رائد الأعمال محمد تهامي: «الشغف» هو مصدر الإبتكار.. والسوق المصري يمنح رواد الأعمال مساحة أكبر للإبداع والنمو
حوار :مصطفى عيد
الشغف هو القوة المحركة وراء أي رحلة ريادية ناجحة، فهو المحرك الذي يدفع رواد الأعمال لتحقيق أهدافهم، والانتقال من فكرة بسيطة إلى مشروع ملموس يترك أثرًا في المجتمع. في هذا السياق، نناقش أهمية الشغف في ريادة الأعمال ودوره الأساسي في التغلب على التحديات التي تواجه الشركات الناشئة.
في الحوار مع رائد الأعمال محمد تهامي، سنتناول كيف يمكن للشغف أن يكون المحرك الرئيسي للابتكار والنمو، وكيف يؤثر في بناء ثقافة العمل داخل الشركات الناشئة.
كما سنستعرض كيف يمكن لرائد الأعمال الحفاظ على شغفه وسط تقلبات السوق والصعوبات المالية، والكيفية التي يمكن من خلالها تحويل هذا الشغف إلى قوة دافعة للنجاح في بيئات الأعمال التنافسية، خاصة في السوق المصري.
في هذا الحوار، يجيب رائد الأعمال محمد تهامي عن مجموعة من الأسئلة حول كيفية الوصول إلى تقييمات عادلة لشركات ناشئة، ويشارك رؤيته حول المعايير التي يجب اتباعها في جولات التمويل، وكذلك التحديات التي تواجه الشركات المصرية في هذا المجال.
كما يتناول تأثير العوامل الاقتصادية الحالية، مثل ارتفاع أسعار الفائدة، على قدرة الشركات الناشئة على الحصول على التمويل اللازم للنمو والتوسع.. وإلى نص الحوار.
• كيف بدأت رحلتك في عالم ريادة الأعمال؟ وما الذي ألهمك للدخول في هذا المجال؟
بدأت رحلتي في ريادة الأعمال خلال آخر سنة في كلية الهندسة، عندما قرأت كتاب أيقظ قواك الخفية لتوني روبنز. هذا الكتاب لم يكن مجرد قراءة، بل كان نقطة تحول في حياتي. اكتشفت شغفي الحقيقي ورسالة حياتي: تحفيز الآخرين على تحقيق النجاح والحرية.
انطلقت في محاولة تحقيق هذا الشغف، لكنني اصطدمت بالوظيفة التقليدية التي تقيد الحرية.
استغرقت رحلتي 9 سنوات طويلة من الصراع ومحاولة خلق التوازن بين الوظيفة وتحقيق حلمي الريادي، إلى أن تمكنت من التفرغ الكامل لعمل ما أحب
• هل كان لديك شغف خاص بمجال معين دفعك للتوجه نحو ريادة الأعمال؟ وكيف استثمرت هذا الشغف في بناء مشاريعك؟
بالتأكيد. شغفي كان دائمًا تحفيز الآخرين على اكتشاف إمكانياتهم الحقيقية وتحقيق النجاح بطريقتهم الخاصة. استثمرت هذا الشغف في تأسيس برامج مثل Passion to Profit، والتي صممت لتكون نظامًا عمليًا يساعد الناس على تحويل شغفهم إلى مصدر دخل مستدام دون التضحية بجودة حياتهم.
• هل تعتبر الشغف عنصرًا أساسيًا في نجاح أي رائد أعمال؟ كيف يمكن أن يساهم الشغف في التغلب على الأوقات الصعبة؟
الشغف هو الأساس. عندما تعمل على شيء تحبه، يصبح من السهل التغلب على الأوقات الصعبة لأنك لا ترى التحديات كعقبات، بل كجزء من الرحلة. الشغف يمنحك الدافع للاستمرار ويذكرك دائمًا بسبب قيامك بما تفعله.
