فنتيك جيت: مصطفى عيد
في ظل الارتفاع المستمر في أعداد المدخنين عالميًا، وما يصاحبه من أعباء صحية واقتصادية متزايدة، بدأت الدول الكبرى في إعادة النظر في استراتيجياتها التقليدية لمكافحة التبغ. ويكتسب نهج “تقليل المخاطر” زخمًا متزايدًا، إذ يعكس تحولًا من سياسة المنع إلى توفير بدائل أقل خطورة للمدخنين البالغين. هذا التوجه تدعمه دراسات حديثة من جامعتي «برونيل» و«أوكسفورد»، بالتعاون مع خبراء في الاقتصاد الصحي والسياسات العامة.
الأساليب التقليدية لم تعد كافية
على مدى عقود، ركزت الحكومات على فرض الضرائب المرتفعة والتحذيرات المصورة وحملات المنع الصارمة للحد من معدلات التدخين. ورغم أن تلك الجهود أسهمت في بعض التراجع، فإنها لم تُحدث تغييرًا جوهريًا في سلوك المدخنين البالغين. في المقابل، تظهر الأدلة الحديثة أن توفير بدائل واقعية وأقل ضررًا – مثل السجائر الإلكترونية وأجهزة التبغ المسخن وأكياس النيكوتين – أكثر فاعلية من السياسات العقابية.
نتائج اقتصادية وصحية مشجعة
في إيطاليا، حققت استراتيجية الحد من المخاطر نجاحًا واضحًا. إذ أدى التحول إلى البدائل منخفضة المخاطر إلى خفض معدلات التدخين وتوفير أكثر من مليار يورو سنويًا من نفقات الرعاية الصحية. أما المملكة المتحدة، فتشير نماذجها الاقتصادية إلى أن تحويل نصف المدخنين البالغين نحو البدائل يمكن أن يوفر أكثر من 500 مليون جنيه إسترليني سنويًا لهيئة الخدمات الصحية الوطنية.
تجارب أوروبية رائدة
ارتفعت نسبة مستخدمي البدائل منخفضة المخاطر في أوروبا من 2.2% إلى 5.9% خلال ثلاث سنوات فقط. هذا الارتفاع يعكس استعداد المدخنين لتبنّي سلوكيات صحية أفضل إذا توفرت لهم بدائل آمنة ومنظمة. ومن المهم الإشارة إلى أن هذه السياسات لا تروج للتدخين، بل تسعى لتقليل أضراره عبر بدائل أكثر أمانًا.
فرصة لمصر لتقليل الأعباء الصحية
في مصر، تسجل الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والرئة والسرطان معدلات مرتفعة بسبب التدخين السلبي. لذا، يمثل تبني سياسات الحد من المخاطر فرصة حقيقية للتخفيف من العبء الصحي والمالي. ومع الجهود الحكومية المستمرة للتوعية، فإن دمج البدائل الأقل ضررًا في الاستراتيجية الوطنية قد يقلل من آثار التدخين ويحسن الصحة العامة. ويمكن لمصر الاستفادة من التجارب الأوروبية الناجحة لتطوير سياسات متوازنة تحمي الصحة العامة وتخفف الأعباء الاقتصادية.
الفروق الكيميائية بين السجائر والبدائل
تُظهر الأبحاث أن دخان السجائر يحتوي على أكثر من 6000 مادة كيميائية، منها 100 مادة سامة ترتبط مباشرة بأمراض التدخين. درجة احتراق التبغ في السجائر التقليدية تصل إلى 950 درجة مئوية، مما يؤدي إلى إنتاج كميات كبيرة من المواد المسرطنة. في المقابل، تعمل البدائل مثل التبغ المسخن عند درجات حرارة أقل، نحو 350 درجة مئوية، مما يقلل انبعاث المواد السامة.
النيكوتين ليس مادة مسرطنة
لا تُصنف الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC)، أو هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، أو خدمة الصحة الوطنية البريطانية (NHS) النيكوتين كمادة مسرطنة. هذا التصنيف العلمي يعد أساسيًا في تطوير سياسات فعالة قائمة على الأدلة لا على الوصم الاجتماعي.
العلم أساس السياسات الصحية
ينبغي أن تستند السياسات الصحية إلى الأدلة العلمية لا إلى المخاوف أو الأيديولوجيات. عندما يُقصى العلم، تُفقد القدرة على حماية الفئات المستهدفة. لذلك، يُعد تقليل مخاطر التبغ التزامًا حقيقيًا بمبدأ العدالة الصحية.
نتائج إيجابية على الصحة والاقتصاد
يشير فرانشيسكو موسكوني، أستاذ الاقتصاد بجامعة «برونيل» في لندن، إلى أن النماذج الناجحة في إيطاليا والمملكة المتحدة تُعد دليلًا قويًا على أن السياسات الذكية تحقق نتائج ملموسة صحيًا واقتصاديًا. فقد ساعدت هذه الدول في خفض الأعباء الصحية وتقليل التكاليف الحكومية، ما وفّر وفورات مالية كبيرة يمكن أن تستفيد منها دول أخرى.
طريق جديد نحو مستقبل خالٍ من الدخان
يواجه صُنّاع السياسات اليوم تحديًا حقيقيًا لا يقتصر على مكافحة التدخين فحسب، بل يشمل إيجاد حلول واقعية وأقل ضررًا للمدخنين غير القادرين على الإقلاع الكامل. إن الجمع بين التوعية، وتوفير البدائل الخالية من الدخان، وتنظيم الأسواق بذكاء، يمهّد الطريق نحو مستقبل صحي أفضل.
في هذا السياق، ومن ناحية أخرى، هناك العديد من الأخبار المرتبطة بالقطاع والتي يمكنك متابعتها. على سبيل المثال، نستعرض أهمها في القائمة التالية:
البرلمان المصري يقر نهائيا رفع الضريبة على السجائر والكحوليات
دراسة جديدة تكشف الفرق بين تداعيات دخان السجائر التقليدية والبدائل المبتكرة على صحة الأسنان