«فاينانشيال تايمز» : الصين تقلب موازين الذكاء الاصطناعي

فينتك جيت:وكالات

تشهد الساحة التقنية في الأسابيع الأخيرة ظاهرة فريدة من نوعها، حيث تقوم شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة، مثل علي بابا وبايدو وتينسنت، بعرض نماذج ذكاء اصطناعي فائقة القوة وتتيحها أمام الجميع.

والأمر الأكثر إثارة للدهشة، في صناعة تقوم عادة على الاحتكار والسرية، هو أن هذه النماذج المتقدمة متاحة بالكامل للاستخدام والتعديل والتطوير دون أي قيود.

وتتواصل هذه الحملة الصينية دون توقف. فمنذ ظهور «ديب سيك آر1» في يناير – النموذج الذي يمثل الرد الصيني على سلسلة «أو1» من «أوبن إيه آي الأمريكية» – تدفقت موجة من النماذج المتطورة بشكل متتالٍ.

وتؤكد شركة علي بابا أن نموذجها الأخير «كيو دبليو كيو – 32 بي» ينافس بقوة نظيره «ديب سيك» مع تسجيله نتائج متميزة في المعايير القياسية.

وكل أسبوع يمر يأتي بنموذج جديد يرفع سقف إمكانيات الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر.

للوهلة الأولى، قد تبدو هذه الموجة من الانفتاح وكأنها إعلان مبدئي بأن الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون متاحاً للجميع، وليس حكراً على حفنة من الشركات.

لكن في عالم الأعمال والعلاقات الدولية، نادراً ما يأتي مثل هذا الكرم دون حسابات استراتيجية. والسؤال الحقيقي ليس هو: لماذا تتجه الصين نحو الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر؟ بل لماذا افترض العالم أنها لن تفعل ذلك؟

حتى الآن، تتعامل معظم المجموعات التكنولوجية الأمريكية مع الذكاء الاصطناعي كمورد حصري، حيث تقيد الوصول إلى نماذجها الأكثر تطوراً خلف جدران الدفع.

وتحد شركات مثل «أوبن إيه آي» و«جوجل ديب مايند» و«أنثروبيك» من الوصول الكامل إلى نماذجها المتقدمة، وتقدمها عبر خطط كالاشتراكات المدفوعة والصفقات المؤسسية.

كما تنظر الحكومة الأمريكية إلى الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر باعتباره مخاطرة أمنية، خشية تطويع النماذج غير المنظمة لتصبح أسلحة إلكترونية.

وبالفعل، يسعى المشرعون الأمريكيون لحظر برمجيات «ديب سيك» من الأجهزة الحكومية، متذرعين بمخاوف الأمن القومي.

إن المجموعات التكنولوجية الصينية تتبنى نهجاً مختلفاً تماماً، فمن خلال إتاحة نماذج الذكاء الاصطناعي كمصدر مفتوح، فإنها لا تتجاوز العقوبات الأمريكية فحسب، بل تعيد هيكلة عملية تطوير الذكاء الاصطناعي عالمياً، وذلك بالاستفادة من المواهب العالمية لتحسين نماذجها.

وحتى القيود المفروضة على الرقائق المتقدمة مثل تلك التي تنتجها «إنفيديا» تصبح أقل تأثيراً، طالما أن هناك إمكانية لتدريب النماذج الصينية على أجهزة بديلة.

ويتطور الذكاء الاصطناعي من خلال التكرار والتحسين المستمر. وكل إصدار جديد يبنى على سابقه، ليعالج نقاط الضعف، ويعزز القدرات، ويحسن الكفاءة. وبإتاحة نماذجها كمصدر مفتوح، تخلق المجموعات التكنولوجية الصينية بيئة يقوم فيها المطورون حول العالم بتحسين نماذجها باستمرار — دون أن تتحمل هي وحدها كل تكاليف التطوير.

وقد يقلب هذا التوجه الصيني موازين القوى الاقتصادية في عالم الذكاء الاصطناعي رأساً على عقب. فعندما تضاهي النماذج المفتوحة قدرات النماذج الاحتكارية الأمريكية، ينهار أساس الربح من هذه التقنية، إذ ببساطة: لماذا يدفع أحد ثمن خدمة يمكن الحصول عليها مجاناً بالكفاءة نفسها؟

وتلوح هذه الاستراتيجية في يد بكين كسلاح فتاك في صراعها التقني مع واشنطن، فالشركات الأمريكية التي تبني إمبراطورياتها على بيع تراخيص وخدمات باهظة، ستجد نفسها في منافسة مدمرة – حيث تتضاءل الأرباح رغم انتشار التقنية.

لكن هذا النهج ليس بلا مخاطر، فانتشار النماذج المجانية يفتح الباب أمام منافسين أجانب لتطوير هذه النماذج الصينية نفسها ومنافسة مبتكريها الأصليين.

وقد يأتي وقت تضطر فيه عمالقة التكنولوجيا الصينية مثل علي بابا وبايدو وتينسنت إلى التراجع عن هذا الانفتاح لحماية ابتكاراتها وضمان مصادر الدخل.

وبعيداً عن تعقيدات السوق، قد تعيد بكين نفسها النظر في هذا التوجه.

فالحكومة الصينية، المعروفة بحرصها على التحكم في التقنيات الاستراتيجية، قد تفرض ضوابط أكثر صرامة على الذكاء الاصطناعي للسيطرة على المعلومات وضمان تماشيها مع توجهات الدولة.

رغم ذلك، يبقى الانفتاح التقني خيار الصين الأمثل في الوقت الراهن – استراتيجية ذكية للمنافسة دون امتلاك أفضل الرقائق أو ميزة الريادة في هذا المجال.

إن اندفاع الصين نحو الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر لم يكن مجرد مصادفة، بل ردة فعل على نافذة فرص آخذة في الانغلاق. فمع توجه الولايات المتحدة إلى فرض مزيد من القيود على تصدير الرقائق والتكنولوجيا المتقدمة تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، وفي ظل تزايد هيمنة الشركات الأمريكية على نماذج الذكاء الاصطناعي الحصرية، أصبح أمام الصين خيار واحد: السرعة والانتشار الواسع.

ومن خلال إغراق السوق بالنماذج المفتوحة، تسعى الصين إلى إعادة التوازن قبل أن تترسخ الاحتكارات العالمية في هذا المجال.

وإذا كانت شركات مثل «أوبن إيه آي» و«جوجل» و«مايكروسوفت» قد حسمت سباق الذكاء الاصطناعي بالشكل الذي نعرفه، فإن أفضل خطوة للصين ليست المنافسة على قواعدهم — بل جعل الفوز نفسه بلا معنى.

اقرا ايضا:

ديب مايند: الذكاء الاصطناعي سيصل مستوى القدرات البشرية خلال 10 سنوات

«بوسطن كونسلتينج جروب»: تعتزم 25% من شركات دول الخليج استثمار أكثر من 25 مليون دولار في الذكاء الاصطناعي خلال 2025

شركة «xAI» المملوكة لإيلون ماسك تستحوذ على «Hotshot» المتخصصة في إنشاء الفيديوهات بالذكاء الاصطناعي

شركة «Walletry.ai» الإماراتية تطلق أول محفظة رقمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي