أحمد البندي مؤسس ورئيس شركة «California Greens» يكتب: الفرصة القادمة في الشرق الأوسط..كيف تبني إمبراطورية دوائية عربية؟
بقلم: أحمد البندي – مؤسس ورئيس شركة California Greens
في عالم ما بعد الجائحة، أصبح الأمن الدوائي والتصنيع المحلي من أولويات الدول، وأصبحت الصناعات الدوائية أكثر من مجرد قطاع اقتصادي تقليدي، بل تحوّلت إلى ركيزة استراتيجية للأمن القومي والتنموي.
ومن هنا، أرى أن الشرق الأوسط – وبالأخص المنطقة العربية – يقف اليوم أمام فرصة ذهبية لم تُتح له بهذا الوضوح من قبل: بناء إمبراطورية دوائية عربية مستقلة، مبتكرة، وقادرة على المنافسة عالميًا.
لماذا الآن؟ وما الذي تغيّر؟
خلال العقد الماضي، شهدنا تحولًا كبيرًا في ديناميكيات سوق الدواء العالمي. ازداد الاعتماد على التصنيع المحلي بعد أن أثبتت الأزمات العالمية هشاشة سلاسل الإمداد الدولية. كما بدأت القوى الإقليمية، مثل السعودية والإمارات ومصر، في الاستثمار الجاد في توطين الصناعات الدوائية وتعزيز قدراتها التنظيمية.
إلى جانب ذلك، نشهد تغيّرًا في سلوك المستهلكين وتوجهات السوق. لم يعد التركيز فقط على الدواء الكيميائي، بل أصبح هناك اهتمام متزايد بقطاعات مثل المكملات الغذائية، الطب الوقائي، المستحضرات العشبية، والمنتجات العضوية – وهي مجالات تملك منطقتنا ميزة تنافسية فيها من حيث الموارد والخبرات.
كيف نُحوّل هذه اللحظة إلى مشروع طويل الأمد؟
بوصفي أحد رواد هذا القطاع، قمتُ خلال السنوات الماضية بتأسيس شركات تعمل في ثلاث قارات، وأشرفت على إنشاء مصانع في السعودية وأمريكا، وساهمت في تطوير أكثر من 30 منتجًا دوائيًا وغذائيًا موجهًا لأسواق عالمية. ومن خلال هذه التجربة، يمكنني تلخيص خارطة طريق لبناء إمبراطورية دوائية عربية متكاملة كما يلي:
1. تبنّي الابتكار المحلي لا استنساخ الأدوية فقط
علينا أن ننتقل من نموذج التصنيع التعاقدي أو إنتاج الجنريك (الأدوية المثيلة) فقط، إلى نموذج يركّز على تطوير تركيبات جديدة، خاصة في المكملات الدوائية والمنتجات الطبيعية. الابتكار لا يتطلب دائمًا مختبرات بملايين الدولارات، بل يبدأ من فهم احتياجات السوق وتطوير حلول محلية تلبيها بجودة عالمية.
2. تأسيس بنية تشريعية مرنة وفعّالة
التحدي الأكبر الذي يواجه مطوري المنتجات في المنطقة هو التأخير البيروقراطي في التسجيل والموافقات. نحتاج إلى هيئات تنظيمية قادرة على تحقيق التوازن بين الحماية الصحية وتسريع الابتكار. التنظيم الذكي هو العمود الفقري لأي صناعة ناجحة.
3. الاستثمار في تصنيع إقليمي مشترك
لماذا لا ننشئ مجمعات دوائية عربية تضم مصانع في عدة دول، كل منها يختص بجزء من السلسلة التصنيعية؟ السعودية تمتلك البنية التحتية، ومصر تمتلك الكفاءات، والإمارات تمتلك القدرة التسويقية والتوزيعية.
تكامل إقليمي كهذا قادر على خلق قوة دوائية قادرة على التصدير للقارات الخمس.
4. بناء علامات تجارية عربية قادرة على المنافسة
المنتجات العربية تعاني من ضعف في الهوية التسويقية. علينا أن نستثمر في بناء علامات دوائية عربية تُدرّس في كليات التسويق. المنتج القوي يحتاج إلى قصة، إلى رؤية، وإلى عرض يعكس احترافية. التصدير لا ينجح فقط بالجودة، بل بالثقة في العلامة.
5. تطوير رأس المال البشري والاستثمار في الأبحاث
من غير المعقول أن تُدار مصانع دوائية حديثة بكفاءات مستوردة من الخارج، بينما نملك آلاف الخريجين الصيادلة والعلميين في جامعاتنا. نحتاج إلى استثمار حقيقي في التدريب، وتأسيس مراكز بحثية قادرة على تقديم حلول للمنطقة، لا تكرار ما يُنتج في الخارج.
مثال عملي: مصنع سعودي بإدارة من نيوجيرسي
حين قررتُ إنشاء مصنع دوائي في السعودية تحت اسم “California Greens Factory”، كان هدفي الأساسي هو إثبات أنه يمكن إدارة عملية تصنيع متقدمة بأيدي محلية، بجودة عالمية، وبإشراف عن بُعد من الخارج. وبالفعل، تمكّنا من تشغيل المصنع بـ 50 موظفًا سعوديًا، وبمواصفات إنتاج تُتيح لنا التوسع في أسواق الخليج وإفريقيا وآسيا.
وعلى غرار هذه التجربة، شرعنا مؤخرًا في مبادرة لتطوير وابتكار عدد من المنتجات الدوائية، بهدف تقديم حلول علاجية تُسهم في إثراء سوق الدواء وتعزيز جودة القطاع الصحي. وقد بدأنا بالفعل بتسجيل هذه المنتجات المطوّرة في السوق السعودي، تمهيدًا لتوسيع نطاقها نحو الأسواق العربية والعالمية.
اليوم، ونحن على مشارف إطلاق مصنع مشابه في الولايات المتحدة، لا أسعى فقط إلى التوسع التجاري، بل إلى تصدير التجربة العربية، والقول للعالم: نحن قادرون على الابتكار والإنتاج والمنافسة، ولسنا مجرد مستهلكين.
صناعة الدواء في العالم العربي بحاجة إلى قيادة جريئة، إلى رؤية تتجاوز الحاضر، وتؤمن بأن التعاون أفضل من التنافس الضيق. علينا أن نخلق بيئة تدعم الشراكات الإقليمية، تحفّز الشركات الناشئة، وتربط بين الصناعة والبحث العلمي، بدلاً من أن تكتفي باستيراد المنتجات الجاهزة.
لقد حان الوقت لننتقل من دور المتلقي إلى دور المنتج والمطوّر. فالعالم يتغير بسرعة، ومن يتأخر في بناء اقتصاده المعرفي سيتحوّل إلى سوق للآخرين لا أكثر.
الفرصة أمامنا، والعوائق ليست أكبر من الإرادة. وأنا أؤمن أن جيلًا جديدًا من روّاد الأعمال، المدعومين برؤية حكومية واضحة وتمويل ذكي، يمكنه أن يُحوّل الشرق الأوسط إلى مركز عالمي للصناعات الدوائية خلال عقد واحد فقط.