• من خلال تجربتك، هل ترى أن الشغف يمكن أن يكون حافزًا قويًا في الابتكار والتطور داخل الأعمال؟
الشغف ليس فقط حافزًا، بل هو مصدر الابتكار. عندما تحب ما تفعله، ترى الأشياء من زاوية مختلفة، وتبحث عن طرق لتطوير فكرتك لتخدم جمهورك بشكل أفضل. بالنسبة لي، الابتكار هو تبسيط الأمور وجعلها أكثر فعالية.
• كيف تحدد نوعية الفرص الاستثمارية التي قد تكون مناسبة لشغفك؟ وهل من الممكن أن يختلف الشغف مع تطور المشروع؟
أنصح دائمًا أن يكون مشروعك مرتبطًا بحل مشكلة كنت تعاني منها في يوم من الأيام. أفضل استثمار يمكن أن تقوم به هو توظيف شغفك في تقديم حل عملي لمشكلة شخصية مررت بها، وبعد تجربة سنوات من البحث والتطوير، تصل إلى الحل المثالي. عندها، تقدم هذا الحل لفئة واسعة من الناس الذين يعانون من نفس المشكلة.
هذا النوع من المشاريع لا يحقق فقط النجاح المالي، بل يترك أثرًا عميقًا لأنك تعمل من قلب تجربتك الشخصية.
الشغف قد يتطور مع الوقت ليشمل أبعادًا جديدة، لكنه لا يتغير جذريًا. كلما تطور المشروع، يصبح الشغف أكثر وضوحًا ومرتبطا برسالة وأثر أعمق.
• كيف تؤثر التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في توجهاتك الريادية؟ وهل يمكن للشغف أن يساعد في التكيف مع هذه التغيرات؟
بدأت شركتين خلال أوقات أزمات كبيرة: الأولى بعد الثورة المصرية بسنة، والثانية أثناء جائحة الكورونا. التغيرات الاقتصادية والاجتماعية ليست عائقًا، بل هي مصدر لفرص جديدة. عندما تتغير الظروف، تظهر مشاكل جديدة تحتاج إلى حلول مبتكرة، وهنا يزدهر العمل الريادي.
الشغف يساعدك على رؤية هذه التغيرات كفرص للتطور، وليس كتهديدات، لأنه يجعلك موجهًا نحو إيجاد الحلول بدلاً من التوقف عند التحديات.
• في رأيك، ما هي المهارات الأساسية التي يجب أن يمتلكها رائد الأعمال لكي ينجح في تحويل شغفه إلى عمل مستدام؟
المهارة الأساسية لأي رائد أعمال، خاصةً أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، هي التسويق.
لا يمكنك أن تترك أمر التسويق بالكامل لشركة خارجية دون أن تكون لديك معرفة جيدة بأساسياته وكيفية قياس فاعلية وكفاءة الأنشطة التسويقية. التسويق هو الجسر الذي يصل منتجك أو خدمتك إلى جمهورك المستهدف.
إذا كان لديك أفضل منتج في العالم ولكنك لا تعرف شيئًا عن التسويق، فلن تتمكن من تحقيق نجاح مستدام لمشروعك. التسويق هو ما يحول الشغف إلى نتائج ملموسة.
• كيف توازن بين شغفك الشخصي ومتطلبات السوق وأهداف العمل؟ وهل تجد صعوبة في هذا التوازن؟
التوازن ليس المطلوب هنا، بل التكامل والتناغم. إذا كنت تمارس شغفك كمتعة شخصية، فهذا أمر مختلف. ولكن إذا أردت تحويل شغفك إلى بزنس، فلا بد أن تجد الطريقة التي توظف بها هذا الشغف لخدمة الناس، سواء من خلال حل مشكلة يواجهونها أو تلبية احتياج ناقص.
الشغف يجب أن يكون أداة لإضافة قيمة حقيقية، وهذا ما يجعل المشروع متكاملًا وناجحًا.
• كيف ترى المستقبل بالنسبة لريادة الأعمال في مصر والمنطقة العربية؟ وما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه الشغف في هذا التوجه؟
أرى أن المشاريع القائمة على الشغف يجب أن تكون في صدارة المشهد الريادي. للأسف، هناك تركيز مفرط على السعي وراء الاستثمارات وتحقيق النمو المتسارع وبناء شركات تقنية، وهو نموذج يحمل الكثير من المخاطر والتعقيد.
المستقبل يتطلب إعادة تعريف ريادة الأعمال لتضع الشغف، الحرية، والمرونة في المقدمة.
العمل الريادي يجب أن يكون وسيلة لعيش حياة حقيقية ومزدهرة. إنشاء مشروع يتيح لك العمل في ما تحب، خدمة الناس بأفضل شكل ممكن، وتحقيق أرباح ممتازة هو الطريق الأكثر استدامة وسعادة. الشغف في هذا التوجه هو القوة التي تجعل المشاريع أكثر إنسانية وأقرب لتحقيق تأثير حقيقي.
• هل تعتقد أن الجيل الجديد من رواد الأعمال يعاني من نفس التحديات التي واجهتها، أم أن هناك تغيرات في البيئة المحيطة؟
على العكس، الجيل الجديد من رواد الأعمال أكثر حظًا. التكنولوجيا الحديثة جعلت الكثير من المهام أسهل وأقل تكلفة. وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات الرقمية وفرت طرقًا بسيطة وفعالة للوصول إلى العملاء المستهدفين بتكاليف منخفضة. كذلك، بوابات الدفع الإلكتروني ووسائل التوصيل المتطورة جعلت استقبال المدفوعات وخدمة العملاء أسرع وأسهل.
الإنترنت ألغى الحدود الجغرافية؛ الآن يمكن لأي رائد أعمال أن يخدم عملاء من جميع أنحاء العالم، وهي ميزة لم تكن متاحة عندما بدأت رحلتي. أرى أن هذا هو العصر الذهبي لريادة الأعمال، حيث يمكن لأي شخص تحويل فكرته إلى مشروع ناجح بفضل الأدوات والإمكانيات المتاحة اليوم.
• هل لديك نصائح أو توجيهات للشباب الطموح الذي يطمح إلى دخول عالم ريادة الأعمال بناءً على شغفهم؟
أهم نصيحة هي أن يكون لديك حلم حقيقي بداخلك. ريادة الأعمال ليست وسيلة لتحقيق الثراء السريع أو الهروب من وظيفة خانقة، بل هي وسيلة لتحقيق رؤية أكبر. البزنس الذي يحقق نجاحًا مستدامًا هو الذي يؤسسه شخص يمتلك حلمًا كبيرًا لإحداث فارق في المجال الذي يعشقه وفي حياة الناس. عندما يكون لديك هذا الحلم، ستجد نفسك مستعدًا لمواجهة كل التحديات وتحقيق شيء استثنائي.
• كيف ترى العلاقة بين النجاح المالي والشغف؟ هل يمكن أن يكون الشغف سببًا رئيسيًا في النجاح المالي؟
الشغف يجب أن يرتبط بالنجاح المالي لكي يستمر وينمو. النجاح المالي ليس فقط نتيجة للشغف، بل هو أيضًا مؤشر قوي على أنك تقدم حلاً حقيقيًا يلبي احتياجات الناس. عندما تقدم قيمة حقيقية لجمهورك، سيشترون منك وسينصحون الآخرين بك، مما يعزز من انتشار مشروعك ويحقق له الاستدامة. الشغف يدفعك للتميز في تقديم هذه القيمة، والنجاح المالي يأتي كتأكيد على أن عملك له أثر فعلي في حياة الآخرين.
• كيف ترى مشهد ريادة الأعمال في مصر في الوقت الحالي؟ وما هي أبرز التحديات التي تواجه رواد الأعمال في السوق المصري؟
في الوقت الذي يتجه فيه الكثيرون إلى السوق الخليجي نظرًا لقوته الشرائية الكبيرة، أرى أن السوق المصري يمثل فرصة لا تُقدر بثمن. السوق المصري كبير جدًا ومتنوع، وبه احتياجات ومشكلات كثيرة تنتظر حلولًا مبتكرة.
بالإضافة إلى ذلك، المنافسة في السوق المصري أقل بكثير مقارنة بدول الخليج، مما يمنح رواد الأعمال مساحة أكبر للإبداع والنمو.
رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، القوة الشرائية في مصر لا تزال موجودة، لكنها أصبحت أكثر انتقائية، تفضل من يقدم قيمة حقيقية وحلولًا ملموسة.
التحديات تتمثل في ارتفاع التكاليف و عدم الاستقرار ولكن من يركز على فهم السوق جيدًا وتلبية احتياجاته سيتمكن من تحقيق نجاح مستدام.
• هل هناك مجالات معينة في مصر أو المنطقة العربية تجدها واعدة بالنسبة لرواد الأعمال؟ وما هي العوامل التي تجعل هذه المجالات جذابة للاستثمار؟
أنا لا أشجع الناس على اختيار مجالات معينة فقط لأنها مربحة أو مشهورة أو جاذبة للاستثمار. ما أؤمن به هو أن تبدأ بزنس في المجال الذي تحبه وتشعر بالشغف تجاهه. أياً كان شغفك، يمكنك تحويله إلى مشروع تجاري مربح إذا كنت ملتزمًا بخدمة الناس وإضافة قيمة حقيقية.
إذا بدأت مشروعًا فقط من أجل الربح أو لأنه مجال عليه طلب، ولم يكن لديك شغف أو خبرة فيه، سيتحول هذا المشروع مع الوقت إلى عبء يشبه الوظيفة التقليدية. التحديات اليومية ستصبح مرهقة وستفقد الشعور بالمعنى والإشباع. النجاح الحقيقي يأتي عندما تعمل في مجال تعشقه وتشعر فيه أنك تحقق أثرًا وتستمتع بالرحلة.
• ما هو دور التعليم وريادة الأعمال في مصر؟ وهل هناك حاجة لتغيير في المناهج الدراسية أو البرامج التعليمية لتشجيع الابتكار؟
هذا أمر في غاية الأهمية. بناء الفكر الريادي منذ الصغر يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في مستقبل الأجيال.
التعليم يجب أن يركز على تعزيز التفكير الإبداعي، وتشجيع الطلاب على حل المشكلات، وتطوير مهاراتهم العملية التي تساعدهم على تحقيق أفكارهم.
أهم نصيحة أوجهها للأهل هي ألا يُجبروا أولادهم على دخول مجالات معينة فقط لأنهم يرونها أكثر استقرارًا أو ربحية. اترك ابنك يجرب ويختار المجال الذي يشعر بالشغف تجاهه، وشجعه على اختياراته مهما كانت.
الدعم والإيمان بخياراتهم هو الأساس لبناء جيل يبتكر ويخلق فرصًا جديدة.
• كيف يمكن للشركات الناشئة في مصر تجاوز التحديات الاقتصادية مثل التضخم وارتفاع تكاليف الإنتاج؟
أكبر نصيحة أوجهها للشركات الناشئة هي تعديل نموذج العمل التجاري بحيث يحقق أرباحًا حقيقية ومستدامة. لقد انتهى عصر التوسع السريع وحرق الأموال من أجل النمو المتسارع بأي تكلفة.
ابنِ مشروعك على أساس صحيح؛ إذا كان مشروعك لا يحقق أرباحًا الآن، فإن ضخ المزيد من الاستثمارات قد يعجل من الفشل بدلًا من إنقاذه.
يجب أن يكون لديك رؤية واضحة لتحقيق الربحية في أسرع وقت ممكن. بعد الوصول للربحية فقط، يمكنك أن تبدأ في التفكير في التوسع والنمو المتسارع بثقة أكبر.
