التحول المالي الرقمي… معركة الثقة التي ستحدد مستقبل الاقتصاد العربي

«يشهد القطاع المالي العربي تحوّلًا استراتيجيًا متسارعًا بفعل التطورات التقنية وتغيّر أنماط استخدام الخدمات المالية. ومع صعود الاقتصاد الرقمي العالمي، لم يعد التحول في البنية المصرفية العربية خيارًا مؤجلًا، بل أصبح ضرورة أمنية وتنموية واستثمارية في آن واحد»


تتجه الحكومات والبنوك المركزية في المنطقة إلى تعزيز بنيتها التحتية الرقمية وتبني التقنيات الذكية، لكن النجاح الحقيقي لهذا التحول لا يُقاس فقط بمستوى التطور التقني، بل بقدرة الأنظمة المالية على خلق بيئة استثمارية مستقرة ومأمونة تحافظ على ثقة المستخدمين والمستثمرين معًا.


التجربة المصرية

وفي هذا السياق، تُعد مصر من أبرز الدول العربية التي تبنّت التحول الرقمي المالي كأحد محركات النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات. فخلال الأعوام الأخيرة، أطلق البنك المركزي المصري مبادرات تستهدف تحقيق الشمول المالي الكامل، وتقليل الاعتماد على النقد، ودعم شركات التكنولوجيا المالية الناشئة.


مؤشرات النمو

ووفقًا لتقرير الاستقرار المالي الصادر عن البنك المركزي المصري في مارس 2025، ارتفع عدد حسابات محافظ الهاتف المحمول في مصر إلى 53.1 مليون حساب، مما يعكس النمو المتواصل في الخدمات المالية الرقمية وتزايد اعتماد الأفراد على وسائل الدفع الإلكتروني كخيار أساسي في التعاملات اليومية.

كما أوضح تقرير البنك المركزي أن إجمالي عدد المعاملات المنفذة عبر المحافظ الإلكترونية بلغ 647 مليون معاملة خلال الربع الأول من عام 2025، بقيمة إجمالية بلغت 905 مليارات جنيه.


تطبيق إنستاباي

وفي السياق ذاته، شهد تطبيق «إنستاباي» نموًا غير مسبوق في حجم المعاملات، إذ تجاوزت قيمتها 1.2 تريليون جنيه خلال الربع الأول من عام 2025، عبر 263 مليون معاملة، وهو ما يعكس التحول الكبير في سلوك المستهلكين وثقتهم المتزايدة في منظومة المدفوعات الرقمية الآمنة.


العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص

لكن الأهمية الحقيقية للتجربة المصرية لا تكمن فقط في توسع الخدمات، بل في قدرتها على إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والقطاع المالي الخاص. فقد تمكنت القاهرة من صياغة إطار تنظيمي مرن يوازن بين الرقابة وتشجيع الابتكار، وهو ما شجع عشرات الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية على دخول السوق، وخلق بيئة تنافسية باتت محط اهتمام المؤسسات الإقليمية والدولية.


الإطار التشريعي

كما اتجهت مصر إلى تطوير بنية تشريعية تدعم التحول الرقمي المالي، عبر قوانين تنظم خدمات الدفع غير النقدي ومعايير ترخيص المؤسسات المالية الرقمية. هذه المنظومة ساعدت في بناء ثقة المستثمرين، وجذبت رؤوس أموال جديدة لقطاع التكنولوجيا المالية الذي يُتوقع أن يتجاوز حجمه ملياري دولار خلال الأعوام المقبلة.


تحديات الوعي المالي

ورغم ذلك، يبقى أحد أبرز التحديات غير التقنية في هذا التحول هو نقص وعي المستخدمين بمخاطره. فبينما تتوسع الخدمات المصرفية الرقمية، تظل ثقافة الأمان المالي الإلكتروني محدودة في كثير من الأسواق. هنا تبرز ضرورة إطلاق برامج وطنية وإقليمية لتوعية المستخدمين بمخاطر الاحتيال الإلكتروني والهجمات السيبرانية والتعاملات غير الآمنة. فنجاح التحول الرقمي لا يعتمد فقط على التطوير التكنولوجي أو التشريعي، بل على بناء ثقة المستخدم النهائي باعتبارها الركيزة الأساسية للاستدامة المالية.


المبادرات التعليمية

وفي هذا الإطار، يمكن لمصر أن تقود مبادرة إقليمية بالشراكة مع البنوك العربية والمؤسسات المالية الدولية، لتأسيس برامج تعليم مالي رقمي تستهدف المدارس والجامعات ورواد الأعمال، وتركز على مفاهيم حماية البيانات، وإدارة الحسابات الإلكترونية، والتعامل الواعي مع أدوات التمويل الرقمي. هذه الجهود ليست فقط مسؤولية اجتماعية، بل استثمار طويل المدى في أمن السوق واستقراره.


الخلاصة

في النهاية، تمثل التجربة المصرية نموذجًا لتحوّل مالي عربي يقوم على الابتكار والانفتاح، دون إغفال متطلبات الأمان والثقة.

وللمستثمرين وصُنّاع القرار، يقدم هذا التحول فرصًا غير مسبوقة، لكنه يفرض أيضًا مسؤولية مشتركة: أن تكون التكنولوجيا أداة للنمو المستدام لا بابًا لمخاطر جديدة فلم يعد جوهر التحول الرقمي في السرعة، بل في الوعي بكيفية توجيهه لخدمة النمو الآمن والمستقبل المستدام.


بقلم: كـــرم ســـــامــي

 

في هذا السياق، ومن ناحية أخرى، هناك العديد من الأخبار المرتبطة بالقطاع والتي يمكنك متابعتها. على سبيل المثال، نستعرض أهمها في القائمة التالية: