فينتك جيت وكالات
تعهدت الصين بتعزيز الاعتماد على الذات في مجال التكنولوجيا وتوسيع السوق المحلية في السنوات الخمس المقبلة، في إطار سعيها لحماية اقتصادها عن الضغوط الخارجية وبناء محرك نمو مستدام.
وبحسب بيان ختامي صدر الخميس عقب اجتماع استمر أربعة أيام للجنة المركزية للحزب الشيوعي، ستعمل البلاد على “زيادة كبيرة” في قدرات الاعتماد على الذات، وتعزيز قوتها في مجالي العلوم والتكنولوجيا.
كما ستسعى إلى الحفاظ على حصة التصنيع في الاقتصاد عند مستوى “معقول” ضمن جهودها لبناء نظام صناعي حديث.
الاعتماد على التصنيع رغم التوتر التجاري مع واشنطن
تأتي ملامح الخطة الخمسية الجديدة عشية جولة جديدة من المحادثات التجارية مع الولايات المتحدة، التي تتهم بكين باستخدام ممارسات غير عادلة للهيمنة على قطاعات التصنيع المتقدم مثل السيارات الكهربائية، والإفراط في التصدير.
وتشير الخطوط العريضة إلى استمرار الاعتماد على الإنتاج الصناعي والصادرات لدعم النمو، وهو نموذج مرشح للبقاء مصدراً للتوتر الجيوسياسي.
وقال دانكن ريجلي، كبير خبراء الصين في شركة “بانثيزن ماكرو إيكونوميكس” (Pantheon Macroeconomics)، إن البيان “يؤكد مضاعفة الرهان على نموذج نمو يعتمد التصنيع المتقدم كعمود فقري”. وأضاف أن “الصين ستواصل الاعتماد على الطلب الخارجي لدعم النمو، مع احتمال بقاء الطلب المحلي ضعيفاً”.
ورأى اقتصاديون في “جولدمان ساكس” أن الإشارات المتعلقة بإدارة الاقتصاد على المدى القصير تدل على إصرار القيادة على تحقيق الأهداف السنوية، ما “يشير إلى احتمال طفيف لزيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عن توقعاتهم البالغة 4.9% هذا العام”.
تركيز على التكنولوجيا والتنمية عالية الجودة
من المقرر نشر الخطة التفصيلية في مارس المقبل، لكن الوثيقة شددت على التنمية “عالية الجودة” ودور التكنولوجيا في بناء “قوى إنتاج جديدة” تشمل مجالات متقدمة مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي ،كما ستُسرّع الجهود لتحويل البلاد إلى قوة رائدة في الطيران والنقل والإنترنت.
وفي الوقت نفسه، جددت السلطات تعهدها بدعم الاستهلاك المحلي وتوسيع الاستثمار، متعهدة بـ”إزالة العقبات التي تعيق بناء سوق وطنية موحدة”.
ويرى الاقتصاديون منذ فترة طويلة أن زيادة الطلب الداخلي تمثل عاملاً حاسماً لإعادة توازن الاقتصاد، فيما قد تساعد إزالة الحواجز الإقليمية في الحد من الاستثمار المفرط الذي يؤدي إلى فائض في الطاقة الإنتاجية وضغوط على الأسعار.
وارتفع مؤشر “ناسداك غولدن دراغون”، الذي يتتبع أداء الأسهم الصينية المدرجة في الولايات المتحدة، بنسبة 1.7% يوم الخميس في أول ارتفاع له منذ ثلاث جلسات، بينما استقرت العملة الصينية في الأسواق المحلية والخارجية.
مواجهة سياسات الفصل الأميركي
يركز هذا التوجه المتزايد على التكنولوجيا على استراتيجية وضعتها الصين عام 2020 عقب انتهاء الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وقد أصبحت أكثر إلحاحاً الآن مع سعي واشنطن إلى ما تسميه “فصلاً استراتيجياً” عن الصين، مستهدفة قطاعات من أشباه الموصلات إلى الأدوية، وفرض عقوبات على عدد متزايد من الشركات الصينية.
وقال آرثر كروبر، الشريك المؤسس لشركة “غافيكال دراغونوميكس” (Gavekal Dragonomics)، إن “قادة الصين تبنّوا نموذج نمو جانب العرض القائم على الهوس التكنولوجي، معتبرين أن جميع مشكلات الإنتاجية والدخل والنمو يمكن حلها من خلال استثمارات ضخمة في تقنيات المستقبل”.
وأضاف “يشبه ذلك من يقولون اليوم إن الذكاء الاصطناعي سيحل جميع المشكلات الاقتصادية بفضل سحر الإنتاجية”.
ورغم الرسوم الأميركية المتزايدة ومقاومة الشركاء التجاريين لتدفّق البضائع الصينية، تواصل بكين التمسك بدفع التصنيع، إذ شكلت الصادرات الصافية (فائض الميزان التجاري) نسبة متزايدة من النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة فيما تراجع الاستهلاك.
