«خبراء جامعة إسلسكا يحذّرون»: الذكاء الاصطناعي يهدّد القيم الإنسانية… وبناء المستقبل يبدأ بالإنسان لا بالتكنولوجيا

فينتك جيت : ريهام على

حذّرت الدكتورة نادية عارف، رئيسة جامعة إسلسكا مصر، من المخاطر المتزايدة لفقدان القيم الإنسانية في ظل الانتشار المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، مؤكدةً أن الأزمات الأخلاقية والمعرفية أصبحت أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، وأن الاعتماد المطلق على التكنولوجيا دون تعزيز البُعد الإنساني قد يؤدي إلى فجوات خطيرة في منظومات القيادة والإدارة والتعليم.

وقالت إن العالم اليوم يعيش مرحلة غير مسبوقة من التحولات، حيث لم يعد الخطر في التقنية ذاتها، بل في غياب المنظومة القيمية التي تضبط استخدامها، وفي اختفاء المساحات التي تسمح للإنسان بأن يكون إنسانًا قبل أن يكون مستهلكًا للتكنولوجيا.

جاء ذلك خلال كلمتها في “قمة التعليم التنفيذي” التي تنظّمها جامعة أسلاسكا، بحضور نخبة من القادة التنفيذيين والخبراء الدوليين في مجالات القيادة والابتكار.

وشدّدت عارف على أن السلام الداخلي والرحمة والضمير باتت عناصر نادرة في عالم تحكمه السرعة والمنافسة، مؤكدة أن “التكنولوجيا يمكن أن تُحسّن الأداء، لكنها لا تستطيع أن تُنتج الضمير، ولا أن تستبدل التعاطف، ولا أن تمنح الإنسان قيم الرحمة أو القدرة على اتخاذ قرارات أخلاقية نابعة من الوعي”.

وأوضحت أن تسارع التطور التقني خلق فجوة روحية وإنسانية، وأن هذا التباعد بين ما يستطيع الإنسان فعله تقنيًا وبين ما يستطيع تحمّله نفسيًا وأخلاقيًا أصبح من أخطر التحديات التي تواجه البشرية.

 

وأضافت أن العالم اليوم يشهد حالة “فراغ أخلاقي” تتزامن مع التطور التكنولوجي الهائل، وهو ما يُحتم إعادة النظر في أساليب القيادة التقليدية، مؤكدة أن المرحلة القادمة تتطلب “قيادة بالإنسانية”، وليس مجرد قيادة بالمهارات التقنية أو الأطر الإدارية الجافة.

وقالت إن المؤسسات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرار دون مراعاة السياق الإنساني تسهم في تعميق هذا الفراغ، وإن المطلوب هو قيادة تمتلك من الحكمة والقيم بقدر ما تمتلك من المعرفة التقنية.

 

وأوضحت عارف أن الخوارزميات مهما بلغت دقتها تعجز عن إنتاج مشاعر التعاطف أو استيعاب التعقيد النفسي والبشري، مشيرة إلى أن كثيرًا من المؤسسات أصبحت تركز على الأتمتة والسرعة وتنسى أن العنصر البشري هو أساس الاستدامة. وبيّنت أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تحليل السلوك لكنه لا يستطيع تفسيره من منظور إنساني، ويمكنه اتخاذ القرار لكنه لا يفهم أثره الأخلاقي، ولذلك فإن الاعتماد عليه بشكل مطلق يعرّض المجتمع والمؤسسات لمخاطر غير محسوبة.

 

وأكدت أن القيادات الحقيقية تحتاج إلى “رؤية إنسانية شاملة بزاوية 360 درجة”، قائلة إن أغلب صُنّاع التكنولوجيا يركزون على التطوير التقني بينما لا تتجاوز نسبة من يفهمون البُعد الإنساني من مطوري الذكاء الاصطناعي حوالي 20% فقط عالميًا، وهو ما يجعل الفجوة بين الإنسان والآلة مرشحة للاتساع خلال السنوات المقبلة. وقالت إن هذه النسبة المنخفضة تمثل خطرًا لأن مستقبل التقنية يُبنى اليوم بواسطة عقليات تركز على الحلول التقنية أكثر من تركيزها على القيم.

 

ودعت رئيسة جامعة إسلسكا إلى تبني نموذج جديد في التعليم التنفيذي يعتمد على دمج التكنولوجيا مع قيم الأخلاق والرحمة ومسؤولية اتخاذ القرار، موضحة أن المستقبل لن يكون فقط بتطوير تقنيات أقوى، بل ببناء استراتيجيات تضمن استخدامًا عادلًا ومسؤولًا لها، وبما يحقق إنسانية أكبر في سوق العمل وفي المجتمع. وأكدت أن التحدي ليس في تطوير الذكاء الاصطناعي بل في تطوير “الذكاء الأخلاقي” لدى من يديرون ويستخدمون هذه التقنيات.

 

كما شددت على ضرورة إعداد جيل من القيادات القادرة على مواجهة التحديات الجديدة، والتي تشمل الضغوط النفسية في المؤسسات، وتنامي الأزمات العالمية، والتأثيرات الاجتماعية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاعات الصحة والتعليم والاقتصاد. وأوضحت أن القيادة في المستقبل ليست موقعًا تنظيميًا، بل قدرة على تحمل المسؤولية في عالم مضطرب وتحولات سريعة.

 

وأكدت عارف على أن “مستقبل العالم لن يُصنع فقط بالكفاءة التقنية، بل ستصنعه القيم — قيم العدالة والرحمة والإنسانية — فهي الركائز التي لا تستطيع التكنولوجيا محاكاتها مهما بلغت قوتها”. وقالت إن التكنولوجيا تخلق أدوات، لكن القيم هي التي تصنع الحضارات.

 

ومن جانبه أكد الدكتور علي المليجي، رئيس مجلس أمناء جامعة إسلسكا مصر، أن مستقبل مصر في بناء اقتصاد معرفي متقدم يبدأ أولًا من الاستثمار العميق في العقول، وليس من شراء التكنولوجيا أو استهلاكها فقط. وقال إن الدول التي أصبحت في مقدمة مشهد الذكاء الاصطناعي اليوم وصلت إلى هذا الموقع بفضل خطط طويلة الأجل امتدت لعشر وعشرين سنة، اعتمدت على إعداد الإنسان، وتأسيس منظومات تعليمية وبحثية قوية، وصناعة ثقافة ابتكار تسبق الأدوات والتطبيقات.

 

وأوضح المليجي أن مصر تمتلك فرصة تاريخية لإعادة تشكيل منظومتها التعليمية، وأن هذا التحول يجب أن يبدأ من تطوير البرامج الأكاديمية، وإدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في صميم المناهج، وإعادة تأهيل الأساتذة والباحثين، مع التوسع في الشراكات الدولية الحقيقية، وليس في الاتفاقيات الشكلية أو بروتوكولات التعاون غير الفعالة. وأكد أن بناء برامج علمية قوية في مجالات الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات لا يتم عبر فترة قصيرة، بل عبر جهد مؤسسي ضخم يمتد لسنوات، ويحتاج إلى رؤية واضحة تتبناها الدولة وتلتزم بها الجامعات والقطاع الخاص.

 

وأشار رئيس مجلس أمناء جامعة إسلسكا إلى أن الجامعة بدأت بالفعل التواصل مع جامعات كبرى في أستراليا وآسيا، حيث تمتلك هذه الدول خبرات واسعة في بناء برامج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وتتميز بمنظومات بحثية تتفوق في تخصصات محددة على كثير من الجامعات الأمريكية والأوروبية. وأكد أن الاتجاه نحو الجامعات الآسيوية والأسترالية ليس خيارًا ثانويًا، وإنما مسارًا استراتيجيًا لأن هذه الدول باتت مراكز عالمية في أبحاث الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق والنظم الرقمية الذكية.

