المتوسط.


مخاطر وتحديات أمام استمرار الصعود

رغم العوامل الإيجابية، هناك عوامل قد تحد من المكاسب:

  • تشديد السياسة النقدية ورفع الفائدة.

  • انفراج جيوسياسي يقلل الطلب التحوطي.

  • جني الأرباح من قبل الصناديق والمؤسسات.

  • صعود الدولار عالميًا.

  • عودة السيولة إلى الأسهم في ظل انتعاش أرباح الشركات.


خلاصة واستنتاجات

الذهب اليوم ليس فقط المعدن التقليدي المعروف؛ إنه ظاهرة مالية متعددة الأبعاد.
العوامل طويلة الأجل — مثل سياسات البنوك المركزية، تراكم الديون، التوسع النقدي، وتوسع الطلب الفردي — تشكل قاعدة قوية لاستمرار الاتجاه الصاعد.

لكن، تبقى تقلبات ممكنة مرتبطة بتغير السياسات أو التطورات الجيوسياسية أو عمليات جني الأرباح.
لذلك، التوصية للمستثمرين هي: تنويع المحافظ، تحديد نسب التعرض للذهب، والتمييز بين الذهب الفيزيائي كتحوط طويل الأجل وبين الأدوات المالية (ETFs) كوسيلة سيولة سريعة.


أرقام وإحصاءات ذات دلالة

  • YTD (حتى أغسطس 2025): تدفقات صناديق الذهب عالميًا حوالي 47 مليار دولار (World Gold Council).

  • الدين العام الأمريكي: يتجاوز 35 تريليون دولار (120% من الناتج المحلي).

  • الدين العالمي: نحو 315 تريليون دولار (335% من الناتج العالمي) – صندوق النقد الدولي.

  • رأس المال السوقي لأكبر عشر شركات أمريكية: أكثر من 25 تريليون دولار، تمثل حوالي 40% من مؤشر S&P 500.

  • المعروض النقدي العالمي (M2): يتجاوز 100 تريليون دولار (25 ضعف القيمة السوقية للذهب المتداول) – بنك التسويات الدولية.

بقلم
الدكتور عمر عبد الفتاح
الخبير الاقتصادي

في هذا السياق، ومن ناحية أخرى، هناك العديد من الأخبار المرتبطة بالقطاع والتي يمكنك متابعتها. على سبيل المثال، نستعرض أهمها في القائمة التالية:

شركة «انطلاق» تطلق «أرقام» أول منصة للبيانات وتحليلها في مصر+

«الأكاديمية البحرية» : ريادة الأعمال ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية في مصر والمنطقة