مخترع الإنترنت..يعلن ندمه على اختراعه

فينتك جيت: وكالات

على مسرح براتل الشهير بالقرب من جامعة هارفارد، وجّه السير تيم بيرنرز لي، مخترع الشبكة العنكبوتية العالمية، انتقادات لاذعة لحالة الإنترنت الراهنة، قائلاً إن المستخدمين باتوا يُعاملون كـ”منتجات قابلة للاستهلاك” في عالم رقمي ينهش بياناتهم بلا هوادة.
بيرنرز لي، الذي ابتكر “الويب” عام 1989 أثناء عمله في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية سيرن، أكد أن الإنترنت الذي وُلد كمساحة للحرية والمعرفة المشتركة، تحوّل تدريجيًا إلى سوق ضخمة تقوم على استغلال بيانات الأفراد وتحويلهم إلى أدوات لتحقيق أرباح إعلانية.

ميلاد الويب: ابتكار غيّر مسار البشرية

في حديثه، استعاد مخترع الويب بدايات الفكرة، حينما قرر إنشاء نظام يربط بين المعلومات داخل سيرن لتسهيل الوصول إليها ومشاركتها. هذا الابتكار الذي خرج للنور عام 1989 لم يلبث أن تحوّل خلال سنوات قليلة إلى أيقونة الثورة الاقتصادية العالمية الثالثة.

وقد قرر بيرنرز لي آنذاك طرح ابتكاره مجانًا للعالم. وفي مقالة سابقة له في صحيفة الغارديان، كتب: “لكي تحتوي شبكة الويب على كل شيء، كان على الجميع أن يكونوا قادرين على استخدامها، وأن يرغبوا في ذلك. كان هذا يتطلب الكثير بالفعل. لم يكن بإمكاني أيضًا أن أطلب منهم الدفع مقابل كل بحث أو تحميل يقومون به. لذا، لكي تنجح، يجب أن تكون مجانية”.

فعالية جامعة هارفارد: مذكرات جديدة ورسالة إنسانية

جاءت تصريحات بيرنرز لي خلال فعالية أقامتها مكتبة جامعة هارفارد بالتعاون مع قسم العلوم ومتجر الكتب التابع لها، بهدف الترويج لمذكراته الجديدة تحت عنوان: “هذا من أجل الجميع: القصة غير المكتملة للويب”.

وفي هذا الكتاب، يكشف مخترع الإنترنت عن رحلته الطويلة بين ابتكار غيّر العالم، وبين معركة لا تنتهي للحفاظ على مبادئه الأساسية: الحرية، والحياد، وإتاحة المعرفة للجميع دون تمييز.

“المحفظة الرقمية الشخصية”: حلم استعادة السيطرة على البيانات

وخلال كلمته، طرح بيرنرز لي فكرة “المحفظة الرقمية الشخصية” باعتبارها خطوة أساسية للعودة إلى تجربة ويب أكثر لامركزية.

هذه المحفظة الرقمية تُعد مساحة موحدة لتخزين بيانات المستخدم بشكل آمن، وتمنحه التحكم الكامل في توقيت وكيفية مشاركة معلوماته مع التطبيقات والمنصات المختلفة.

وليس الأمر مجرد فكرة؛ إذ أطلق بيرنرز لي بالفعل نسخة أولية من هذا المشروع عبر تطبيق حمل اسم Solid، وذلك بالتعاون مع شركة Inrupt التي أسسها العام الماضي. ويُتوقع أن تكون هذه المبادرة بداية لمرحلة جديدة من الإنترنت حيث يعود للمستخدم زمام السيطرة على بياناته الرقمية.

انتقاد عمالقة التخزين السحابي

لم تسلم خدمات التخزين السحابي الكبرى مثل Dropbox وiCloud وGoogle Cloud من انتقاداته، حيث اعتبرها خدمات متنافرة غير متوافقة فيما بينها، وهو ما يعيق تجربة المستخدم ويجعل الاعتماد عليها محدود الفائدة.

من “اقتصاد النية” إلى “اقتصاد الانتباه”: التحول الأخطر
أعمق انتقادات بيرنرز لي جاءت ضد ما وصفه بـ “التحول الخطير” من اقتصاد النية إلى اقتصاد الانتباه. ففي البداية، كان الإنترنت مساحة لتحقيق نوايا المستخدمين: البحث، التعلم، التواصل.

أما اليوم فقد تحوّل إلى فضاء يستغل انتباه المستخدم ويخطفه بهدف تعظيم الأرباح الإعلانية.

وقال بوضوح: “الويب يختطف من اقتصاد النية إلى اقتصاد الانتباه… المستخدم أصبح سلعة تستهلك من قبل المعلنين”. وانتقد بشدة الخوارزميات المصممة للإدمان، التي تنتهجها منصات مثل فيسبوك وغوغل وإنستغرام، مضيفًا: “حين تصمم خوارزمية تسبب الإدمان، فأنت تعلم تمامًا ما تفعله”.

دعوة للمنصات: اجعلوا المستخدمين أكثر إنتاجية

في مواجهة هذا الواقع المظلم، دعا بيرنرز لي المنصات الرقمية الكبرى إلى إعادة النظر في سياساتها، والتركيز على جعل المستخدمين أكثر إنتاجية بدلاً من إثارة غضبهم أو استنزاف وقتهم في محتوى عديم القيمة. بالنسبة له، استعادة القيم الإنسانية يجب أن تكون أولوية في تصميم أي نظام تقني جديد.

مسيرة مدافع عن حيادية الإنترنت

لم يتوقف دور بيرنرز لي عند كونه المخترع، بل تحوّل منذ التسعينيات إلى أحد أبرز المدافعين عن حيادية الإنترنت وحق الجميع في الوصول المفتوح والمتساوي. وقد أسس لهذه الغاية معهد البيانات المفتوحة ومؤسسة الويب العالمية، اللذين يعملان على إعادة الإنترنت إلى مبادئه الأولى.
وفي عام 2012، أعاد إطلاق شعاره الشهير: “هذا من أجل الجميع”، ليجدد التزامه برسالة الويب الإنسانية.

تكريمات عالمية لمسيرة استثنائية

خلال مسيرته، حاز بيرنرز لي على العديد من الجوائز والتكريمات، أبرزها من الملكة إليزابيث الثانية التي منحته لقب “فارس” عام 2004، ثم وسام الاستحقاق، بالإضافة إلى جائزة تورينغ عام 2016، والتي تُعد بمثابة “جائزة نوبل للحوسبة”.

ذكريات لا تُنسى من الأيام الأولى للويب

في لمسة إنسانية، شارك بيرنرز لي الحضور بعض الذكريات من الأيام الأولى لاختراع الويب. وكشف أن أول خادم ويب كان يحمل ورقة لاصقة كتب عليها: “هذه الآلة خادم.. لا تطفئها!”. كما أشار إلى أنه هو من ابتكر الرموز الشهيرة للأخطاء التقنية، وعلى رأسها الرمز الأسطوري: “404 – الصفحة غير موجودة”، الذي أصبح جزءًا من الثقافة الرقمية اليومية.

اقرا ايضا:

«كاسبرسكي» تطلق دورة مجانية عبر الإنترنت لتدريب طلاب الجامعات على أساسيات «الأمن السيبراني»

«تنظيم الاتصالات» : تأثر خدمات المحمول والإنترنت بالقاهرة الكبرى 3 ساعات فجر الخميس لتطوير المتحف الكبير

منصة «Framer» الهولندية تجمع 85.6 مليون يورو يورو لتوسيع حلولها في بناء مواقع الإنترنت

«ستارلينك» التابعة لـ «إيلون ماسك» تقترب من إبرام اتفاق لتوفير خدمة الإنترنت على متن طائرات «الخطوط السعودية»