رئيس الرقابة المالية المصرية : مستقبل الشركات الناشئة لا يمكن أن يكتمل دون التطرق إلى آليات التخارج والطرح في البورصة

فينتك جيت:ريهام علي

قال الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، إن النقاش حول مستقبل الشركات الناشئة لا يمكن أن يكتمل من دون التطرق إلى آليات الخروج والطرح في البورصة، باعتبارها من أهم الأدوات التي تتيح لهذه الشركات النمو والوصول إلى التمويل المستدام. وأكد أن التجارب العالمية أثبتت أن نجاح بيئة ريادة الأعمال يعتمد بشكل مباشر على وجود أدوات مالية وتنظيمية مرنة تدعم مختلف مراحل تطور الشركات.

الطرح التقليدي والبدائل المتاحة

وأوضح فريد خلال كلمته بقمة تكني أن النموذج الأكثر شيوعًا للطرح هو الإدراج في السوق الرئيسي للبورصة المصرية (EGX)، وهو مسار يحتاج إلى متطلبات كبيرة مثل حجم أعمال مرتفع ورأسمال يصل إلى مئات الملايين، وهو ما يجعله مناسبًا للشركات الكبرى لكنه لا يخدم الشركات الصغيرة أو سريعة النمو.

وأشار إلى وجود بديل آخر هو سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة (SME)، الذي صُمم خصيصًا للشركات في مراحل النمو الأولى. ورغم أن متطلباته أخف مقارنة بالسوق الرئيسي، إلا أنه يظل بحاجة إلى شركات لديها خطط نمو قوية وطموحة.

وقال “كثير من الشركات التي تدخل إلى سوق SME تكون في بداياتها، لكنها تحتاج إلى معدلات نمو مرتفعة قد تصل إلى 30 أو 40 وحتى 100% لكي تصبح أكثر جاذبية للمستثمرين. هذا يوضح أن البيئة لا تزال تحتاج إلى المزيد من الأدوات المبتكرة التي تلائم طبيعة الشركات الناشئة.”

التعلم من التجارب العالمية

وأضاف فريد أن الهيئة تراقب عن قرب التجارب العالمية، وخاصة في الولايات المتحدة من خلال مؤشرات مثل S&P 500، حيث ظهرت أدوات جديدة للتعامل مع تحديات النمو والتمويل.

وأشار إلى أن من بين هذه الأدوات آلية شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص (SPACs)، والتي انتشرت عالميًا خلال السنوات الأخيرة كبديل مبتكر للطرح التقليدي.

وأوضح أن الـ SPACs تقوم على تأسيس شركة جديدة بغرض جمع أموال من المستثمرين عبر البورصة، ثم دمج أو الاستحواذ على شركة قائمة، وهو ما يتيح للشركات الناشئة فرصة أسرع وأبسط للوصول إلى الأسواق المالية

نموذج VC SPAC

وتابع فريد “في مصر، ندرس تطوير نموذج جديد مستوحى من الـ SPAC لكنه أكثر ملاءمة للسوق المحلي، وهو ما نطلق عليه VC SPAC. الفكرة تقوم على الدمج بين فلسفة صناديق رأس المال المخاطر (VCs) وفلسفة الطروحات العامة.”

وأوضح أن النموذج التقليدي للـ SPAC يركز على الاستحواذ على شركة واحدة فقط، بينما الـ VC SPAC يتيح إمكانية إدراج مجموعة من الشركات الناشئة داخل محفظة واحدة، بحيث تدخل هذه الشركات إلى البورصة بشكل جماعي، مما يمنحها قوة أكبر ويتيح للمستثمرين تنويع المخاطر.

وأضاف “الـ VC SPAC يفتح الباب أمام الشركات الصغيرة جدًا التي لا تستطيع بمفردها دخول البورصة. عبر هذا النموذج، يمكن لهذه الشركات أن تجد فرصة عادلة للطرح وجذب التمويل.”

التوازن بين الرقابة والمرونة

وشدد فريد على أن تطوير مثل هذه الأدوات يحتاج إلى إطار تشريعي وتنظيمي مرن، يوازن بين حماية المستثمرين وتمكين الشركات. وأوضح أن الهيئة تعمل على تحديث اللوائح بشكل مستمر لتسمح بوجود أدوات مالية مبتكرة دون الإضرار باستقرار السوق.

ونوه بأن التحدي ليس فقط في خلق أداة جديدة، بل في بناء منظومة متكاملة. يجب أن نحافظ على حقوق المستثمرين من جهة، وفي الوقت نفسه نتيح للشركات الناشئة فرصًا حقيقية للنمو. هذه معادلة دقيقة لكنها ضرورية.”

بيئة الأعمال في مصر تتطور

وأشار فريد إلى أن مصر قطعت خطوات مهمة في تحسين البيئة القانونية والتنظيمية خلال السنوات الأخيرة، قائلاً “اليوم إذا لم تفعل شيئًا غير قانوني، فإن الجهات التنظيمية ستتعاون معك.

وأضاف هناك دعم واضح من الأجهزة الحكومية المختلفة، سواء فيما يخص تسجيل الشركات أو التعامل مع اللوائح التنظيمية. الحكومة أصبحت أكثر وعيًا بأهمية الشركات الناشئة وتمنحها اهتمامًا متزايدًا.”

وأوضح أن هذا التحسن التدريجي في البيئة القانونية يفتح الباب أمام جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، كما يعزز من ثقة المستثمرين المحليين والدوليين في السوق المصرية.

نحو مستقبل أكثر جاذبية للطروحاتوختم رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية حديثه قائلاً “البيئة الاستثمارية في مصر تسير في الاتجاه الصحيح. لدينا شباب موهوب، وشركات ناشئة طموحة، وحكومة بدأت تدعم الإصلاحات التشريعية بجدية. ما نحتاجه هو الاستمرار في هذا المسار، وإدخال أدوات مثل الـ SPAC والـ VC SPAC، حتى نخلق بيئة مالية واستثمارية متطورة قادرة على تحويل مصر إلى مركز إقليمي وعالمي لريادة الأعمال والابتكار.”