«معهد التخطيط القومي»: 16% من المهن في الدول العربية معرضة لتأثيرات الذكاء الاصطناعي.. و40% من العاملين سيشهدون تحولات هيكلية في طبيعة وظائفهم
فينتك جيت: ريهام علي
أكد الدكتور أشرف العربي، رئيس معهد التخطيط القومي، أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية مساعدة، بل أصبح قضية تنموية محورية تؤثر على بنية الاقتصادات وأسواق العمل في العالم، مشيرًا إلى أن التقارير الدولية الكبرى — مثل البنك الدولي، منظمة العمل الدولية (ILO)، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، والمنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) — أجمعت على أن الذكاء الاصطناعي سيُحدث تحولات هيكلية عميقة في سوق العمل العالمي والعربي على حد سواء.
جاء ذلك خلال المؤتمر الدولي الأول للذكاء الاصطناعي الذي تنظمه جامعة القاهرة يومي السبت والأحد 18 و19 أكتوبر 2025، تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء، وبمشاركة واسعة من الوزراء وصناع القرار والخبراء والأكاديميين وممثلي مؤسسات الدولة والقطاع الصناعي، وبرعاية من منظمة اليونسكو، والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، وعدد من المؤسسات الأكاديمية والبحثية وشركات التكنولوجيا العالمية.
تقرير التنمية العربية 2025
وأوضح الدكتور العربي أن معهد التخطيط القومي بالتعاون مع المعهد العربي للتخطيط والجمعية العربية للمنصة الاقتصادية يعمل حاليًا على إعداد تقرير التنمية العربية لعام 2025، والمقرر صدوره في ديسمبر المقبل، تحت عنوان «أسواق العمل العربية في ظل التحول الأخضر والذكاء الاصطناعي»، مشيرًا إلى أن التقرير يُعد أول دراسة عربية شاملة تستعرض الآثار الاقتصادية والاجتماعية والتشغيلية للذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية.
16% من المهن معرضة للأتمتة
وقال رئيس معهد التخطيط القومي إن النتائج الأولية للتقرير تُظهر أن نحو 16% من المهن في الدول العربية تقع ضمن فئة التعرض المهني العالي لتقنيات الذكاء الاصطناعي، أي أنها مرشحة للتأثر المباشر بالأتمتة والتحول الرقمي خلال العقد القادم، مضيفًا أن أعلى نسب للتعرض الوظيفي سُجلت في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة تقترب من 24%، نتيجة ارتفاع معدلات الرقمنة والتحول التكنولوجي في القطاعات الإنتاجية والخدمية.
40% من الوظائف ستتغير جذريًا
وأضاف أن التقرير كشف أيضًا أن قرابة 40% من العاملين في الدول العربية يعملون في صناعات تُصنَّف ضمن فئة التعرض المتوسط للذكاء الاصطناعي، أي أن وظائفهم لن تختفي ولكن ستتغير جذريًا من حيث المهام المطلوبة وأنماط الكفاءة البشرية، وهو ما يستدعي إعادة هيكلة نظم التعليم الفني والتدريب المهني بما يتناسب مع المهارات الرقمية المستقبلية.
تفاوت التأثير بين الدول
وأكد الدكتور العربي أن التأثير المتوقع للذكاء الاصطناعي على أسواق العمل العربية سيكون متفاوتًا من دولة إلى أخرى، تبعًا لهيكل الاقتصاد، ومستوى التطور الصناعي، وطبيعة العمالة (مُصدّرة أم مستوردة)، لافتًا إلى أن الدول التي تعتمد على العمالة منخفضة المهارة ستكون أكثر عرضة للتأثيرات السلبية للأتمتة، في حين ستتمكن الدول التي تستثمر في التعليم والتكنولوجيا من تحويل هذه التحديات إلى فرص للنمو والإنتاجية.
فجوة رقمية بين الجنسين
وأشار رئيس المعهد إلى أن التقرير رصد أيضًا تفاوتًا نوعيًا بين الجنسين في التعرض لتأثيرات الذكاء الاصطناعي، إذ تُظهر البيانات أن نسبة النساء العاملات في وظائف عالية المخاطر تبلغ نحو 32% مقارنة بـ30% للرجال، موضحًا أن ذلك يعكس وجود فجوة رقمية وجندرية تتطلب تدخلات وسياسات استباقية لتعزيز المساواة في الوصول إلى فرص العمل المستقبلية.
