«مهنّد عبويني» مؤسس «هايبرباي» يكتب: المدفوعات الذكية والتمويل المدمج يقودان موجة جديدة للتكنولوجيا المالية في الخليج

فينتك جيت: محمد بدوي

بقلم مهنّد عبويني، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “هايبرباي”

مثّل عام 2025 نقطة تحول مفصلية في قطاع التكنولوجيا المالية، في ضوء الصعود المتسارع لتقنية “الذكاء الاصطناعي الوكيل”، التي تمتلك القدرة على اتخاذ القرارات بشكل ذاتي، وإحداث نقلة نوعية في آليات تقديم الخدمات المالية. وفي ظل تنامي توقعات المتعاملين. يتوجب على المؤسسات المالية والهيئات التنظيمية في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي إعادة تصميم أطر العمل ونماذج التشغيل لتعزيز المرونة والثقة والذكاء الاصطناعي المدمج.

تسريع وتيرة التحول الرقمي وتعزيز الشمول المالي

وتواصل المملكة العربية السعودية تسريع وتيرة التحول الرقمي وتعزيز الشمول المالي بما يتماشى مع مستهدفات “رؤية السعودية 2030”. وعلى الصعيد العالمي. تشير التوقعات إلى وصول حجم قطاع التقنية المالية إلى 1.5 تريليون دولار بحلول عام 2030. مدعوماً بتقنيات الذكاء الاصطناعي، و”البلوك تشين”، والمقاييس الحيوية، والتعديلات التنظيمية. وفي خضم هذا المشهد، ستكون الريادة من نصيب مؤسسات التكنولوجيا المالية القادرة على الجمع بين اتخاذ القرارات القائمة على السياق. والتصميم الذي يتمحور حول المتعاملين، والقدرات المتقدمة للذكاء الاصطناعي.
ويشهد قطاع المدفوعات تحولاً جذرياً في سلوكيات المستهلكين. حيث يتزايد العزوف عن النماذج التقليدية الموحدة لصالح خيارات متنوعة تلبي الاحتياجات المحلية. ويتجلى هذا التوجه عالمياً من خلال هيمنة التحويلات المصرفية في أوروبا، ونظام “UPI” في الهند، و”Pix” في البرازيل، و”M-PESA” في شرق أفريقيا.

شركات التكنولوجيا المالية

وستعتمد شركات التكنولوجيا المالية على التنسيق الآلي المدعوم بالذكاء الاصطناعي لضمان الامتثال للأطر التنظيمية، وأتمتة صرف العملات. وتعزيز آليات كشف الاحتيال. وبالتوازي مع ذلك، تتوسع الشراكات بين شبكات “البلوك تشين” والعملات المستقرة. وهو ما يظهر جلياً في شبكة المدفوعات عبر الحدود الجديدة من شركة “سيركل”. التي تدعم مدفوعات الموردين والرواتب والتحويلات المالية.
وتكتسب المدفوعات الفورية زخماً متسارعاً على مستوى العالم. حيث يسهم الابتكار في توفير تجارب سلسة للمتعاملين. ووفقاً لتقرير “Plaid’s Fintech Spotlight” الصادر عن شركة “بلايد”. يتوقع أن يحقق السوق معدل نمو سنوي مركب نسبتهُ 33% بحلول عام 2032، مع ارتفاع قيمة المعاملات الفورية

بنسبة تقارب 289% بين عامي 2023 و2030. وتُعد أنظمة مثل “فيد ناو” في الولايات المتحدة مؤشراً على آفاق تطور هذه القدرات وتوسع نطاقها عبر دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي حين يساهم الذكاء الاصطناعي وتعلُّم الآلة في حدوث تغيير ملموس في الخدمات المالية. تشير التقديرات إلى ارتفاع الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي ضمن قطاع التكنولوجيا المالية إلى 62 مليار دولار بحلول عام 2032. وستعمل هذه الأنظمة كمستشارين ماليين، ومعدي تقارير. وكاشفي احتيال، ومقيمي ائتمان في الوقت الفعلي. مما يرسي مفاهيم جديدة للإنتاجية والكفاءة التشغيلية.

