«فاينانشيال تايمز»: معايير التقييم التقليدية للأسهم تفقد بريقها أمام الذكاء الاصطناعي

فينتك جيت: وكالات 

نشأنا نحن العاملين في الأسواق المالية على قاعدة بسيطة بدت بديهية لعقود: اشترِ بسعر منخفض وبِع بسعر مرتفع. أي أننا نشتري حلماً صغيراً اليوم ثم نبيعه غداً لشخص يؤمن بحلم أكبر. وتعني هذه الفلسفة ضمناً أنّ الاستثمار في الأسهم ذات التقييم المنخفض، وفق مقاييس مثل مضاعف السعر إلى الأرباح المستقبلية أو عائد التدفق النقدي الحر، يشكّل أساساً لاختيار الأسهم. غير أنّ أهمية هذا النهج أخذت تتراجع تدريجياً.

لم يكن الذكاء الاصطناعي حاضراً

وقبل ثلاث سنوات فقط، لم يكن الذكاء الاصطناعي حاضراً على رادار معظم المستثمرين. أما اليوم، فقد أصبح يوجه كل قرار استثماري تقريباً، وهو السبب الرئيس وراء تراجع فعالية النهج القائم على مقاييس التقييم التقليدية في اختيار الأسهم.

وليس من الصعب فهم ذلك؛ فنتائج شركة «إنفيديا» خلال العامين ونصف الماضيين توضح الصورة جيداً: فقد قفزت إيراداتها المعلنة من 6 مليارات دولار في الربع الأول من عام 2023 إلى توقعات تبلغ 60 مليار دولار في الربع الأول من العام المقبل، وفقاً لإجماع المحللين.

وقد يتغيّر الشعور تجاه الذكاء الاصطناعي في مرحلة ما، لكن من المبكر جداً تبنّي رؤية متشائمة بشأن تأثيره، فالمستفيدون المباشرون من إيرادات الذكاء الاصطناعي سيحققون أساسيات متينة على الأرجح لسنوات مقبلة. كما توجد أسهم أخرى ينظر إليها المستثمرون باعتبارها مستفيداً محتملاً من إنتاجية الذكاء الاصطناعي.

يؤثّر بعمق على أسعار الأسهم

وقد رأينا كيف يمكن لاتساع هوامش الربح أن يؤثّر بعمق على أسعار الأسهم. ومن الأمثلة اللافتة سلسلة «كوستكو» للبيع بالتجزئة بنظام الاشتراك، التي ارتفع تقييم سهمها إلى أكثر من 50 ضعف الأرباح المستقبلية العام الماضي، مع تزايد الثقة في هوامشها.

وهناك شركات ذات نماذج إيرادات تبدو محصّنة نسبياً من الذكاء الاصطناعي، مثل بعض شركات المرافق العامة، وإدارة النفايات، ومواد البناء. ونعتقد أنّ هذه الشركات ستواصل توسّع مضاعفات تقييمها، نظراً لأن تقديرات أرباحها ونسب نموها طويلة الأجل أكثر قابلية للتحقّق.

في المقابل، فإن الشركات التي يشهد نموذجها التجاري اضطراباً بفعل الذكاء الاصطناعي ستظل تحت الضغط، وتبدو رخيصة ظاهرياً.

انكماش مضاعف في قيمة الشركة

ومثال على ذلك «جيتي إيمجز»، إحدى أكبر مزوّدات الصور والفيديو والموسيقى حول العالم، والتي تضررت بفعل وفرة الصور المولّدة عبر الذكاء الاصطناعي والمتاحة مجاناً، ما قوّض قوتها التسعيرية وفرص نموها. وقد أدّى ذلك إلى انكماش مضاعف في قيمة الشركة ومبيعاتها المتوقعة بشكل متواصل.

إذا راهن المستثمر على منهج «العودة إلى المتوسط» بالشراء عند تقييم منخفض والبيع عند تقييم مرتفع، فإنّ ما يفعله في الواقع ضمن النظام الحالي هو التخلّي عن الشركات ذات الحظوظ الأكبر في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، والاستثمار في تلك الأكثر عرضة للاضطراب. ونرى أنّ هذه استراتيجية غير حكيمة، وتفسّر سبب تراجع فعالية التقييم كمؤشر لاختيار الأسهم.

وهناك قوى أخرى أسهمت في هذه الظاهرة. فعلى عكس ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، باتت نسبة أكبر من الأموال تُدار وفق استراتيجيات استثمارية كمية تعتمد على التداول في أفق زمني يُقاس بالساعات أو الأيام بدلاً من الفصول أو السنوات.

وغالباً ما تكون هذه الاستراتيجيات محايدة تجاه التقييم، إذ تتخذ مراكز شراء وبيع بناءً على اتجاهات السوق، دون اكتراث بالمقاييس التقليدية. وقد عزّز ذلك أثر الزخم في دفع الأسعار والأسواق.

التحذير من التخلّي التام

ومع ذلك، لا بد من التحذير من التخلّي التام عن منهج الشراء عند الانخفاض والبيع عند الارتفاع. فأولاً، ينبغي الابتعاد عن الشركات المبالغ في تقييمها إلى حدّ كبير؛ فالتجربة تظهر أنّ الشركات التي تصل إلى أعلى عُشْر في مضاعف السعر إلى الأرباح المستقبلية غالباً ما تتراجع لاحقاً، وكذلك الحال بالنسبة إلى أرخص شريحة من الأسهم.

ثانياً، يبقى الاستثمار حساساً لتغيّر توقّعات النمو ومعدلات الفائدة؛ ففي عام 2022، على سبيل المثال، كان لتشدّد الفيدرالي ورفع معدلات الفائدة أثر واضح على التقييمات التي انكمشت مع تحوّل المستثمرين إلى الحذر. واليوم تتوقع الأسواق خفضاً للفائدة، لكن ذلك قد يتغيّر.

ثالثاً، قد يفقد التقييم جدواه في الآفاق الزمنية القصيرة (أقل من ثلاث سنوات)، لكنه يظل مفيداً في الآفاق الطويلة مثل 5 إلى 10 سنوات. وفي حين أن الحالات القصوى والآفاق طويلة الأجل لا تزال مهمة، فإن نجاح الاستثمار على المدى القريب يعتمد بشكل أكبر على استدامة النمو وتوسع الهامش أكثر من اعتماده على انخفاض التكلفة.

اقرأ ايضا:

«فاينانشيال تايمز»: شركات التكنولوجيا تقاوم القوانين من أجل مصالحها 

فاينانشيال تايمز: «نون» التجارة الإلكترونية المملوكة لرجل الأعمال الإماراتي «محمد العبار» تعتزم طرح مزدوج لأسهمها في بورصتي الإمارات والسعودية

«فاينانشيال تايمز»: المؤثرون الافتراضيون.. قوة صاعدة تعيد رسم ملامح اقتصاد المحتوى الرقمي