محمد الأتربي رئيس إتحاد المصارف العربية: تعزيز الشراكة العربية الأوروبية لم يعد ترفا بل ضرورة تفرضها تعقيدات المرحلة الحالية
فنتيك جيت: مصطفى عيد
أكد محمد الأتربي رئيس مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية أن إنعقاد القمة المصرفية العربية الدولية اليوم في العاصمة الفرنسية باريس وبرعاية كريمة من فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية السيد إيمانويل ماكرون تحت عنوان: “الصمود الإقتصادي في ظلّ المتغيّرات الجيوسياسية”، يجسد عمق العلاقة بين المنطقتين ويؤكّد مجدداً أنّ الشراكة العربية الأوروبية ليست مجرد خيار إستراتيجي، بل هي ضرورة تفرضها تحديات الحاضر وطموحات المستقبل.
وقال الأتربي: “لقد شكّلت العلاقات الإقتصادية بين العالم العربي وأوروبا على مدى عقود طويلة ركيزة أساسية للإستقرار والنموّ، ولكننا اليوم أمام منعطف جديد يتطلّب منا جميعاً تعزيز هذه العلاقات ودعم الصمود الإقتصادي في ظلّ التطوّرات الجيوسياسية الحاصلة إقليمياً ودولياً على أسس أكثر مرونة وإبتكاراً وشمولية”.
أضاف أن دور القطاع المصرفي العربي والأوروبي يأتي كرافعة للتنمية، وكمحرّك رئيسي لتعزيز الإستثمارات المتبادلة التي بلغت خلال العام 2024 وحده 24 مليار دولار، إضافة إلى تسهيل حركة رؤوس الأموال، ودعم المشاريع المستدامة، لا سيّما في مجالات الإقتصاد الأخضر، والتحوّل الرقمي والطاقة المتجدّدة.
أشار إلى أن إتحاد المصارف العربية، بصفته منصّة تجمع المؤسسات المالية والمصرفية العربية، يؤمن بأهمية بناء جسور الثقة والتكامل مع نظرائه الأوروبيين، والعمل على إيجاد آليات فاعلة للتعاون المشترك، سواء عبر تطوير الأدوات التمويلية، أو توسيع مجالات الحوار، والتنسيق حول التشريعات والمعايير المصرفية.
وأكد أن الشراكة المنشودة بين المنطقتين لا يمكن أن تقتصر على الجوانب الإقتصادية فحسب، بل يجب أن تشمل بعداً إنسانياً وتنموياً يُعزّز من التفاهم المتبادل ويُكرّس قيم التعاون من أجل مستقبل أكثر إستقراراً وإزدهاراً، إلاّ أنّ تحويل هذا التعاون من مجرد مصالح مشتركة إلى ثقافة راسخة، يتطلّب رؤية شاملة وجهوداً منهجية تتضمّن بناء الثقة من خلال الشفافية والتكامل، وتوجيه الإستثمارات نحو مشاريع تنموية مشتركة، إطلاق صناديق إستثمار عربية أوروبية، إضافة إلى تعزيز التعليم والتبادل الثقافي لبناء جسور دائمة. والمطلوب اليوم في هذا المجال، إرادة سياسية واضحة، ورؤية إقتصادية بعيدة المدى، وأدوات تنفيذية عملية، تحوّل هذه الشراكة من فرصة كامنة إلى واقع ملموس يخدم شعوب المنطقتين.
أوضح أنه في ظل التطوّرات الجيوسياسية والاقتصادية الراهنة، يشهد العالم تغيرات عميقة تفرض علينا، كدول عربية وأوروبية، أن نعيد التفكير في أنماط التعاون والشراكة. فقد عانت عدة دول عربية خلال السنوات الأخيرة من أزمات حادة – فالوضع في لبنان لا يزال يعاني من الجمود الاقتصادي، والسودان يشهد صراعاً داخلياً مدمّراَ يهدد الاستقرار الإقليمي، كما أن آثار النزاعات في اليمن ما زالت تُلقي بظلالها على المنطقة، ونتطلّع قدماً إلى إعادة إزدهار سوريا.
ولفت إلى أن القارة الأوروبية لا تزال تواجه تحديات غير مسبوقة نتيجة تداعيات الحرب في أوكرانيا، والتي أثرت على سلاسل الإمداد العالمية وأعادت ترتيب أولويات الأمن والطاقة، فضلًا عن التحديات المتعلقة بالتضخم، والهجرة، والأمن الغذائي والطاقي، علاوة على ذلك، أدّى رفع التعرفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على الواردات من جميع دول العالم إلى صدمة تجارية وإقتصادية، وهدّدت بتراجع حجم التجارة الدولية، وربما حتى قطعها.
وقال الأتربي: “كل هذه التحديات تُبرز، بشكل واضح، أهمية تعزيز التكامل العربي–الأوروبي، ليس فقط من أجل تبادل المنافع الاقتصادية، بل كضرورة استراتيجية لضمان الاستقرار الإقليمي والدولي. فالاستثمارات العربية في أوروبا، التي تجاوزت في بعض الحالات عشرات المليارات من الدولارات، تلعب دوراً محورياً في دعم النمو الأوروبي، وفي المقابل تفتح الأسواق الأوروبية فرصًا نوعية للدول العربية لتنويع اقتصاداتها ونقل التكنولوجيا والمعرفة”.
وأكد: “إننا نتطلّع من هذه القمة إلى زيادة الثقة المتبادلة بين الدول العربية ودول الإتحاد الأوروبي، وعلى رأسها فرنسا، وتعزيز التعاون في كافة المجالات سواء كانت إقتصادية أو إجتماعية، حضارية أو ثقافية، تكنولوجية أو علمية، وبالأخصّ تجارية، بما يؤدّ ي إلى دعم الصمود الإقتصادي في ظلّ التحديات التي تمرّ بها المنطقة والعالم، لا سيّما في القطاع المصرفي العربي الذي يظلّ العامل الرئيسي للتمويل. ويبقى إتحاد المصارف العربية مستعداً للمضي قدماً على طريق الشراكة المتوسطية، والمنفعة المتبادلة للفرص، ومواجهة التحديات التي تشهدها منطقتنا العربية. ولنا كبير الأمل لتقوم أوروبا الموحّدة بالدور المستقل من أجل تحقيق التوازن لصالح الأهداف الإنسانية في تحقيق العدالة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، وحماية السلام والإستقرار الإقليميين”.