التمويل المدمج

كما سيشهد “التمويل المدمج” تسارعاً ملحوظاً، جامعاً بين الخدمات المصرفية والإقراض والمدفوعات والتأمين ضمن المنصات غير المالية. من المتوقع أن يصل حجم سوق الخدمات المالية المدمجة إلى 690 مليار دولار أمريكي في عام 2030. ارتفاعاً من 146 مليار دولار أمريكي في عام 2025، بنمو سنوي مركب قدره 36.41%. وبدأت ملامح هذا التحول بالظهور مع شركات مثل “فرودا” التي تمكّن الشركات الصغيرة والمتوسطة من تقديم القروض مباشرة عبر منصاتها. ومع توسع مفهوم “الصيرفة كخدمة”. تتنامى ظاهرة “التعاون التنافسي” بين البنوك وشركات التكنولوجيا المالية. مدفوعةً بهدف مشترك يجمع بين الابتكار والموثوقية. ولتحقيق النجاح. كما يتعين على المؤسسات تبني نماذج تشغيل مرنة، وتحليلات متقدمة، وأدوات رقمية من الجيل التالي.

وتواصل العملات المشفرة استقطاب الاهتمام نظراً لطبيعتها اللامركزية وإمكاناتها في توفير مدفوعات عالمية سريعة وآمنة. وقبل خمسة عشر عاما. كما كانت العملات المشفرة مجرد تجربة تمثلت في أصل واحد فقط (بيتكوين) بقيمة سوقية ناهزت مليون دولار أمريكي. أما اليوم فقد تحول هذا القطاع إلى صناعة ناشئة وفئة أصول بديلة متوسطة الحجم. تضم ملايين الرموز الفردية بقيمة سوقية إجمالية تبلغ نحو 3 تريليونات دولار أمريكي. والآن تعمل البنية التنظيمية الأكثر شمولا في الاقتصادات الكبرى على تعميق دمج سلاسل الكتل العامة (البلوك تشين) مع التمويل التقليدي. كما يحفز تدفقات رؤوس الأموال طويلة الأجل إلى السوق.

فيزا أفالانش

وتُعد بطاقة “فيزا أفالانش”، التي تتيح الإنفاق اليومي بالعملات المشفرة. ومنصات مثل “جاست جيفينج” التي تقبل أكثر من 60 عملة مشفرة. أمثلة حية على الاندماج في التعاملات السائدة. وفي ضوء ذلك تواصل الأطر التنظيمية تطورها، بدءاً من تشريعات الاتحاد الأوروبي للأسواق في الأصول المشفرة. وصولاً إلى المبادرات الأمريكية الداعمة لتبني المؤسسات لهذه الأصول.

ويعد الأمن السيبراني من ضمن أبرز الأولويات الاستراتيجية، في ظل تحذيرات المنتدى الاقتصادي العالمي من الهجمات المعقدة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وأصبحت المصادقة البيومترية، والتحليلات السلوكية، وأدوات منع الاحتيال الذكية عناصر محورية في استراتيجيات أمن التكنولوجيا المالية. وقد حققت منصة “ريفولت باي”. كما على سبيل المثال، انخفاضاً بنسبة 50% في عمليات الاحتيال المرتبطة بالعملات المشفرة خلال فترة تجريبية استمرت عاماً. مما يؤكد أهمية المراقبة الفورية وتعزيز إجراءات “اعرف عميلك”.

الرفاه المالي

ويبرز الرفاه المالي كأحد الأولويات الناشئة، وتتنوع الابتكارات في هذا المجال ما بين أدوات الميزانية المجتمعية إلى التطبيقات المالية التي تركز على الاستدامة. مثل تطبيق “زيرو” وميزة “فوت برينت إنسايت” من بنك “ING”. كما يعكس توجهاً أوسع نحو التمويل القائم على القيم، وتمكين المستخدمين من التحكم في مستقبلهم المالي.

وختاماً، لن يتشكل مستقبل التكنولوجيا المالية في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بناءً على التطور التقني فحسب، بل سيعتمد بشكلٍ رئيسي على كيفية توظيف الشركات للذكاء الاصطناعي بمسؤولية. وترسيخ الثقة، وتصميم استراتيجيات تكيفية. كما ستكون الريادة في الحقبة المقبلة للخدمات المالية من نصيب المؤسسات التي تبتكر برؤية واضحة، وتعاون مثمر، وهدف استراتيجي.

في هذا السياق، ومن ناحية أخرى، هناك العديد من الأخبار المرتبطة بالقطاع والتي يمكنك متابعتها: