«تلعب بيئة العمل دورًا حاسمًا في نجاح أي مؤسسة. الشركات التي تهمل ثقافة العمل وتفتقر إلى تقدير الموظفين غالبًا ما تفقد أفضل كفاءاتها، حتى لو كانت الرواتب والمزايا مغرية. الموظفون الذين يشعرون بعدم الأمان أو الإهمال يفقدون حماستهم، وينخفض إنتاجهم، ويزداد احتمال رحيلهم، مما يؤثر مباشرة على جودة العمل وربحية الشركة»
من واقع خبرتي الطويلة في سوق العمل المصري، يتضح أن العديد من الشركات تفقد أفضل الكفاءات ليس بسبب ضعف الرواتب أو نقص الفرص، بل بسبب ثقافة العمل السامة. الموظف الذي يشعر بعدم الأمان أو عدم التقدير، حتى لو كانت مميزات وظيفية مغرية، يفقد حماسه تدريجيًا، ويبحث عن مكان يمنحه الاحترام والاعتراف بجهوده.
التقدير… أكثر من مجرد أجر
التقدير لا يقتصر على المكافآت المالية، فهو في كثير من الأحيان كلمة تشجيع، نظرة احترام، أو إشارة بسيطة تمنح الموظف الأمل وتعيد له شعور القيمة والانتماء. الدراسات تشير إلى أن الموظفين الذين يشعرون بالتقدير العالي يزيد إنتاجهم بنسبة تصل إلى 31%، بينما يغادر نحو 65% من الموظفين وظائفهم بسبب نقص التقدير، حتى لو كانت الرواتب جيدة.
في مصر، تشير تقارير الموارد البشرية إلى أن أكثر من نصف موظفي القطاع الخاص يفكرون في ترك وظائفهم بسبب غياب الدعم المعنوي والبيئة المشجعة، ما يعكس أهمية التركيز على الجانب النفسي والاجتماعي للموظفين بجانب المزايا المادية.
الثقافة السامة تلتهم الإنتاجية
غياب بيئة العمل الصحية يؤدي إلى انخفاض التركيز، تراجع الابتكار، وزيادة الأخطاء، وهو ما ينعكس مباشرة على الأرباح. الموظفون الذين يعملون في بيئة سامة غالبًا ما يكونون حاضرين بأجسادهم فقط، لكن طاقتهم وحماسهم وإبداعهم غائبون. وفق دراسة حديثة، تكلف الثقافة السامة للشركات حوالي 223 مليار دولار سنويًا نتيجة انخفاض الإنتاجية والدوران الوظيفي.
أهمية الترحيب بالموظف الجديد (Onboarding)
تجربة الموظف الجديد منذ أول يوم في العمل تعتبر مؤشرًا قويًا على ثقافة الشركة.
الموظف الذي يتلقى ترحيبًا منظمًا، يتعرف على أهدافه وثقافة العمل، ويحصل على الدعم والتوجيه، يكون أكثر استعدادًا للإبداع وأكثر ولاءً للشركة. بالمقابل، غياب هذه التجربة يؤدي إلى شعور بالعزلة وضياع الانتماء، وزيادة احتمالات ترك الوظيفة مبكرًا. لذلك، الـ Onboarding ليس رفاهية، بل استثمار مباشر في ولاء الموظف وإنتاجيته.
الشركات التي تهتم بالموظفين هي الفائزة
في عصر التنافسية العالية، الشركات التي تولي اهتمامًا حقيقيًا بموظفيها، وتعمل على بناء بيئة عمل آمنة ومحفزة، هي التي تحقق النجاح على المدى الطويل. فالمورد البشري يظل أهم موارد الصناعة، مهما تقدمت التكنولوجيا أو تغيرت الأدوات والأساليب. العناية بالكفاءات ليست رفاهية، بل استراتيجية حيوية لضمان استمرارية الشركة ونموها.
أمثلة على ذلك كثيرة: شركات محلية اهتمت بصحة موظفيها النفسية، برامج تدريب مستمرة، ومكافآت معنوية منتظمة، فارتفعت الإنتاجية وانخفض معدل الدوران الوظيفي. وعلى النقيض، شركات تجاهلت بيئة العمل شهدت فقدان مستمر للكفاءات وتراجع في جودة الإنتاج
خطوات عملية لتحسين بيئة العمل
- تعزيز ثقافة التقدير: برامج شكر وتقدير أسبوعية أو شهرية للموظفين.
- تدريب المديرين: إعدادهم للتعامل مع الفرق بشكل يحفز ولا يضغط.
- فتح قنوات اتصال حقيقية: للاستماع إلى شكاوى الموظفين وملاحظاتهم دون خوف.
- سياسات واضحة للترقيات والمكافآت: العدالة والشفافية تزيد الالتزام والانتماء.
- خلق بيئة آمنة نفسيًا: تشجيع الموظف على التعبير عن آرائه والمبادرة دون خوف من العواقب.
- الاهتمام بـ Onboarding: استقبال الموظفين الجدد بطريقة منظمة لتعزيز الانتماء وتقليل معدل الدوران.
خلاصة
الاستثمار في بيئة العمل الإيجابية لا يرفع الإنتاجية فحسب، بل يقلل معدل الدوران الوظيفي، ويحافظ على المواهب، ويعزز سمعة الشركة. وعلى العكس، فإن تجاهل هذا الجانب الحيوي قد يجعل الشركة تخسر أهم أصولها البشرية، وتتحمل تكاليف باهظة في إعادة التوظيف والتدريب، وربما تخسر مكانتها في السوق بشكل لا يمكن تعويضه.
بيئة العمل ليست رفاهية، بل هي عامل حاسم في نجاح أي مؤسسة.
بقلم:
مصطفى أحمد
استشاري التوظيف والتطوير المهني
في هذا السياق، ومن ناحية أخرى، هناك العديد من الأخبار المرتبطة بالقطاع والتي يمكنك متابعتها:







