أحمد الخلافي المدير العام لـ «هيوليت باكارد إنتربرايز » يكتب: كيف تعيد البنى التحتية تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي الهجين

بقلم: أحمد الخلافي، المدير العام لشركة هيوليت باكارد إنتربرايز في الإمارات وأفريقيا

في حين تتجه المزيد من الشركات نحو تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي لدفع عجلة الابتكار، يتجاهل كثيرون أهمية البنية التحتية الرقمية اللازمة لدعم طموحاتهم.

ورغم قدرة الذكاء الاصطناعي على إحداث تحول جذري في القطاعات، إلا أن الاعتقاد السائد بأنه يعمل حصريًا ضمن بيئات السحابة هو مفهوم خاطئ قد يحول دون الاستفادة من إمكاناته الكاملة.

في الواقع، يعتبر دمج الحوسبة السحابية الهجينة والحوسبة الطرفية خطوة بالغة الأهمية للاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي الكاملة، حيث يوفر للشركات المرونة والسعة التخزينية والقدرة الحوسبية الهائلة، إلى جانب معايير الأمان اللازمة لمعالجة وتخزين كميات ضخمة من البيانات.

في دول الخليج، تشير التقديرات إلى أن مساهمة الذكاء الاصطناعي ستبلغ نحو 150 مليار دولار سنويًا، أي ما يشكل أكثر من 9% من الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج كافة. وتشكل تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي ما بين 21 مليار دولار و35 مليار دولار، أي ما يعادل 1.7% إلى 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي غير النفطي لاقتصادات دول الخليج اليوم. ولكن، للاستفادة الكاملة من هذه القيمة، لا بد من توافر الإدارة الفعالة للبيانات وقدرات المعالجة السريعة.

ولتلبية هذه المتطلبات، تعتمد تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحديثة بشكل متزايد على بنية السحابة الهجينة التي تخول المؤسسات إدارة بياناتها بفعالية من خلال معالجة التحديات الرئيسية المتعلقة بحوكمة البيانات، تسريع زمن الاستجابة، وإدارة التكاليف.

ومن خلال تبني هذا النهج الهجين، يمكن للمؤسسات اعتماد وتوسيع نطاق أحمال الذكاء الاصطناعي التشغيلية ضمن بيئات مختلفة، سواء في السحابة أو في الموقع أو على الشبكات الطرفية، وإدارتها بفعالية وكفاءة أكبر من الناحيتين التشغيلية والمالية، مما يُحقق قيمة كبيرة لأعمالها.

بالرغم من أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي المتاحة للعامة قد تحسنت من ناحية منح المستخدمين القدرة على التحكم في بياناتهم، إلا أنه لا يزال هناك مخاوف من أن تكشف برامج المحادثة الآلية عن غير قصد رموزًا خاصة أو معلومات حساسة.

ولكن من خلال اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في بيئة سحابية هجينة والاحتفاظ بالبيانات الحساسة والقيّمة داخل مقرات العمل أو ضمن سحابة خاصة، وإدارة الوصول إلى البيانات، يمكن للمؤسسات تقليل مخاطر التسريبات الخارجية بشكل كبير وضمان الامتثال لقوانين حماية البيانات والخصوصية.

تتعامل أنظمة الذكاء الاصطناعي غالبًا مع مجموعات بيانات ضخمة ومعقدة وحساسة جدًا، خصوصًا في القطاعات المنظمة مثل الرعاية الصحية والخدمات المالية والحكومة، حيث يعتبر التحكم الكامل في البيانات أمرًا حاسمًا. في هذه الحالات، تدعم السحابة الخاصة أو المحلية بروتوكولات أمان صارمة، وتقلل من مخاطر الامتثال، وتضمن الالتزام الدقيق بالقوانين المحلية لحماية البيانات.

فعلى سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي المدرب من قبل بنك الكشف عن عمليات الاحتيال باستخدام بيانات المعاملات الخاصة به، حيث تمنع بيئة التدريب الآمنة هذا النوع من الهجمات.