 

وقال المليجي إن الهدف من هذه الشراكات هو نقل الخبرة وتطبيقها داخل مصر، بحيث يتمكن الطالب من دراسة برامج عالمية بمعايير دولية دون الحاجة للسفر بالضرورة، مع إمكانية استكمال دراسته في الخارج عبر نظام التوأمة الأكاديمية الذي يسمح بربط البرامج المصرية بنظيراتها الأجنبية. وأكد أن الجامعة تسعى إلى تأسيس نموذج تعليمي حديث يؤهل الخريجين ليس فقط لسوق العمل المحلي، بل للمنافسة في سوق العمل العالمي الذي يتغير بسرعة غير مسبوقة.

 

وخلال حديثه تناول المليجي ما وصفه بـ “حرب المواهب”، وهي الظاهرة التي تشهدها كل دول العالم، حيث تتنافس الشركات والمؤسسات الكبرى على استقطاب الكفاءات في مجالات التكنولوجيا والتحول الرقمي. وأشار إلى أن الحفاظ على الموظفين الموهوبين أصبح تحديًا معقدًا يحتاج إلى إعادة نظر شاملة في بيئة العمل، وفي علاقة الشركات بموظفيها، وفي طبيعة القيادة داخل المؤسسات. واعتبر أن الولاء المؤسسي لا يصنعه الراتب وحده، بل يصنعه الحلم المشترك، وأن الموظف لن يتمسّك بمكان ليس لديه فيه مستقبل يراه بوضوح، ولا يشعر فيه بأنه شريك حقيقي في عملية البناء.

 

وأضاف أن المؤسسات الناجحة هي التي تخلق بيئة جاذبة تمنح الموظفين مساحة للمشاركة والتطوير واتخاذ القرار، وتستثمر في تدريبهم وتأهيلهم وتطوير مهاراتهم، خصوصًا مع التحولات المتسارعة في سوق العمل العالمي. وأكد أن الموظف في العصر الرقمي يبحث عن شركة تحمل رؤية، وليس عن وظيفة تؤدي مهامًا يومية روتينية، موضحًا أن بناء ثقافة مؤسسية قوية هو الأساس الذي يقوم عليه الاحتفاظ بالمواهب.

 

وأشار المليجي إلى أن مصر أمام مرحلة جديدة تحتاج فيها إلى إعادة هندسة كاملة لمنظومة التعليم، بدءًا من المدارس وحتى الجامعات، بحيث يكون الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا من كل تخصص، وأن يكون الطالب شريكًا في عملية التعلم وليس مجرد متلقٍّ للمعلومات. وقال إن الجامعات الحديثة يجب أن تتحول إلى منصات للبحث والابتكار، وإلى حاضنات للمشروعات والأفكار الجديدة، وأن تربط برامجها بسوق العمل من خلال التدريب العملي والتطبيقات البحثية والعمل المباشر مع الشركات والقطاعات الإنتاجية.

 

وفي ختام حديثه، استعرض المليجي جذور الاستثمار في مصر، مؤكدًا أن مصر كانت دائمًا موطنًا للمستثمرين الكبار والمبدعين، وأن تاريخ الاقتصاد المصري قائم على عقول صنعت الفارق منذ عقود بعيدة، وأن المستقبل يتطلب العودة إلى نفس الفلسفة القائمة على الاستثمار في الإنسان. وقال إن مصر تمتلك القدرة على أن تكون مركزًا علميًا إقليميًا إذا أحسنت استغلال طاقاتها البشرية، وإن الوقت الحالي هو اللحظة المناسبة لبدء هذا التحول، لأن العالم يتحرك بسرعة غير مسبوقة، والذكاء الاصطناعي لن ينتظر من يتأخر.

في هذا السياق، ومن ناحية أخرى، هناك العديد من الأخبار المرتبطة بالقطاع والتي يمكنك متابعتها. على سبيل المثال، نستعرض أهمها في القائمة التالية: