فينتك جيت :أحمد أبو علي
في مشهد يعيد للأذهان اضطرابات ما بعد جائحة كورونا، تلقّى سوق العقارات العالمي ضربة مفاجئة ومربكة مع قيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية شاملة على الواردات، بما في ذلك مواد البناء والسلع الاستراتيجية التي تدخل في صناعة وتطوير العقارات ، ومع تزايد المخاوف العالمية من موجة حمائية اقتصادية جديدة بدأت تتسرب إلى أروقة قطاع التطوير العقاري، ليصفها مراقبون بأنها “أكبر تهديد منذ جائحة كورونا” التي عصفت بالأسواق العالمية في 2020.
وتشير مسودة مقترح السياسة التجارية الذي نشره معهد “أمريكا أولاً” (المقرب من ترامب)، إلى أن الرسوم ستشمل مواد البناء مثل الحديد والصلب والأسمنت والأخشاب والمنتجات الكيماوية، وهي أساسيات في مشاريع البناء السكني والتجاري حول العالم.
كيف تهدد هذه الرسوم سوق العقارات العالمي؟
من المتوقع ارتفاع تكلفة البناء عالميًا بنسبة قد تصل إلى 18–25% ، و بحسب تحليل نشره موقع Construction Dive، فإن كل 10% زيادة في تكلفة المواد الأولية تعني زيادة مباشرة لا تقل عن 7% في تكلفة الوحدة العقارية النهائية ، وفي الولايات المتحدة وحدها، تشير التقديرات إلى أن أسعار المنازل قد ترتفع بمعدل يتراوح بين $25,000 – $45,000 لكل وحدة خلال أول عام من تطبيق الرسوم.
ضغوط إضافية على الأسواق الناشئة
وفي الدول النامية، التي تعتمد بشكل رئيسي على استيراد مواد البناء، ستتأثر بشدة ، ففي مصر مثلًا، يمثل الحديد المستورد نحو 35% من احتياجات السوق المحلي، بينما تستورد نسبة كبيرة من المنتجات التكنولوجية المستخدمة في المدن الذكية من الصين وتركيا ، كما أنه من المتوقع تأثر خطط التوسع العمراني في الشرق الأوسط ؛ فعلي سبيل المثال هناك مشاريع كبرى مثل نيوم في السعودية، والعاصمة الإدارية الجديدة في مصر، و”ذا لاين” و”روسان” تعتمد على استيراد مكثف للتكنولوجيا والمعدات ، كما أن ارتفاع التكاليف قد يدفع الشركات إلى إعادة تقييم الجدوى الاقتصادية لبعض المشاريع، وتأجيل مراحل التنفيذ.
هل يعود الركود العقاري العالمي؟
رغم أن سوق العقارات تعافى نسبيًا من أزمة كورونا، فإن رسوم ترامب قد تُحدث صدمة مشابهة أو حتى أكبر، لأسباب عدة ، منها تشديد شروط الإقراض العقاري في حال ارتفعت الأسعار ، وكذلك خروج مستثمرين أجانب من أسواق العقار الأمريكية والكندية نتيجة ضبابية السياسة التجارية ، هذا بالاضافه إلي ضعف القدرة الشرائية بسبب ارتفاع الفائدة عالميًا ، حيث أن الفيدرالي الأمريكي أشار لإمكانية الإبقاء على سعر الفائدة المرتفع حتى 2026،
أرقام مرعبة
يتوقع تقرير Goldman Sachs يتوقع أن تؤدي هذه الرسوم إلى تباطؤ نمو قطاع البناء في أمريكا بنسبة 2.5% سنويًا حتى 2027 ، كما أن السوق الصيني قد يخسر أكثر من $120 مليار من صادرات مواد البناء في حال تم تطبيق الرسوم ، كما أن بنك UBS السويسري توقع أن الأسعار العالمية لمواد البناء سترتفع بمعدل 30% خلال أول 18 شهرًا من عودة الحمائية الأمريكية، وكذلك زيادة تكلفة مواد البناء عالميًا بنسبة تتراوح بين 18–25%.
، هذا بالاضافه إلي تأجيل أو إعادة جدولة مشروعات عمرانية كبرى في الشرق الأوسط وأفريقيا ، وكذلك ارتفاع أسعار الوحدات العقارية بنحو 7–10% عالميًا، وحتّى 15% في الأسواق المعتمدة على الاستيراد ، كما أن تقارير Goldman Sachs وUBS تتوقع ركودًا عقاريًا جديدًا في حال تم تنفيذ هذه السياسات، مقارنةً بأزمة ما بعد كورونا.
فرص أم تهديد؟.. الأسواق تبحث عن بدائل
فعلي الرغم من التهديدات، يرى البعض أن هناك فرصة للأسواق البديلة لتعويض الخسائر، ومن أبرزها الأسواق المحلية التي قد تُعزز صناعات بديلة لمواد البناء ، وكذلك شركات التطوير العقاري في أفريقيا وآسيا التي تعتمد على الإنتاج المحلي قد تستفيد من تراجع المنافسين العالميين ، وأيضا التوسع في استخدام المواد البديلة وتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد لتقليل التكاليف.
لماذا يشكّل الأمر تهديدًا حقيقيًا؟
ولاشك أن المواد التي تشملها الرسوم مثل الحديد، الصلب، الأخشاب، والمعدات الذكية تدخل في صلب عمليات التطوير العقاري والبنية التحتية، ما يعني أن أي زيادة في تكلفتها ستنعكس فورًا على أسعار العقارات، التمويل، وخطط التنمية ، كما أن الأسواق الناشئة في مرمى الخطر مثل مصر، الإمارات، السعودية، وتركيا من بين الأسواق الأكثر تأثرًا، خصوصًا في ظل تنفيذ مشاريع قومية عملاقة تعتمد على مكونات مستوردة.
القطاع العقاري عالميا أمام مفترق طرق
“وأخيرا ؛ فإن رسوم ترامب” المحتملة تمثل زلازل اقتصادية مرتقبة قد تترك آثارًا عميقة في سوق العقارات العالمي، من الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط وآسيا ، ورغم أن تطبيق هذه السياسات ليس مؤكدًا بعد قرارات ترامب مؤخرا عن إمكانيه إرجاء تطبيقها لمده 90 يوما ، فإن مجرد التلويح بها يُحدث اضطرابًا في حسابات المستثمرين والمطورين والمصارف ، فهل يكون هذا هو الركود العقاري الثاني بعد كورونا؟ أم يتحول التهديد إلى فرصة لإعادة تشكيل خريطة صناعة العقارات عالميًا ، فالأشهر القادمة ستكشف الكثير.
اقرا ايضا:
د. محمد راشد يكتب: نظام الملكية الجزئية للعقارات – فرصة واعدة لتحقيق نمو في السوق العقاري المصري
تعيين «إبراهيم الراشد» رئيساً تنفيذياً لبنك «المنشآت الصغيرة والمتوسطة» في السعودية
د.محمد راشد يكتب : تراجع أسعار العقارات في الصين قد يُنذر بتصحيحات اقتصادية مؤلمة
دكتور محمد راشد يطالب بإنشاء بورصة للعقارات في مصر لتعزيز جذب الإستثمارات الأجنبية