كتب:محمد بدوي
اختتمت أمس فعاليات النسخة الأولى من قمة ومعرض “عالم الذكاء الاصطناعي 2025” في الإمارات العربية المتحدة، بعد سلسلة من النقاشات الملهمة والمحفزة للتفكير، إلى جانب استعراض أحدث التطبيقات الثورية غير المسبوقة، ما عزز مكانة الدولة كمركز عالمي رائد للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي.
ويُعد المعرض، الذي تنظمه شركة “كون العالمية” بالتعاون مع “جيتكس جلوبال”، الحدث الأبرز والأكثر إثارة في مجال الذكاء الاصطناعي هذا العام.
وعلى مدار ثلاثة أيام حافلة بالفعاليات بين أبوظبي ودبي، قدم المعرض تجربة استثنائية نالت استحسان الحضور والخبراء، حيث سلط الضوء على التحولات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، والتغيرات الجوهرية في الأسواق، والإمكانات اللامحدودة لهذه التكنولوجيا.
وشهد اليوم الختامي، الذي أقيم في مركز دبي للمعارض بمدينة إكسبو، مناقشات معمقة بمشاركة نخبة من الخبراء العالميين، ركزت على تأثير الذكاء الاصطناعي في تسريع التقدم التكنولوجي، مع مراعاة الفوائد المجتمعية لهذه التطورات.
كما تناولت الجلسات، التي شهدت حضوراً كثيفاً، التحديات المرتبطة بالبيانات السيادية لكل دولة، وأهمية تقديم تعليم وتدريب عالمي المستوى، بالإضافة إلى تطوير مسارات مهنية متميزة في مجال الذكاء الاصطناعي.
الريادة في المحادثات وتشكيل المستقبل
وناقش أليسيو باجناريسي، نائب رئيس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة أوراكل، الأهمية الجوهرية للذكاء الاصطناعي السيادي للدول، مشيداً بدولة الإمارات العربية المتحدة بوصفها نموذجاً عالمياً يُحتذى به.
وأكد قائلاً: “الذكاء الاصطناعي السيادي ليس خياراً، بل ضرورة استراتيجية. يجب على الدول ضمان خلو مجموعات البيانات والخوارزميات من أي تحيزات خارجية، مع مراعاة البعد الثقافي الوطني، وفهم التراث، ودعم اقتصاد المعرفة. فالبشر هم الأصول الأهم في أي منظمة أو دولة، ودولة الإمارات تسخّر الذكاء الاصطناعي لتمكين مواطنيها والمقيمين فيها، وتعزيز الازدهار، ودفع عجلة التنوع الاقتصادي.”
إلى جانب الذكاء الاصطناعي السيادي، برزت قضية الذكاء الاصطناعي الأخلاقي والعادل كموضوع نقاش ساخن.
فوفقاً لتقرير حديث صادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات، لا يزال ثلث سكان العالم غير متصلين بالإنترنت، مما يشير إلى ضرورة التغلب على تحديات كبيرة لضمان إتاحة الذكاء الاصطناعي للجميع.
وأكدت ريما مناع، نائب الرئيس للبنية التحتية للشبكات في الشرق الأوسط ومديرة دولة الإمارات العربية المتحدة في نوكيا، على هذا الجانب بقولها: “يجب أن يكون الذكاء الاصطناعي حقاً أساسياً من حقوق الإنسان. لماذا؟ لأن هذه التكنولوجيا تحمل إمكانات هائلة يمكن تسخيرها لخدمة البشرية.
وأضافت علينا ربط غير المتصلين وتمكين الفئات المحرومة عبر منظومة تعاونية من الشركاء ذوي الرؤية المشتركة، مما يعزز المعرفة بالذكاء الاصطناعي ويشجع التعاون عبر الحدود والصناعات، وبالتالي يضمن إتاحته للجميع.”
من جانبه، شدد عمار المالك، نائب الرئيس التنفيذي للتأجير التجاري في مجموعه تيكوم، على أهمية التوطين والتعليم وإمكانية الوصول في تحقيق الذكاء الاصطناعي العادل.
وأوضح خلال حديثه: “العنصر المجتمعي للذكاء الاصطناعي بالغ الأهمية، لذا لتحقيق العدالة في الذكاء الاصطناعي، لا بد من وجود مؤسسات ومبادرات تعليمية جنباً إلى جنب مع مجتمع من الشركات ذات الرؤية المتشابهة داخل الإطار القانوني لكل دولة.
وتابع خذوا الإمارات مثالًا؛ هناك العديد من المبادرات والبرامج التدريبية التي تعمل على تأهيل الملايين. فالتعليم ركيزة أساسية، وكذلك التوطين.
وأضاف لا يمكننا فرض نموذج موحد عالميًا، بل يتعين على كل دولة تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي تتماشى مع احتياجاتها، مع توفير تعليم عالمي المستوى وبيئة داعمة تحفّز النمو والتطوير وتفتح آفاقًا جديدة من الداخل”.