هذا النهج يضمن أن مشروعك قادر على الصمود أمام أي تحديات اقتصادية.
• هل ترى أن ريادة الأعمال في مصر تواجه نفس التحديات التي تواجهها في المنطقة العربية بشكل عام؟ وإذا كان هناك اختلاف، فما هي هذه الفروق؟
ريادة الأعمال هي رحلة ممتعة، والتحديات جزء من المتعة مهما كانت. كل منطقة وسوق وبزنس له تحدياته الخاصة، وهذه التحديات هي ما يجعل رحلة رائد الأعمال مليئة بالتعلم والتطور، مما يجعله شخصًا أقوى وأكثر صلابة.
لكننا نعيش في عصر لم تعد فيه ريادة الأعمال محكومة بمنطقة جغرافية واحدة.
اليوم يمكنك تأسيس شركة في أمريكا،و إدارتها بالكامل من منزلك في مصر، والمساهمة في إدخال العملة الصعبة للبلد. وفي الوقت نفسه، يمكنك الاستفادة من الامتيازات الضريبية والمنظومات المالية المتطورة في الأسواق العالمية.
هذا العصر هو العصر الذهبي لريادة الأعمال، حيث يمكن للأفكار أن تصبح مشاريع عالمية بسهولة غير مسبوقة، بغض النظر عن مكان رائد الأعمال.
• ما هو الدور الذي يلعبه الشغف في ريادة الأعمال في مصر؟ هل يمكن أن يكون هو العنصر الأساسي للتغلب على بيئة العمل الصعبة في السوق المصري؟
بالتأكيد. عندما يبدأ الشخص في تأسيس مشروع جانبي قائم على الشغف بجانب وظيفته، فإنه يخلق توازنًا يقلل من الاحتراق الوظيفي. هذا النوع من المشاريع لا يقتصر على تحسين الحالة النفسية فقط، بل يفتح بابًا لمصدر دخل جديد يساهم في بناء مستقبل أفضل مليء بالحرية والشغف.
الشغف يجعل ريادة الأعمال أكثر من مجرد عمل؛ إنه يمنحك الدافع للاستمرار وسط التحديات، ويمنحك شعورًا بالإنجاز والرضا عن كل خطوة تخطوها نحو تحقيق أهدافك.
• هل تلاحظ تغيرات في توجهات المستثمرين في مصر تجاه الشركات الناشئة؟ هل أصبح هناك اهتمام أكبر بالمشاريع التي تركز على التكنولوجيا والابتكار؟
نعم، هناك تغير واضح في توجهات المستثمرين. في السابق، كان التركيز الأكبر على الشركات التي تحقق نموًا سريعًا حتى لو كانت غير مربحة.
أما الآن، الفكر تغير تمامًا، وأصبح المستثمرون يفضلون المشاريع التي تقوم على نماذج عمل متزنة تجمع بين الربحية الفعلية وفرص النمو الكبيرة.
هذا التحول يعكس الوعي المتزايد بأهمية الاستدامة في ريادة الأعمال.
المشاريع التي تركز على التكنولوجيا والابتكار لا تزال تحظى باهتمام، لكنها الآن بحاجة إلى إظهار قدرة واضحة على تحقيق أرباح بجانب إمكانياتها للنمو والتوسع.
كيف ترى العلاقة بين ريادة الأعمال والتنمية المستدامة في مصر؟ وهل من الممكن أن تتعاون الشركات الناشئة مع الجهات الحكومية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؟
بالتأكيد، التعاون بين الشركات الناشئة والجهات الحكومية يمكن أن يكون مثمرًا للطرفين، خاصة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
الشركات الناشئة تتميز بالابتكار والمرونة، مما يمكن أن يقدم حلولًا مبتكرة لمشكلات مجتمعية تحتاج إلى تدخل سريع وفعال.
