خاص: فنتيك جيت
كما ينتظر الملايين حول العالم مواسم الحج بشوق روحي، ومواسم الأعياد بفرح إنساني، ينتظر صُنّاع التكنولوجيا ورواد الأعمال والخبراء والمبتكرون في الشرق الأوسط وأفريقيا كل عام حدثًا أصبح بمثابة “حجّ التكنولوجيا” في المنطقة، وهو معرض ومؤتمر القاهرة الدولي للتكنولوجيا للشرق الأوسط وافريقيا (Cairo ICT).
على مدار ثلاثة عقود، تحوّل هذا الحدث إلى منارة إقليمية تُضيء دروب المستقبل الرقمي، ومنصةٍ تجمع ما بين الرؤية والاستشراف والتطبيق، حتى صار اسمه مرادفًا للتكنولوجيا في مصر والعالم العربي.
وإذا ذُكر Cairo ICT، فلا يمكن أن يُذكر دون اسم مؤسسه وصانعه أسامة كمال، الرجل الذي استشرف المستقبل مبكرًا، وقرأ التحول الرقمي قبل أن يصبح شعارًا عالميًا، فكان بحق رائد التثقيف التكنولوجي ومهندس الوعي الرقمي في مصر والمنطقة.
لقد أدرك أسامة كمال، مبكرا جدا وبرؤية استباقية منذ تسعينيات القرن الماضي، أن التكنولوجيا ليست ترفًا ولا قطاعًا متخصصًا، بل هي “الثورة التي ستغيّر وجه العالم”، فاختار أن يكون جسرًا بين العلم والمجتمع، بين التقنية والإعلام، بين المستقبل والواقع.
ومن هنا بدأ مشروعه التنويري الذي لم يتوقف، وكان عنوانه الأكبر: “إعلام من أجل الوعي.. وتكنولوجيا من أجل التنمية”.
رؤية استباقية صنعت مسارًا جديدًا
عندما أطلق كمال أول دورة من مؤتمر Cairo ICT عام 1996، لم تكن مفاهيم مثل “التحول الرقمي” أو “الذكاء الاصطناعي” أو “الأمن السيبراني” تتردد كثيرًا في الخطاب العام. كانت التكنولوجيا آنذاك حكرًا على الدوائر الأكاديمية أو الشركات الكبرى. لكن كمال، بعين الإعلامي المتمرس ورؤية المفكر المستقبلي، قرأ التحولات القادمة في الاقتصاد العالمي، وأدرك أن من لا يواكب الثورة التقنية سيتحول إلى هامش في التاريخ.
هكذا وضع اللبنة الأولى لحدثٍ سنوي لا يقتصر على عرض الأجهزة والبرمجيات، بل يقدّم فكرًا تكنولوجيًا شاملاً، يربط بين الابتكار والتنمية، ويحوّل التقنية إلى ثقافة مجتمعية.
ومع مرور السنوات، أصبح Cairo ICT حدثًا دوليًا يجذب كبرى الشركات العالمية مثل مايكروسوفت، إريكسون، سيسكو، هواوي، وديل، بجانب مشاركة فاعلة من الشركات المصرية الناشئة ورواد الأعمال الشباب، هذا المزج بين الخبرة العالمية والطموح المحلي خلق بيئة خصبة للحوار والابتكار، وجعل المؤتمر منصة لصياغة السياسات المستقبلية التي تدعم التحول الرقمي في مصر والمنطقة.
“بافكس”.. الرؤية المبكرة نحو مجتمع لا نقدي
وبعد أن وضع بصمته في عالم التكنولوجيا واستقراء لمستقبل التحول الرقمي في القطاع المالي، أطلق أسامة كمال مؤتمر ومعرض Pafix للمدفوعات الرقمية والخدمات المالية، في وقت لم يكن العالم قد شهد بعد الطفرة الكبرى في مجال التكنولوجيا المالية (FinTech). لكن كمال آمن بأن المال والمستقبل يسيران جنبًا إلى جنب في العالم الرقمي، فبادر بإطلاق أول منصة متخصصة تناقش قضايا الشمول المالي، والدفع الإلكتروني، والتحول نحو مجتمع لا نقدي.
من خلال هذا الحدث، جمع كمال تحت سقف واحد ممثلي البنك المركزي المصري والبنوك المحلية وشركات الدفع الإلكتروني والهيئات التنظيمية ورواد الأعمال، ليؤسس لحوار وطني شامل حول مستقبل المال في مصر. لم يكن ذلك مجرد مؤتمر، بل خارطة طريق لمجتمع رقمي آمن وشفاف.
لقد ساهم Pafix في رفع الوعي العام بأهمية التحول المالي الرقمي، وساعد في خلق بيئة حاضنة لشركات التكنولوجيا المالية الناشئة، كما أسهم في دعم توجه الدولة نحو “مصر الرقمية”، وربط بين المواطن والتقنية من خلال خدمات الدفع الإلكتروني والمحافظ الذكية.
“كايسك”.. الأمن السيبراني كركيزة للأمن القومي
لم يغفل أسامة كمال الجانب الأخطر في ثورة التكنولوجيا: أمن المعلومات. ومع تزايد الهجمات الإلكترونية عالميًا، أدرك أن بناء اقتصاد رقمي قوي لا يمكن أن يتم دون تحصين البنية التحتية الرقمية.
من هنا جاء إطلاق مؤتمر Caisec للأمن السيبراني ضمن فعاليات Cairo ICT، ليضع قضية الأمن المعلوماتي في قلب النقاش الوطني والإقليمي.
تحوّل المؤتمر إلى منصة تجمع بين الخبراء، الأجهزة الحكومية، الشركات الأمنية، والمؤسسات الأكاديمية، لمناقشة أحدث التهديدات الإلكترونية وحلولها.
وقد أسهم هذا الحدث في رفع الوعي العام بأهمية حماية البيانات الشخصية، وتعزيز الثقافة السيبرانية لدى الأفراد والمؤسسات، حتى أصبحت قضية الأمن الرقمي اليوم جزءًا من الخطاب الإعلامي والمجتمعي في مصر، وليس شأنًا تقنيًا بحتًا.
إعلامي يصنع الوعي لا يُعلِّق عليه
بعيدًا عن المؤتمرات، يمتد تأثير أسامة كمال إلى الإعلام بكل أشكاله، فهو من أوائل من أدخلوا مصطلح “الصحافة التكنولوجية” إلى المشهد العربي، وساهم في تحويل التكنولوجيا من مجال نخبوي إلى قضية عامة تمس حياة كل مواطن.
من خلال برامجه التلفزيونية، ومقالاته الصحفية، وأحاديثه المستمرة، تبنّى كمال خطابًا تثقيفيًا يشرح المفاهيم التقنية بلغة بسيطة، ويربطها بحياة الناس اليومية.
كان أول من جعل المواطن العادي يدرك أن “الإنترنت ليس ترفيهًا فقط، بل وسيلة للتنمية والتعلم والابتكار”، واستسخدم منابره الاعلامية لصناعة الوعي بالمستقبل، مقدما نموذجًا فريدًا يجمع بين الاحتراف الإعلامي والرؤية التكنولوجية والإحساس الوطني.
الأثر المجتمعي والفكري لرحلة التنوير
لقد نجح أسامة كمال في ما لم تستطع مؤسسات حكومية أو تعليمية كثيرة تحقيقه بالسرعة ذاتها: جعل التكنولوجيا جزءًا من الوعي الجمعي للمجتمع المصري.
من خلال مبادراته ومؤتمراته، دعم جيلًا جديدًا من الشباب المؤمن بالابتكار وريادة الأعمال، وساهم في تحفيز القطاع الخاص للاستثمار في المشاريع التكنولوجية، وربط بين الدولة والمجتمع الرقمي بطريقة واقعية ومستدامة.
كما فتح أبواب Cairo ICT أمام طلاب الجامعات ورواد الأعمال الشباب ليكونوا شركاء لا مجرد متفرجين، مما خلق حركة معرفية حقيقية.
هذا الدور لم يكن تنظيميًا فحسب، بل تنمويًا وتربويًا بالدرجة الأولى، إذ غيّر نظرة المجتمع إلى التكنولوجيا من كونها أدوات إلى كونها ثقافة إنتاج ومعرفة وتطور.
دور المؤتمرات الكبرى في تعزيز التحول الرقمي
إن المؤتمرات التي أطلقها كمال ليست فعاليات موسمية، بل مشاريع فكرية مستمرة تخدم التحول التكنولوجي للدولة.
فـCairo ICT أسس للوعي العام بالتكنولوجيا والتحول الرقمي.
وPafix وضع الأسس لبناء مجتمع لا نقدي وشمول مالي حقيقي.
أما Caisec فحمل على عاتقه حماية هذا التحول من التهديدات السيبرانية.
هذا التكامل بين الفعاليات الثلاث شكّل منظومة متكاملة ساهمت في صياغة رؤية مصر الرقمية، وأصبحت جزءًا من منظومة التنمية الشاملة التي تقودها الدولة المصرية نحو المستقبل.
رائد برؤية تتجاوز الحدود
لم يتوقف تأثير أسامة كمال عند حدود مصر، بل امتد إلى العالم العربي بأسره، فقد أصبحت مؤتمراته منصات عربية وإفريقية للابتكار والتواصل التقني، تجذب وفودًا وشركات من مختلف الدول، وتُسهم في نقل الخبرات بين الشرق الأوسط والعالم.
وفي كل دورة جديدة، يثبت كمال أن التكنولوجيا ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لبناء مجتمع معرفي قوي واقتصاد قائم على الابتكار.
الخاتمة: صانع وعي ومستقبل
ففي زمنٍ تتسارع فيه التحولات الرقمية، يبقى وجود شخصيات مثل أسامة كمال ضرورة وطنية وفكرية، فهو لم يكن مجرد إعلامي ناجح، بل رائد مشروع وطني للتثقيف التكنولوجي بدأ قبل أن يدرك العالم حجم التحول القادم.
من خلال Cairo ICT وPafix وCysc، نجح كمال في بناء جسر بين المواطن والتكنولوجيا، وفي تحويل الوعي الرقمي إلى ثقافة مجتمعية متنامية.
أسامة كمال نموذج للإعلامي الذي لا يكتفي برصد الأحداث، بل يصنعها، ويقود مسارها، ويربطها برؤية مستقبلية واضحة.
ولذلك، فإن التاريخ سيسجل أن أسامة كمال لم يكن فقط مؤسس أكبر معرض تكنولوجي في الشرق الأوسط وأفريقيا، بل الرائد الأول للوعي الرقمي في مصر، والرائد الذي جعل من التكنولوجيا لغة جديدة للحلم والتنمية والنهضة.