تحديات العدالة الاجتماعية
وأضاف أن التحولات التكنولوجية السريعة قد تُسهم في زيادة فجوات الدخل والتفاوت الاجتماعي إذا لم تُدار بسياسات رشيدة، مؤكدًا أن الذكاء الاصطناعي يحمل وعودًا اقتصادية هائلة لكنه في الوقت نفسه يفرض تحديات حقيقية تتعلق بالعدالة الاجتماعية، وإعادة توزيع الفرص، وتكيّف نظم التعليم والتشغيل.
مرحلة تحول تاريخية
وقال الدكتور أشرف العربي “نحن أمام مرحلة جديدة من التحول التاريخي في علاقة الإنسان بالتكنولوجيا. الذكاء الاصطناعي ليس فقط ثورة صناعية رابعة، بل هو ثورة معرفية وإنسانية ستعيد تعريف معنى المهارة والإنتاج والعمل ذاته.”
وأوضح أن معهد التخطيط القومي يضع قضية الذكاء الاصطناعي ضمن أولوياته البحثية منذ عام 2022، حيث يعمل المعهد على تحليل التغيرات البنيوية التي تشهدها أسواق العمل العربية، وتقديم توصيات لسياسات التشغيل والتعليم والتدريب، بما يضمن إدارة التحول الرقمي بشكل متوازن ومستدام.
تفاوت اقتصادي عربي
وأشار رئيس المعهد إلى أن التحليل المقارن بين الدول العربية يُظهر وجود تفاوت واضح بين الاقتصادات المصدّرة للعمالة وتلك المستقبلة لها، موضحًا أن البلدان المستوردة للعمالة (مثل دول الخليج) تواجه تحدي إعادة تأهيل القوى العاملة الوطنية للانتقال إلى الوظائف التقنية والإشرافية، بينما تواجه الدول المصدّرة للعمالة (مثل مصر والأردن وتونس والمغرب) تحديًا آخر يتمثل في تحسين جودة التعليم الفني والتقني لتأهيل العمالة العربية للمنافسة في أسواق العمل الذكية.
الذكاء الأخضر
ولفت الدكتور العربي إلى أن الذكاء الاصطناعي والتحول الأخضر يرتبطان ارتباطًا وثيقًا، إذ أن التحول إلى الاقتصاد الأخضر سيفتح مجالات جديدة للتشغيل في الطاقة المتجددة، وإدارة الموارد، وإعادة التدوير، والاقتصاد الدائري، لكنها ستتطلب كوادر بشرية تمتلك مهارات تحليل البيانات، والتشغيل الآلي، وإدارة الأنظمة الذكية.
الابتكار وديناميات النمو
وأوضح أن السياق الاقتصادي العالمي يؤكد أن الابتكار هو العنصر الحاسم في النمو، مشيرًا إلى أن ثلاثة من الحائزين على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2025 تناولوا في أبحاثهم قضية الابتكار وديناميات التكنولوجيا، وأن اثنين منهم قدما ما يُعرف بـ نماذج الفوضى الخلّاقة (Chaos Models) التي تُفسر كيف يمكن للتحول التكنولوجي السريع أن يخلق فرص نمو جديدة إذا تم دعمه بسياسات تعليمية وتمويلية واستثمارية مرنة.
الاستثمار في رأس المال البشري
وأضاف رئيس معهد التخطيط القومي أن التقرير العربي القادم سيُبرز بوضوح ضرورة الاستثمار في رأس المال البشري العربي، من خلال إصلاح منظومات التعليم والتدريب، وتبني سياسات تعلم مدى الحياة (Lifelong Learning)، وتشجيع ريادة الأعمال التكنولوجية، لضمان أن يكون الإنسان العربي فاعلًا في الثورة الرقمية لا متأثرًا بها فقط.
إعادة تعريف العمل
وأكد العربي على أن الذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا لفرص العمل، بل فرصة لإعادة تعريف العمل ذاته، وأن التحدي الحقيقي يكمن في إدارة هذا التحول بما يحقق العدالة والاستدامة ويعزز الإنتاجية في الاقتصادات العربية، مشددًا على أن معهد التخطيط القومي سيواصل دوره كمؤسسة فكرية رائدة في دعم صنع القرار ورسم السياسات العامة القائمة على الأدلة والتحليل العلمي في ظل عصر الذكاء الاصطناعي.
في هذا السياق، ومن ناحية أخرى، هناك العديد من الأخبار المرتبطة بالقطاع والتي يمكنك متابعتها. على سبيل المثال، نستعرض أهمها في القائمة التالية:
وزيرة التخطيط المصرية تتحدث عن ملف الديون الخارجية لأول مرة
«إيتيدا» و «المعهد القومى للاتصالات» يكرّمان أوائل طلاب المرحلة الأولى من برنامج التدريب الصيفى