فرصة بقيمة 15.7 تريليون دولار
شكل مؤتمر “قادة الذكاء الاصطناعي العالمي” محوراً رئيسياً ضمن فعاليات المعرض، في وقت يشهد فيه العالم تحولاً جذرياً تقوده تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي يُتوقع أن تضيف 15.7 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030،
وفقاً لتقديرات شركة “بي دبليو سي” (PWC). وقد تصدّر الذكاء الاصطناعي المشهد، مؤكدًا على أهمية التوسع الاستراتيجي في تطبيقاته المتقدمة لتعزيز العمليات على نطاق عالمي.
وفي ظل سعي الدول إلى تسريع التحول الاجتماعي والاقتصادي مع وضع الذكاء الاصطناعي في صدارة الأولويات، استعرض ستيفن بيرت، كبير مسؤولي البيانات في الحكومة الكندية، النهج الكندي في توظيف إمكانات الذكاء الاصطناعي في القطاع العام.
وأوضح بيرت أن “نهجنا يقوم على مبادئ أساسية تركز على الإنسان، والتعاون، والاستعداد، والمسؤولية.
نطمح إلى بناء منظومة ذكاء اصطناعي في القطاع العام تكون متينة أمام التقلبات التكنولوجية ومستعدة للمستقبل.
ولتحقيق ذلك، نعمل بشكل وثيق مع مختلف الجهات، من القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية ومعاهد الأبحاث إلى النقابات العمالية والمجتمعات الأصلية، لضمان أن يكون للمواطنين دور فاعل في رسم ملامح مستقبل الذكاء الاصطناعي لدينا”.
وفي سياق آخر ضمن معرض “عالم الذكاء الاصطناعي 2025″، استعرضت أكثر من 500 شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك شركات ناشئة، حلولاً مبتكرة تقدم حالات استخدام عملية غير مسبوقة.
ومن بين هذه الشركات، برزت “إي آند”، الشركة العالمية الرائدة في مجال الاتصالات والتكنولوجيا، التي تستفيد من الذكاء الاصطناعي والشراكات الاستراتيجية لتحسين الشبكات، وتعزيز التحول الرقمي، وتطوير المدن الذكية، وتعزيز الأمن السيبراني، وأتمتة الأعمال.
وفي هذا السياق، كشف أميت جوبتا، نائب الرئيس للذكاء الاصطناعي والتحليلات المتقدمة وإدارة العملاء في “إي آند” الإمارات العربية المتحدة، قائلًا: “من خلال “إي آند إنتربرايز”، قمنا بتنفيذ أكثر من 200 حالة استخدام للذكاء الاصطناعي عبر مختلف الصناعات، مع التركيز على القطاعات المصرفية والتأمين وتجارة التجزئة والقطاع العام.
وأضاف حالياً، لا تزال حوالي 80% من حالات الاستخدام تعتمد على الذكاء الاصطناعي التقليدي، بينما تتراوح نسبة اعتماد الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي بين 15% و20%. ومن هذا المنطلق، نشهد بالفعل قيمة هائلة، خاصة فيما يتعلق بتحسين تجربة العملاء”.
كل الطرق تؤدي إلى عالم الذكاء الاصطناعي 2026
بينما يُقيّم مجتمع الذكاء الاصطناعي الدولي تأثير ونجاح قمة ومعرض “عالم الذكاء الاصطناعي 2025″، الذي عُقد تحت شعار “موجة التغيير الكبرى: الذكاء الاصطناعي في كل شيء”، تتجه الأنظار نحو النسخة المقبلة وما قد تحمله من تقنيات متطورة ومناقشات ملهمة.
وفي أعقاب الإعلان عن انعقاد “عالم الذكاء الاصطناعي 2026” حصرياً في عاصمة الإمارات العربية المتحدة، بمركز “أدنيك للمعارض والمؤتمرات” في أبوظبي، سارعت العديد من شركات الذكاء الاصطناعي العالمية الرائدة إلى تأكيد مشاركتها.
وكان من أبرزها إعلان “دل تكنولوجيز” يوم الخميس عن حضورها الرسمي، مما يجدد التزامها المستمر بتعزيز الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، في ظل التحول الرقمي العالمي غير المسبوق عبر مختلف الصناعات.
وسيُقام الحدث القادم بشراكة استراتيجية مع دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، مستنداً إلى النجاح الكبير الذي حققته نسخة 2025، حيث اجتمع قادة الصناعة والمبتكرون والمستثمرون العالميون لتسريع تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز اقتصاد الذكاء الاصطناعي المستقبلي، وترسيخ مكانة الإمارات العربية المتحدة كمركز عالمي رائد للابتكار في هذا المجال.