فينتك جيت: ريهام علي
أكد الدكتور محمد معيط، وزير المالية المصري السابق والمدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي ممثل المجموعة العربية والمالديف بمجلس المديرين التنفيذيين بالصندوق، أن العالم يقف اليوم أمام لحظة فارقة تُعيد تعريف طبيعة العمل والإنتاج والاقتصاد، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي القوة المحركة الأبرز التي ستقود موجة الإنتاجية المقبلة، موضحًا أن استخدام هذه التقنيات المتقدمة سيسهم في رفع كفاءة الاقتصادات بوتيرة غير مسبوقة، لكنه في الوقت ذاته سيؤدي إلى تغيرات عميقة في خريطة الوظائف، من خلال إضافة وظائف جديدة عالية القيمة، وحذف وظائف تقليدية لم تعد ملائمة لاقتصاد يعتمد على البيانات والخوارزميات.
تشكيل بنية الاقتصاد
وقال معيط خلال كلمته بقمة التعليم التنفيذي التي تنظّمها جامعة إسلسكا إن التأثير الأكبر للذكاء الاصطناعي لن يكون فقط في تسريع وتيرة الإنتاج وتحسين جودة المخرجات، بل في إعادة تشكيل بنية الاقتصاد ذاته، إذ ستشهد القطاعات كافة تحولات هيكلية نتيجة دخول الحلول الذكية على مستوى التصنيع والخدمات وتكنولوجيا المعلومات واللوجستيات، مشيرًا إلى أن الدول التي ستتمكن من استيعاب هذه التحولات ستقفز سريعًا في سلم الإنتاجية، وستمتلك قدرة أكبر على خلق قيمة مضافة في أسواقها المحلية والإقليمية والدولية، بينما الدول التي تتباطأ في مواكبة هذا التطور ستواجه تحديات مضاعفة تشمل تراجع القدرة التنافسية، وانخفاض الإنتاجية، واتساع فجوة الدخل بينها وبين الدول الأكثر تقدمًا.
التحول التكنولوجي
وأوضح معيط أن هذا التحول التكنولوجي الضخم يفرض على الحكومات، ولا سيما في الدول النامية، أن تعيد النظر في نماذجها التقليدية للتعليم والتدريب والتأهيل، مؤكدًا أن المهارات التي كانت كافية للاندماج في سوق العمل قبل عشر سنوات لم تعد صالحة اليوم، وأن اقتصاد المستقبل سيعتمد على تكوين رأس مال بشري قادر على التعامل مع التقنيات الرقمية، وفهم أدوات الذكاء الاصطناعي، والتفاعل معها سواء في عمليات التحليل أو التشغيل أو اتخاذ القرار. وأضاف أن غياب الاستثمار الجاد في تطوير المهارات سيؤدي إلى اتساع الفجوة بين العرض والطلب في سوق العمل، وسيحد من قدرة الدول على خلق وظائف نوعية قادرة على مواكبة المنافسة العالمية.
مجالات اقتصادية
وأشار معيط إلى أن الوظائف الجديدة التي سيخلقها الذكاء الاصطناعي ستكون في مجالات اقتصادية وتقنية متقدمة تشمل تحليل البيانات، وإدارة الأنظمة الذكية، والأمن السيبراني، وتطوير البرمجيات، وتشغيل البنى الرقمية، والعمل على سلاسل القيمة الحديثة التي تعتمد على ترابط البيانات وتدفقها عبر الحدود، في حين ستتراجع الحاجة إلى الوظائف التي تعتمد على التكرار والمهام الروتينية، لأن هذه المهام ستتمكن الخوارزميات من أدائها بسرعة ودقة وتكلفة أقل بكثير.
وقال إن المنافسة بين الدول لن تقتصر على حجم الاستثمارات في مراكز الأبحاث أو الشركات التكنولوجية، بل ستتسع لتشمل قدرة كل دولة على بناء بيئة اقتصادية تشجع الابتكار وتُسهّل دخول الشركات إلى سوق العمل وتوفر بنية تحتية رقمية صلبة، موضحًا أن الدول ذات القطاع الخاص المرن ستكون الأكثر قدرة على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، لأنها تستطيع التحرك بسرعة أكبر من الأنظمة البيروقراطية التقليدية، ولديها قدرة أعلى على اتخاذ قرارات سريعة وتبنّي التقنيات الجديدة دون تأخير.
الفجوة الإنتاجيه
وحذّر معيط من أن الدول النامية ستكون الأكثر تضررًا إذا لم تتحرك بخطى واضحة وجريئة نحو التحول التكنولوجي، لأن الفجوة في الإنتاجية بينها وبين الدول المتقدمة مرشحة للاتساع بصورة أكبر مع كل موجة جديدة من التقدم التقني، مشيرًا إلى أن الدول التي ما زالت تعتمد على أنماط تقليدية في العمل، أو تفتقر إلى بنية تحتية رقمية قوية، ستجد نفسها غير قادرة على مجاراة الاقتصادات التي سبقتها في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، سواء من حيث جودة الإنتاج أو سرعة تقديم الخدمات أو القدرة على المنافسة في الأسواق الدولية.
وأكد أن التحول المطلوب لا يقتصر على الحكومات فحسب، بل يمتد أيضًا إلى القطاع الخاص والمؤسسات الاقتصادية بكافة أحجامها، إذ يجب أن تتبنى الشركات استراتيجيات جديدة تسمح لها بإعادة تنظيم عملياتها واستثماراتها بما ينسجم مع متطلبات الذكاء الاصطناعي، مع ضرورة الاستثمار في تدريب موظفيها وتطوير أدوات عملها حتى لا تتأخر عن ركب المنافسة.
مستقبل الاقتصاد العالمي
واختتم معيط قائلاً إن الذكاء الاصطناعي أصبح اليوم عنصرًا أساسيًا في تشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي، وأن التعامل معه باعتباره خيارًا إضافيًا أو عنصرًا ثانويًا لم يعد مقبولًا، مشددًا على ضرورة اعتماد رؤية وطنية شاملة في الدول النامية ترتكز على بناء القدرات البشرية، وتطوير البنية الرقمية، وتحسين البيئة التنظيمية، ودعم منظومة الابتكار، حتى تتمكن هذه الدول من الاستفادة من الفرص الهائلة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، وتجني ثمار هذا التطور في صورة إنتاجية أعلى، واقتصاد أقوى، ووظائف أفضل، ومستقبل أكثر قدرة على المنافسة والنمو.
في هذا السياق، ومن ناحية أخرى، هناك العديد من الأخبار المرتبطة بالقطاع والتي يمكنك متابعتها:







