رئيس «الإنتوساي»: الرقابة الحديثة تتجه نحو الذكاء الاصطناعي والتحليل الاقتصادي الكلي لتقييم أثر السياسات العامة

فينتك جيت:ريهام علي

أكد المستشار محمد الفيصل يوسف، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ورئيس المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (الإنتوساي)، أن الرقابة الحديثة لم تعد تقتصر على فحص الأرقام والبيانات التقليدية، بل تجاوزت ذلك إلى تقييم الأثر المالي والاقتصادي باستخدام أدوات التحليل الكلي والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، بما يمكّن أجهزة الرقابة من تقديم صورة واقعية وشاملة لصانع القرار تساعده في صياغة سياسات مالية ونقدية أكثر كفاءة واستدامة.

الرقابة الحديثة تتجاوز فحص الأرقام إلى تحليل الأثر بالذكاء الاصطناعي

وأضاف خلال كلمته في الجلسة الخاصة بالموضوع الفني الأول بعنوان:”دور الأجهزة العليا للرقابة في مراجعة البنوك المركزية والأنشطة الحكومية خلال الأزمات المالية والاقتصادية”أن التجربة المصرية تُعد نموذجًا متقدمًا في هذا الاتجاه، حيث يقوم الجهاز المركزي للمحاسبات بمراجعة البنك المركزي المصري والأنشطة الحكومية المرتبطة بالأزمات الاقتصادية في إطار من التوازن بين احترام استقلالية البنك المركزي وممارسة الرقابة الموضوعية على إدارة الموارد العامة.

وتابع أن هذا التوازن يمثل جوهر المنهج المصري في الرقابة الحديثة، إذ يحقق حماية المال العام من دون المساس باستقلال القرار النقدي، مشيرًا إلى أن هذا المفهوم يجب أن يتعزز داخل مجتمع الإنتوساي من خلال تبادل الخبرات وتطوير المنهجيات الرقابية الدولية.

الأزمات الاقتصادية اختبار لقدرة الدول على إدارة مواردها العامة بكفاءة

وأوضح رئيس الإنتوساي أن الأزمات المالية تمثل اختبارًا حقيقيًا لفعالية مؤسسات الدولة في إدارة مواردها العامة بشفافية وكفاءة، مؤكدًا أن الأجهزة العليا للرقابة مطالبة اليوم بدور أوسع من مجرد مراجعة الإجراءات المالية لتشمل تقييم فاعلية التدخلات الحكومية ومدى إسهامها في تحقيق النمو والاستقرار وحماية الفئات الأكثر احتياجًا.

وأشار إلى أن الرقابة الحديثة يجب أن تطرح أسئلة جوهرية، مثل هل وُجهت الإعانات الحكومية إلى الفئات المستهدفة فعلًا؟

وهل حققت التدخلات المالية النتيجة المرجوة في تعزيز النمو والاستقرار الاقتصادي؟

وشدد على أن هذه الأسئلة تمثل منهجية تفكير جديدة في الرقابة المالية، هدفها منع تفاقم الأزمات وتعزيز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.

تكامل السياسة النقدية والمالية في التجربة المصرية

من جانبه، استعرض المحاسب محمد عبد الغني، نائب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، أوجه التكامل بين السياسة النقدية والسياسة المالية في مصر خلال فترات الأزمات، مشيرًا إلى أن قانون البنك المركزي رقم 194 لسنة 2020 (المادة 48) أرست مجلسًا تنسيقيًا دائمًا بين الجانبين لتحقيق الانسجام في القرارات الاقتصادية.

وأوضح أن هذا التكامل المؤسسي انعكس في تطبيق حزم مالية واجتماعية شاملة خلال السنوات الأخيرة، أبرزها:

مبادرة “حياة كريمة” بإجمالي إنفاق 1.4 تريليون جنيه.

مبادرة “تكافل وكرامة” بإجمالي 41 مليار جنيه خلال عامي 2024 و2025.

حزمة تحفيز اقتصادي بقيمة 100 مليار جنيه لدعم القطاعات المتضررة من جائحة كوفيد-19.

دعم السلع التموينية والخبز بإجمالي إنفاق 134.15 مليار جنيه خلال العام المالي 2024/2025.

المراجعة المتكاملة للمبادرات الحكومية ومبادرات البنك المركزي

وأشار الطرح المصري إلى أن الجهاز المركزي للمحاسبات راجع جميع هذه المبادرات ضمن اختصاصاته القانونية من خلال الرقابة المالية ورقابة الأداء والالتزام، وأسفرت المراجعات عن توصيات عملية تم تنفيذها بالفعل لتحسين توجيه الموارد العامة وتعزيز كفاءة الرقابة الداخلية.

كما تناولت الجلسة التجربة المصرية في مراجعة مبادرات البنك المركزي المصري لدعم الاقتصاد خلال الأزمات، ومنها:

تمويل الشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة بإجمالي 100 مليار جنيه.

دعم القطاعات الصناعية والزراعية والطاقة الجديدة والمتجددة بقيمة 90 مليار جنيه.

إعادة هيكلة التسهيلات الائتمانية لدعم العملاء المتعثرين والحفاظ على استقرار أوضاعهم المالية.

دعوة لتحديث أدوات المراجعة وتعزيز التعاون بين الأجهزة العليا

وفي ختام الجلسة، أجمع المتحدثون على أن تصاعد مخاطر المراجعة في فترات الأزمات الاقتصادية يفرض على الأجهزة العليا للرقابة تطوير أدواتها ومناهجها الميدانية، وتعزيز التعاون بين الأعضاء في منظمة الإنتوساي لتبادل المعرفة وتحديث المنهجيات، بما يضمن جودة التقارير الرقابية وموثوقية نتائجها ويعزز الشفافية والمساءلة وثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.