«دراسة»: الذكاء الاصطناعي يهدد 72% من مهام الصحافة و58% من المحاسبة و56% من السياحة ونصف وظائف «الكول سنتر» في مصر
فينتك جيت: ريهام علي
كشف المركز المصري للدراسات الاقتصادية عن نتائج تحليل شاملة لسوق العمل المصري خلال الربعين الثاني والثالث من عام 2025، شملت اتجاهات الطلب على الوظائف، وتحليلًا معمقًا لمستقبل المهن في ظل التطور التكنولوجي المتسارع وتنامي تأثيرات الذكاء الاصطناعي، وذلك خلال ندوة نظمها المركز تحت عنوان:
«الذكاء الاصطناعي في مواجهة البشر.. من ينجو ومن يُستبدل؟»
وشملت الدراسة أربعة قطاعات رئيسية هي: المحاسبة، الصحافة والإعلام، الدعم الفني، والسياحة، وجاءت الندوة برعاية البنك الأهلي المصري.
تحولات هيكلية في سوق العمل المصري
أظهرت نتائج التحليل تراجعًا في الطلب على وظائف الياقات البيضاء خلال الربع الثالث من العام الجاري، في مقابل زيادة طفيفة في وظائف الياقات الزرقاء (الحرفية والمهنية). وبيّن التقرير أن 83% من وظائف الياقات البيضاء تتركز في إقليم العاصمة (القاهرة والجيزة)، فيما شهد إقليم الوجه البحري نموًا ملحوظًا في الوظائف الحرفية، لترتفع حصته من 20% إلى 25% خلال الفترة محل الدراسة.
وأوضح التقرير أن أصحاب الخبرة أصبحوا الأكثر طلبًا في السوق المصري مع تراجع فرص حديثي التخرج، مشيرًا إلى أن درجة البكالوريوس ما تزال شرطًا أساسيًا في 98% من وظائف الياقات البيضاء، بينما يظل التعليم المتوسط الأكثر طلبًا في المهن الحرفية رغم زيادة الإقبال على المؤهلات العليا.
وشهد قطاع التسويق والمبيعات زيادة في الطلب على الوظائف الحرفية، في حين تراجع الطلب على وظائف السياحة والضيافة بنسبة تقترب من النصف، خصوصًا في مهام الاستقبال. أما على مستوى الوظائف المكتبية، فقد استقر الطلب في قطاعات التسويق والإعلان، وتكنولوجيا المعلومات، والعقارات، مع ملاحظة أن أكثر من نصف فرص التسويق موجهة للمبيعات والتجزئة، فيما تتوزع وظائف تكنولوجيا المعلومات بين خدمة العملاء وتطوير البرمجيات.
—
تحليل معمق لتأثير الذكاء الاصطناعي على المهن
تضمن التقرير تحليلاً نوعيًا لتأثيرات الذكاء الاصطناعي على أربع مهن رئيسية هي: المحاسبة، الصحافة والإعلام، الدعم الفني، والسياحة، موضحًا أن الذكاء الاصطناعي لا يلغي الوظائف بالكامل، بل يعيد تشكيل طبيعة المهام داخلها.
المحاسبة: الأتمتة تهدد 58% من المهام
أبرز التحليل أن 58% من مهام المحاسبين قابلة للأتمتة، وتشمل مهام التسجيل، إعداد التقارير الدورية، والتدقيق المالي، بينما تبقى المهام ذات الطابع الاستشاري والتخطيط المالي أقل تأثرًا.
الصحافة والإعلام: 72% من المهام في مرمى الذكاء الاصطناعي
وأشار التقرير إلى أن مهنة الصحافة والإعلام هي الأكثر عرضة للتأثير، حيث يمكن أتمتة ما يقرب من 72% من المهام مثل التحرير والترجمة، فيما تبقى المهام الميدانية مثل المقابلات والتحقق من المصادر بعيدة عن الأتمتة.
الدعم الفني: نصف المهام قابلة للاستبدال
وفيما يتعلق بقطاع الدعم الفني، أوضح التقرير أن 51% من المهام قابلة للأتمتة، خصوصًا المهام الروتينية المرتبطة بمراكز الاتصال (Call Centers)، بينما تظل المهارات الإنسانية مثل حل المشكلات وبناء العلاقات مع العملاء ضرورية ولا يمكن استبدالها.
السياحة: 56% من المهام مهددة بالأتمتة
وفي قطاع السياحة، توصلت الدراسة إلى أن 56% من المهام قابلة للأتمتة، خصوصًا تلك المتعلقة بالحجوزات وتصميم البرامج السياحية، فيما تبقى الخبرة الميدانية والتواصل الإنساني جوهر المهنة.
وأكد التقرير أن الذكاء الاصطناعي قادر على تنفيذ المهام بسرعة وكفاءة، لكنه لا يمكنه استبدال الجانب الإنساني في التفاعل والإبداع واتخاذ القرار، مشددًا على أن التكامل بين الإنسان والتكنولوجيا هو السبيل لحماية الوظائف مستقبلًا.
—
تحليلات الخبراء والمتحدثين
ماجد عز الدين: المهنة تتغير لكنها لا تختفي
عقّب ماجد عز الدين، الشريك الإقليمي الأول في شركة برايس ووترهاوس كوبرز (PwC)، بأن الذكاء الاصطناعي لن يلغي مهنة المحاسبة، لكنه سيعيد تشكيلها جذريًا.
وأوضح أن التكنولوجيا غيّرت شكل المهنة منذ التسعينيات من العمل الورقي إلى الأنظمة الرقمية المتكاملة، مضيفًا أن أدوات الذكاء الاصطناعي لم تلغِ دور المحاسب بل مكّنته من أداء مهامه بكفاءة أعلى.
وأشار عز الدين إلى خطر حقيقي على الوظائف في المستويات المبتدئة، لكنه أوضح أن طبيعة المهنة تتطور باستمرار مع ظهور تخصصات جديدة مثل استشاري التحول الرقمي، محلل البيانات، خبير الذكاء الاصطناعي، وخبير إدارة المخاطر الرقمية.
وقال: «كما ظهرت مهن جديدة مثل اليوتيوبر والتيك توكر، تتطور المهنة نفسها وتولد فرصًا مختلفة».
وأضاف أن الذكاء الاصطناعي لن يتمكن من استبدال الجانب الإنساني في العلاقات المهنية، مؤكدًا أن الإنسان يظل ضروريًا في التفاعل واتخاذ القرار وفهم المشاعر والسياق.
أكرم القصاص: الصحافة تتطور ولا تنتهي
أما الكاتب الصحفي أكرم القصاص، فعلق على تأثير الذكاء الاصطناعي على مهنة الصحافة قائلًا إن التكنولوجيا غيرت شكل المهنة لكنها لن تنهيها.
وأوضح أنه عاصر تطور الصحافة من الورقية إلى الرقمية، مشيرًا إلى أن كل مرحلة تكنولوجية كانت تمثل تحديًا وفرصة في الوقت نفسه.
وسلط الضوء على تجربة “اليوم السابع” التي انطلقت عام 2007 كنموذج للصحافة الرقمية، مبينًا أن التحول الرقمي غيّر سوق الإعلانات وأسلوب العمل داخل غرف الأخبار، حيث اختفت بعض الوظائف وظهرت أخرى جديدة مثل صحافة الفيديو والجرافيك والإعلام التفاعلي.
وأضاف أن الذكاء الاصطناعي يساعد في جمع وتلخيص المعلومات، لكنه لا يمكنه أن يحل محل الخبرة أو الحس الصحفي في تحليل الأحداث، قائلاً: «الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون سكرتيرًا ممتازًا، لكنه ليس كاتبًا لديه رؤية».
مها عبد الناصر: نصف وظائف الكول سنتر في خطر
وفي مداخلة الدكتورة مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب، أكدت أن الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل سوق العمل بسرعة غير مسبوقة، مشيرة إلى أن بعض الوظائف التقليدية مثل الكول سنتر، المحاسبة، الترجمة، والجرافيك تواجه خطر الاختفاء التدريجي.
وقالت إن وظائف الكول سنتر من أكثر الوظائف المهددة بالانقراض عالميًا مع انتشار الأتمتة، موضحة أن معظم العمليات في الخارج تتم الآن بشكل آلي بالكامل دون تدخل بشري.
وحذرت من أن هذا التحول قد يؤدي إلى أزمة بطالة حقيقية في مصر إذا لم يتم توجيه الشباب لاكتساب مهارات جديدة تتناسب مع متطلبات المستقبل.
وشددت على أن المهارات الإنسانية مثل التواصل، حل المشكلات، وإدارة الأزمات ستظل مطلوبة لأنها لا يمكن استبدالها بالآلات، مؤكدة أن الأزمة الحقيقية تكمن في ضعف تأهيل الخريجين للوظائف الحديثة.
كما لفتت إلى مخاطر التحيز في نماذج الذكاء الاصطناعي العالمية، داعية إلى بناء نماذج محلية تعكس الواقع المصري والعربي لضمان العدالة والدقة في المخرجات.
فؤاد نبيل: الذكاء الاصطناعي يمنح السياحة المصرية فرصة للريادة
وتحدث فؤاد نبيل، نائب رئيس شركة إيمكو ترافل وخبير تكنولوجيا السياحة، مؤكدًا أن مصر أمام فرصة حقيقية لاستعادة ريادتها السياحية بفضل التحول الرقمي.
وأوضح أن شركات عالمية مثل Expedia خفّضت عدد موظفيها من 39 ألفًا عام 2020 إلى نحو 3500 فقط في 2025 نتيجة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
وأشار إلى أن مصر كانت تواجه منافسة قوية من دول مثل تركيا والمغرب والإمارات، لكن تطور التقنيات الرقمية يمنحها ميزة تنافسية جديدة، خاصة وأن 90% من الكفاءات التي تدير الأنظمة السياحية الرقمية في الخليج هم مصريون.
وأضاف أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحسن تجربة السائح في مصر عبر تحليل البيانات وتقديم حلول عملية لتطوير الخدمات، مؤكدًا أن الذكاء الاصطناعي العام (AGI) سيمثل نقلة نوعية شبيهة بالتحول من الهاتف الأرضي إلى الهواتف الذكية.
—
عبلة عبد اللطيف: التعليم المصري مطالب بإعادة بناء نفسه لمواكبة المستقبل
وفي ختام الندوة، أكدت الدكتورة عبلة عبد اللطيف، المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن التغيرات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي تفرض إعادة النظر في منظومتي التعليم وسوق العمل.
وقالت إن هناك فجوة واسعة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق، حيث يتجه الكثير من الطلاب إلى تخصصات لا توفر فرصًا حقيقية للتوظيف، بينما تبحث الشركات عن مهارات مختلفة كليًا.
وشددت على أن التعليم الفني في مصر يحتاج إلى إعادة هيكلة على غرار تجربة سنغافورة التي رفعت مكانة التعليم المهني ليوازي الجامعي، مؤكدة أن مصر قادرة على تحقيق ذلك إذا تغير الفكر المجتمعي تجاه المهن الفنية.
كما حذّرت من الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي دون تطوير العنصر البشري، مؤكدة أن المقاومة تُفقد الوظائف، بينما التكيف يخلق فرصًا جديدة.
ودعت إلى شراكة قوية بين الدولة والقطاع الخاص لضمان انتقال آمن نحو المستقبل الرقمي دون خسائر اجتماعية واقتصادية.
—
منهجية الدراسة: رصد وتحليل سوق العمل المصري رقمياً
يُذكر أن تحليل الطلب على الوظائف في سوق العمل المصري يُعد مشروعًا بحثيًا مستمرًا برعاية البنك الأهلي المصري، ويهدف إلى سد الفجوة المعلوماتية في بيانات سوق العمل، إذ تركز معظم المصادر الرسمية على جانب العرض فقط.
ومنذ يونيو 2021 يقوم المركز بجمع وتحليل جميع إعلانات التوظيف المنشورة على الإنترنت من مصادر موثوقة، ثم معالجتها باستخدام أحدث تقنيات تحليل البيانات لإنتاج لوحة بيانات تفاعلية تُحدث ربع سنويًا، تمكّن الباحثين وصناع القرار من رصد تطورات سوق العمل محليًا وإقليميًا ودوليًا.
وأكد المركز أنه وظّف أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة في تطوير المنهجية التحليلية، مما أتاح الوصول إلى رؤى تفصيلية دقيقة لم تكن ممكنة في السابق، تغطي الأبعاد الجغرافية والديموغرافية والفنية.
—
في هذا السياق، ومن ناحية أخرى، هناك العديد من الأخبار المرتبطة بالقطاع والتي يمكنك متابعتها. على سبيل المثال، نستعرض أهمها في القائمة التالية:
«البنك المركزي المصري»: ارتفاع معدل التضخم السنوي الأساسي إلى 11.3% سبتمبر الماضي