لكن لتحقيق هذا التعاون بشكل فعال، لابد أن تكون هناك لجان حكومية مرنة، تمتلك فكرًا رياديًا، وقادرة على التكيف مع الأساليب الجديدة التي تتبناها الشركات الناشئة. بدون هذا التفاهم والتكيف، قد تكون الفجوة بين الطرفين عائقًا أمام تحقيق النتائج المرجوة.
• ما هي أبرز التحديات التي يواجهها رواد الأعمال في المنطقة العربية بشكل عام؟ وكيف يمكن تعزيز التعاون بين الدول العربية لتوفير بيئة أفضل للابتكار والنمو؟
التعاون بين الدول العربية يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا من خلال إنشاء منصات دعم إقليمية، صناديق استثمار مشتركة، وتوحيد القوانين لتسهيل انتقال المشاريع عبر الحدود.
في Passion Point، نحن نقدم الدعم لكل عربي يحلم ببناء مشروع ناجح قائم على شغفه، بغض النظر عن مكانه في العالم. منصتنا ليست مقيدة بشخص في بلد معين، بل هي مساحة شاملة تهدف إلى تمكين الجميع من تحقيق أحلامهم بغض النظر عن التحديات الجغرافية أو التنظيمية.
ونأمل أن نرى نماذج أخرى مثلنا لمساعدة أكبر عدد ممكن من الناس على تحقيق حلمهم الريادي
رغم أهمية تحسين البيئة العامة، أؤمن أن رائد الأعمال يجب أن يتحلى بالمرونة والقدرة على التكيف مع الظروف الحالية. إذا تحسنت البيئة فهذا رائع، وإن لم تتحسن، يجب عليك أن تجد الطريق لتحقيق حلمك بنفسك.
• كيف يمكن لرواد الأعمال المصريين التأقلم مع التغيرات السريعة في الأسواق العالمية، خاصة في ظل تأثير التقنيات الحديثة مثل الذكاء الصناعي؟
الذكاء الاصطناعي والتطور التكنولوجي يجلبان فرصًا هائلة لتأسيس وتطوير ونمو الأعمال بسهولة غير مسبوقة. كل نشاط الآن يمتلك تطبيقات تكنولوجية تساعد على القيام بمهام كانت معقدة في وقت قياسي وبكفاءة عالية.
أنصح كل رائد أعمال بأن يكون على اطلاع دائم على التطورات التكنولوجية وتطبيقاتها في مجاله حتى يظل دائمًا في الصدارة. ومع ذلك، الأهم من ذلك هو تأسيس مشروعك على أسس سليمة ومستدامة. قوانين النجاح الأساسية لا تتغير، والتكنولوجيا وحدها لا تكفي لإنقاذ مشروع بني على أسس ضعيفة.
عندما تبني مشروعك على فهم عميق لقوانين النجاح، يصبح التطور التكنولوجي أداة قوية لتسريع الابتكار وتحقيق إنجازات أكبر. أما إذا غابت الأساسيات، فلن تتمكن أي تقنية، مهما كانت متطورة، من تحقيق النجاح.
• ما هي أفضل النصائح التي يمكنك تقديمها لرواد الأعمال الجدد في مصر؟ وما هي الأخطاء التي يجب عليهم تجنبها في البداية؟
نصيحتي أن تبدأ بفهم شغفك ورسالتك، ثم تعمل على بناء نظام واضح يساعدك على تحقيقها خطوة بخطوة. تجنب محاولة تقليد الآخرين أو السعي وراء النجاح السريع. النجاح الحقيقي يأتي عندما تركز على تقديم قيمة حقيقية بطريقة بسيطة ومنظمة.
من أكبر الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها رواد الأعمال هو البدء بالمنتج أولاً ثم البحث عن سوق له. هذا النهج يؤدي غالبًا إلى ضياع الموارد والجهود في تطوير منتج قد لا يجد طلبًا حقيقيًا.
أنصح دائمًا بالبدء بتحديد شريحة مستهدفة أنت متحمس لمشكلتهم وتفهم احتياجاتهم بعمق. بعد ذلك، اعمل على تقديم حل يكون أفضل أو يحمل مميزات فريدة لا توجد في البدائل الأخرى. هذا النهج يضمن أن يكون لديك طلب قوي منذ البداية ويزيد من فرص نجاح مشروعك.
• كيف ترى مستقبل ريادة الأعمال في المنطقة خلال السنوات الخمس القادمة؟ وهل تتوقع أن تكون هناك تحولات كبيرة في الأسواق التي يمكن أن تؤثر على نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة؟
حالة عدم الاستقرار والتحديات الاقتصادية العالمية ستضغط بشكل كبير على الشركات الكبيرة التي تواجه أعباء مالية ضخمة وتحتاج لتحقيق أرقام مبيعات كبيرة لتستمر. على العكس، المستقبل هو للمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تتمتع بمرونة أعلى وتكاليف أقل، مما يجعلها قادرة على تحقيق أرباح ممتازة تكفي أصحابها وتؤمن لهم مستقبلًا ماليًا ومهنيًا مستقرًا.
مع التقنيات الحديثة، أصبح من الممكن أن تنجز المشاريع الصغيرة الكثير من المهام بسهولة وتصل إلى جمهور أوسع بتكلفة منخفضة جدًا. هذه الديناميكية تجعل المشاريع الصغيرة أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات والاستفادة من الفرص الجديدة في السوق.
• كيف ترى قدرة الشركات الناشئة في مصر على الاستمرار والنمو في ظل التحديات الاقتصادية الحالية؟
كما ذكرت سابقًا، المفتاح الأساسي لقدرة الشركات الناشئة على الاستمرار والنمو هو تعديل نموذج العمل بحيث يحقق أرباحًا مستدامة في أسرع وقت ممكن.
لا يمكن أن يكون الاعتماد الأساسي لبقاء المشروع على قيد الحياة هو أموال الاستثمار فقط.
الشركات الناشئة التي تستطيع تحقيق الربحية مبكرًا ستتمكن من مواجهة التحديات الاقتصادية بمرونة أكبر.
الربحية تمنح المشروع الاستقلالية والقدرة على التوسع بثقة دون القلق المستمر بشأن تأمين جولات تمويل جديدة.
هذا النهج يخلق أساسًا قويًا للنمو المستدام، بغض النظر عن التحديات الاقتصادية المحيطة.
• في رأيك، ما هو السبب وراء المبالغة في تقييم بعض الشركات الناشئة في الجولات التمويلية الأخيرة؟
لا أرى سببًا حقيقيًا لذلك، فالمبالغة تأتي من الطرفين: أصحاب الشركات الناشئة الذين يبالغون في تقييم شركاتهم، والمستثمرون الذين يضخون أموالًا كبيرة بحثًا عن فرص للنمو السريع.
لكن هذه الظاهرة بدأت بالتراجع مؤخرًا، وأصبح المستثمرون أكثر حذرًا. هناك تركيز أكبر الآن على دعم المشاريع التي تحقق أرباحًا مستدامة، بدلًا من تلك التي تعتمد على النمو فقط دون وجود أساس مالي قوي.
هذا التحول يشير إلى نضوج السوق ووعي أكبر من الجانبين.
• كيف يمكن تحديد قيمة عادلة لشركة ناشئة في مراحلها المبكرة التي لم تحقق أرباحاً بعد؟
إذا كنت مكان صاحب الشركة الناشئة، لن أفكر أبدًا في تقييم شركتي أو طرحها في جولات استثمارية إلا عندما تبدأ بتحقيق أرباح بشكل متصاعد ومستدام.
الربحية ليست مجرد رقم، بل هي دليل على أن نموذج العمل يعمل بنجاح وأن المشروع لديه قيمة حقيقية في السوق. بناءً على هذه الأرباح المستدامة، يمكن حينها تحديد قيمة عادلة تعكس الأداء الفعلي للشركة وفرص نموها المستقبلي. بدون هذا الأساس، التقييم يصبح مجرد تخمين قد يؤدي إلى قرارات خاطئة أو فرصا ضائعة.
