انتهى عدد من تجارب بلوكتشين رفيعة المستوى في الأعمال المصرفية والتمويل بالفشل، ما يقوض قضية مستقبل التكنولوجيا في الخدمات المالية.
جاء الخطأ الأكبر من بورصة الأسهم الأسترالية، التي تخلت في تشرين الثاني (نوفمبر) عن خطة أعلنت عنها قبل سبعة أعوام لترقية مقاصة وتسوية الأسهم إلى منصة قائمة على بلوكتشين. سجلت البورصة رسوما بقيمة 250 مليون دولار أسترالي “168 مليون دولار أمريكي” واعتذرت بعد الاعتراف بأن عليها بدء المشروع مرة أخرى من الصفر.
كما انهارت مبادرات أخرى في مجالات التأمين والخدمات المصرفية والشحن، ما يشير إلى أن دفتر الأستاذ الموزع الرقمي المشترك قد يفشل في السعي لإصلاح العمليات المعقدة. حتى أنصار هذه التكنولوجيا يحذرون من أن المتبنين لها ينبغي أن يكونوا مستعدين لكثير من الإخفاقات.
قال ديفيد نيونس، رئيس شركة سيكس ديجيتال إكستشينج، التي أصدرت أول سند رقمي على دفتر الأستاذ الموزع في نوفمبر “إننا نتوصل إلى أفكار جديدة دائما، وإن لم تكن مناسبة نمحوها. إننا في حيز الاختراع، لذلك علينا التفكير في أشياء جديدة مع توقع فشل كثير من هذه الأفكار”.
في يوليو الماضي، أوقف اتحاد بي 3 آي، المؤلف من 15 شركة للتأمين وإعادة التأمين، أنشطته وقدم طلبا للإفلاس. كان المشروع يهدف إلى الحد من عدم الكفاءة في الأقساط وتسوية المطالبات، ووضع العقود على بلوكتشين.
وفي يونيو 2022، تعرض اتحاد آخر لبلوكتشين يضم 12 مصرفا يركز على تمويل التجارة هو الآخر للإفلاس، وكان من بين البنوك المشاركة في المشروع دويتشه بنك وسانتاندير وسوسييتيه جنرال ويو بي إس.
في الآونة الأخيرة، أعلنت شركتا ميرسك وآي بي إم في أواخر نوفمبر أنهما ستوقفان “ترايد لينز”، بلوكتشين لسلسلة التوريد تقدم حلا لصناعة الشحن، قائلتين “إنها لم تصل إلى مستوى الجدوى التجارية اللازمة لمواصلة العمل وتلبية التوقعات المالية”.
جاءت الإخفاقات إلى جانب الأزمة التي اجتاحت كثيرا من شركات العملات المشفرة التي حاولت بناء أعمالها لتداول الرموز الرقمية مثل بيتكوين وإقراضها. انتهى ذلك بانهيار بورصة إف تي إكس، فشل أدى إلى تقويض حجة شراء الرموز على أمل تحقيق ربح.
لكن تظل بعض البنوك ملتزمة بتكنولوجيا بلوكتشين. قال ماثيو ماكديرموت، الرئيس العالمي للأصول الرقمية في قسم الأسواق العالمية في “جولدمان ساكس”، “هناك كثير من المشاعر السلبية حول العملات المشفرة، في الآونة الأخيرة بسبب إف تي إكس. هذا لا علاقة له بالتكنولوجيا الأساسية”.
لا يزال “جولدمان”، والمنافسون مثل “جيه بي مورجان” والمؤسسات المالية الأخرى منفتحين على تكنولوجيا بلوكتشين، مشيرين إلى قدرتها على تحقيق مكاسب في الكفاءة وتوفير التكاليف. روج “جيه بي مورجان” لمنصة الأصول الرقمية أونيكس الخاصة به، التي تربط البنوك والمؤسسات المالية الأخرى مثل فيزا، وتعالج المدفوعات المرتبطة بنحو مليار دولار من الأصول يوميا بالعملات والسندات.
لكن حتى بعض تلك المجموعات التي قطعت شوطا في بلوكتشين حذرة بشأن إمكاناتها النهائية. في نوفمبر، أصدر بنك الاستثمار الأوروبي سنده الرقمي الثاني باستخدام التكنولوجيا – صفقة بقيمة مائة مليون يورو لمدة عامين رتبها “جولدمان ساكس” و”سانتاندير” و”سوسييتيه جنرال”.
يمكن أن يساعد استخدام التكنولوجيا على تبسيط المشكلات المتعلقة بالوثائق والمدفوعات، لكن كزافييه ليروي، كبير مسؤولي التمويل في قسم العملات غير الأساسية والمعاملات الخاصة في بنك الاستثمار الأوروبي، قال “إن المزايا محدودة حتى الآن. بالنظر إلى أننا في المراحل الأولية، لا يوجد في الوقت الحالي كثير من الفوائد. يتعلق الأمر في الغالب بإمكاناتها في المستقبل”.
كما تعتمد بعض المشاريع المرتبطة بتكنولوجيا بلوكتشين بشكل كبير على الأنظمة الحالية بدلا من استبدالها، ولا سيما ما يسمى بـ”دفتر الأستاذ” الموزع الذي يسمح لمجموعة مختارة من الجهات الفاعلة مثل البنوك بمشاركة المعلومات على سجل غير قابل للتغيير.
يرتبط هذا النشاط ببلوكتشين والأصول المشفرة، لكنه لا يتضمن إنشاء معاملات والتحقق منها مقابل مكافآت الرموز. اختلاف أساسي عن بلوكتشين التي تستند إليها بيتكوين والرموز الأخرى.
يصف بنك إتش إس بي سي، مثلا، نظام إف إكس إيفريوير الذي يستخدمه لتسوية العملات مع بنك ويلز فارجو – الذي تعامل مع أكثر من 200 مليار دولار بخمس عملات – على أنه “قائم على بلوكتشين”. لكن تكنولوجيا دفتر الأستاذ الموزع الخاصة به تعتمد على “تريانا”، هيكل راسخ للسوق، ليكون بمنزلة الخطوة الأولى في النظام.
يستخدم نظام إف إكس إيفريوير خوارزميات الإجماع والعمليات الأخرى المتعلقة بالعملات المشفرة. لكن ويليامسون قال “إن ذلك لا يتطلب تكنولوجيا بلوكتشين”. كما أنه يمثل نسبة ضئيلة من إجمالي الأعمال التي يتعامل معها بنك إتش إس بي سي وبنك ويلز فارجو في عمليات تداول العملات الخاصة بهما.
أخبرت مجموعة من خبراء التكنولوجيا المشرعين الأمريكيين في يونيو بأن قواعد “الإلحاق فقط” للبيانات الرقمية هذه ليست جديدة. “لقد عرفت واستخدمت منذ 1980 في وظائف محدودة نوعا ما”.
كما يمكن أن تمنع المسؤوليات تجاه المساهمين والتنظيم البنوك من استخدام أنواع بلوكتشين التي تدعم الرموز مثل بيتكوين.
تتطلب تكنولوجيات بلوكشتين هذه عموما صيانة من شبكات أجهزة الحاسوب التي تستخدم كميات هائلة من الطاقة، في عملية مثيرة للجدل تسمى “إثبات العمل”، لكن المساهمين والمنظمين يدفعون الشركات إلى الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة أكثر.
تدرك البنوك بالقدر نفسه أنه سيتعين عليها تجاوز الطرق المختلفة التي تتعرف بها الولايات القضائية على منتجات الاستثمار الرقمية. في (ديسمبر)، قالت بورصة بي إكس سويس، “إنها أكملت صفقة تجريبية للأصول الرقمية على بلوكتشين عامة موزعة”. مع ذلك، اعترفت بأنها ستحتاج إلى ترخيص سوق منفصلة من الجهة المنظمة السويسرية للمضي قدما.
قال كيث بير، الزميل في مركز كامبريدج للتمويل البديل “يكمن التحدي عندما تجتمع مجموعة من المؤسسات معا وينبغي للمساهمين الأفراد الالتزام بالمسار. إذا تغيرت الأولويات ولم تحقق الأهداف، تفشل المشاريع”.