هذا النهج يوفر حماية فعالة للبنك من تسريب البيانات، إذ يمنع المهاجمين من إدخال بيانات تدريب مضللة تهدف إلى إضعاف دقة الذكاء الاصطناعي، كما يحد من محاولات ما يعرف ب”عكس النموذج”، والتي يسعى من خلالها أطراف خارجية لاختراق النموذج وسرقة منطق اكتشاف الاحتيال الفريد الذي يعتمده.

هذا التدريب الداخلي يجعل مهمة المهاجمين لاختراق أو نسخ نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص أكثر صعوبة، مما يحمي استثمار البنك ويعزز أمنه.

تتطلب العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي معالجةً آنية وفترة استجابة سريعة، خصوصًا تلك المطلوبة للتحليلات الفورية، والروبوتات، وأجهزة إنترنت الأشياء.

ولكن تحقيق هذه السرعة يتطلب مستوى عال من الرؤية المستمرة، والأتمتة الشاملة، والقدرة على معالجة كمياتٍ ضخمة من البيانات في الوقت الفعلي، مما قد يُشكّل تحديًا لانتقال البيانات عبر الشبكات إلى خوادم بعيدة.

فعلى سبيل المثال، لضمان كفاءة الكاميرات المدعومة بالذكاء الاصطناعي المخصصة لفحص الجودة على خطوط الإنتاج الصناعية عالية السرعة، يجب أن تتم عملية اكتشاف العيوب واتخاذ الإجراء المناسب خلال أجزاء من الثانية، لأن أي تأخير حتى ولو كان صغيرًا قد يسمح بمرور بعض المنتجات التي تتضمن عيبًا ما دون الكشف عنها، مما قد يُؤثر سلبًا على الجودة والكفاءة.

لهذا السبب، تُعدّ الحوسبة الطرفية أمرًا بالغ الأهمية. ومن خلال اعتماد القدرة الحوسبية مُباشرةً في موقع الإنتاج، يتم تحليل بيانات الكاميرات وأجهزة الاستشعار محليًا دون الحاجة إلى إرسالها إلى الشبكة، وبالتالي اتخاذ القرارات الفورية التي تعد ضرورية لتحسين الإنتاج وضمان جودة المنتجات والحفاظ على السلامة في المصانع ذات الإنتاج العالي.

ومثال ساطع على ذلك، شركة هنكل الصناعية، المتواجدة في 124 دولة حول العالم، والتي استفادت من استراتيجية الحوسبة السحابية الهجينة والحوسبة الطرفية لتعزيز الرؤية والشفافية في مصانعها حيث بلغت حاليًا 93%.

وتعمل الشركة حاليًا على معالجة بياناتها على الشبكات الطرفية حيث ترسلها إلى السحابة العامة لتحليلها، قبل أن تُرسل النتائج إلى فرقها التشغيلية لاتخاذ القرارات الفورية. هذا النهج مكّنها من اتخاذ القرارات في الوقت الفعلي، وتقليص فترات التوقف عن العمل، وتحسين خطوط الإنتاج لتعزيز الإنتاجية والمرونة.

وبالنسبة للشركات التي تعتمد استراتيجية الحوسبة السحابية الهجينة مع الحوسبة الطرفية فهذا يعني إمكانية اختيار مكان تشغيل مهام الذكاء الاصطناعي، بناءً على التكلفة والأداء، بالإضافة إلى المتطلبات التنظيمية.

وفي حين تتيح الحوسبة الطرفية المعالجة السريعة للبيانات، واتخاذ القرارات في الوقت الفعلي، يُمكن استخدام السحابة لتحليل البيانات وتخزينها على نطاق واسع.

وهذا يُؤكد أهمية تجاوز نهج الحوسبة السحابية فقط من أجل الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي الكاملة. ومن خلال اعتماد النهج الهجين المدعوم باستراتيجية بيانات واضحة، وبنية تحتية قوية لتكنولوجيا المعلومات وقابلة للتطوير، يمكن للشركات إرساء أساس متين لتطبيق مشاريع الذكاء الاصطناعي بنجاح.

إن الدمج بين التقنيات الهجينة والطرفية، يوفر المرونة وقابلية التوسع والأمان والقدرة الحوسبية اللازمة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في الابتكار وتحقيق ميزة تنافسية في السوق.