• ما هي الآثار المحتملة للتمويل الزائد على القيمة العادلة للشركة الناشئة؟ وكيف يمكن تجنب التضخم في التقييمات؟
التمويل الزائد خطره يكمن في الصرف غير المدروس لمجرد التوسع السريع، ما قد يؤدي إلى فشل سريع إذا تباطأ الحصول على استثمارات جديدة.
هذا النوع من الإنفاق يجعل الشركة تعتمد على رأس المال الخارجي بدلاً من بناء أساس مالي مستدام.
لتجنب التضخم في التقييمات، يجب أن يكون التركيز على الربحية وليس على معدلات النمو فقط.
من الضروري أن تبيع الشركات الناشئة خدماتها أو منتجاتها بأسعار حقيقية تحقق الأرباح بدلاً من تقديمها بأسعار منخفضة بهدف جذب شريحة أكبر من السوق. النمو المستدام يجب أن يكون مدعومًا بأرقام تعكس أداءً ماليًا حقيقيًا، وليس مجرد استراتيجيات للحصول على الحصة السوقية.
• ما هي أبرز التحديات التي تواجه الشركات الناشئة عند محاولة الوصول إلى تقييم عادل أثناء جولات التمويل؟
أكبر تحدٍ هو الاعتماد على قوالب جاهزة سواء في طريقة العرض أو في معادلات التقييم.
هذا النهج يفتقر إلى إبراز التميز الحقيقي للشركة ويجعل التقييم أقل دقة.
لتحقيق تقييم عادل، يجب على الشركات أن تقدم عرضًا مختلفًا وجذابًا يعكس أرقامًا واقعية وتوقعات مبنية على أداء العمل الفعلي.
التركيز يجب أن يكون على الأرباح، ونموذج العمل المستدام، والقيمة التي يقدمها المشروع، بدلاً من الاعتماد على مقارنات سطحية مع تقييمات شركات مشابهة.
هذا النهج يمنح المستثمرين صورة واضحة عن إمكانيات الشركة الحقيقية ويزيد من مصداقيتها.
• كيف ترى تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على قدرة الشركات الناشئة في مصر على الحصول على التمويل اللازم للنمو والتوسع؟
ارتفاع أسعار الفائدة يقدم للمستثمرين بدائل أكثر أمانًا وسهولة، مثل الاستفادة من العوائد المرتفعة في البنوك. هذا يجعل المستثمرين أكثر حرصًا وانتقاءً عند اختيار الشركات الناشئة التي يستثمرون فيها.
نتيجة لذلك، يجب على الشركات الناشئة أن تكون أكثر وضوحًا وجاذبية في عرض قيمة مشاريعها، مع التركيز على نماذج عمل مستدامة وأرباح حقيقية، لإقناع المستثمرين بجدوى الاستثمار فيها رغم توفر البدائل الأقل مخاطرة.
• كيف ترى دور الحكومة المصرية في دعم الشركات الناشئة؟ هل هناك سياسات فعالة تدعم الابتكار وريادة الأعمال؟
أرى توجهًا داعمًا من الحكومة المصرية نحو الشركات الناشئة، ولكن هذا التوجه يحتاج إلى خطوات أسرع في التشريعات والتسهيلات. على الحكومة أن تركز على محاكاة بيئات ريادة الأعمال الخارجية الجاذبة للشركات الناشئة، خاصة من خلال تقديم تسهيلات ضريبية وإجراءات تراخيص أكثر مرونة.
دعم الابتكار وريادة الأعمال لا يتوقف عند توفير التمويل أو المبادرات، بل يتطلب نظامًا متكاملًا يسهل على الشركات الناشئة النمو والتوسع دون مواجهة عقبات بيروقراطية قد تعطل تقدمها. السرعة والمرونة هما العنصران الرئيسيان لتفعيل هذا الدعم بشكل حقيقي.