توازن جديد بين الأمن والتنمية
يبدو أن البيان الختامي اعتمد لهجة أكثر اعتدالاً بشأن قضايا الأمن مقارنة بنسخة عام 2020؛ إذ وردت كلمة “الأمن” 15 مرة فقط، مقابل 22 مرة في البيان السابق، كما عاد استخدام عبارة “الإصرار على التنمية الاقتصادية كمركز” بعد غيابها عن النسخة الماضية.
وقال كريستوفر بيدور، نائب مدير أبحاث الصين في “غافيكال دراغونوميكس”: “لا يزال صناع القرار يحاولون تحقيق توازن صعب بين التنمية والأمن، وتشير بعض العبارات في الوثيقة إلى أن الكفة قد تميل قليلاً نحو التنمية”.
الحاجة لتحفيز الإنفاق الأسري ورفع شبكة الأمان الاجتماعي
مع تصاعد الرياح المعاكسة في التجارة، تحتاج الأسر الصينية إلى زيادة الإنفاق للمساعدة في امتصاص فائض الطاقة الإنتاجية وكسر سلسلة الانكماش القياسي. ودعا اقتصاديون ومسؤولون أجانب، بينهم وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، بكين إلى استخدام الخطة الجديدة لتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي وتحفيز إنفاق الأسر.
لكن البيان اتخذ نبرة حذرة تجاه زيادة الإنفاق العام على الرعاية الاجتماعية، مشيراً إلى أن الحكومة “ستتصرف ضمن حدود الإمكانات المتاحة” لتعزيز البرامج الأساسية للرفاه، حتى مع تأكيدها على تحسين سبل المعيشة.
كما تعهد البيان بتشجيع التنمية عالية الجودة لقطاع العقارات، مؤكداً جهود السلطات لاستقرار هذا القطاع الحيوي المرتبط بمعظم ثروات الأسر.
وفي مؤشر إلى إدراك صناع السياسات أهمية تحفيز الاستهلاك الأسري، وردت كلمة “الاستهلاك” أربع مرات في البيان الجديد، مقابل مرة واحدة فقط في بيان عام 2020.
وقالت ميشيل لام، الخبيرة الاقتصادية لمنطقة الصين الكبرى في “سوسيتيه جنرال”، إن “الأهم هو مدى جدية تنفيذ هذه الأهداف”، مشيرة إلى أن اللهجة المتحفظة بشأن الإنفاق الاجتماعي قد تعكس قيوداً مالية.
توقعات بتباطؤ النمو في السنوات المقبلة
يتوقع معظم الاقتصاديين أن يتباطأ النمو الاقتصادي الصيني في السنوات المقبلة. وأشار البيان إلى هدف ضمني يعني متوسط نمو سنوي بنحو 4.5% خلال العقد المقبل، بحسب لاري هو، كبير اقتصاديي الصين في مجموعة “ماكواري”.
وتشير التقديرات الحكومية السابقة إلى أن الاقتصاد الصيني ينمو بمعدل متوسط 5.5% سنوياً خلال الفترة الخمسية التي تنتهي في عام 2025.
ويُعد ضعف إنفاق الأسر تحدياً رئيسياً أمام تحقيق هذا الهدف، إذ شكّل الاستهلاك نحو 40% فقط من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، وهي نسبة بالكاد تغيّرت منذ عام 2019 قبل جائحة “كورونا”.
وقال هو وزميلته يوشياو تشانغ إنهما يتوقعان استمرار نموذج النمو “ذي السرعتين” في الصين إلى أن تتراجع الصادرات مجدداً، حينها ستضطر بكين إلى الاعتماد على الطلب المحلي لتحقيق هدفها التوسعي.
وأضافا في مذكرة أن توقيت هذا التحول “سيعتمد أقل على الخطة الخمسية في بكين، وأكثر على السياسات الصادرة في واشنطن”، في إشارة إلى تأثير القيود التجارية الأميركية على قدرة الصين على البيع في الخارج.
وأظهر الاجتماع أيضاً نطاق حملة مكافحة الفساد التي يقودها الرئيس شي جين بينغ؛ إذ حضر الجلسة 168 فقط من أصل 205 أعضاء في اللجنة المركزية، وهو مستوى نادر من الغياب لم يوضحه البيان الرسمي الصادر عقب الاجتماع.
اقرا ايضا:
«بايدو» الصينية تتوسع في أوروبا عبر شراكة مع «PostBus» السويسرية لإطلاق خدمة السيارات ذاتية القيادة
«رويترز»: شركات التكنولوجيا الصينية تجمّد خطط إصدار العملات المستقرة
يونيون باي إنترناشيونال تعزز التوافق البيني العالمي عبر بوابة الدفع عبر الحدود الصينية «CPG»







