بريطانيا تحدد إسم عملتها الرقمية وموعد إطلاقها

وزارة الخزانة وبنك إنجلترا يبدآن جهود إطلاق "بريت كوين"للعمل بالتوازنى مع النقود التقليدية

صعد بنك إنجلترا المركزي ووزارة الخزانة البريطانية من جهود إطلاق عملة رقمية لتعمل بالتوازي مع الأوراق النقدية الحقيقية، سعيا لتهدئة المخاوف من أن هذه الجهود قد تشكل خطرا على استقرار المصارف.
وأوضح مسؤولون بالمؤسستين أن عملة البنك المركزي الرقمية (CBDC)، التي تسمى بصورة غير رسمية “بريت كوين” (Britcoin) قد تقدم فرصا هائلة لمستهلكي وشركات المملكة المتحدة عقب طرحها خلال وقت مبكر من النصف الثاني من العقد الحالي. وذلك وفق وكالة بلومبرج الاخبارية
المدفوعات الرقمية

تمثل هذه التحركات جزءا من جهود البنوك المركزية في كافة أنحاء العالم لمواكبة أنماط الدفع الجديدة التي تعمل بسرعة وبسلاسة أكبر عند إجراء معاملات عبر الإنترنت.
تهدف التحركات أيضا للحفاظ على دور الحكومة في عمليات توريد الأموال في ظل انتقال المستهلكين للمدفوعات بواسطة البطاقات التي تصدرها الشركات وليس الحكومة.

من جانبه قال وزير الخزانة للمملكة المتحدة جيريمي هنت: “بينما تظل النقود موجودة، فإن الجنيه الإسترليني الرقمي الصادر والمدعوم من قبل بنك إنجلترا قد يمثل وسيلة حديثة للدفع التي يمكن الاعتماد عليها ومتوفرة ويسهل استخدامها”.
وتتغاضى هذه التصريحات عن الانتقادات الموجهة من لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس اللوردات، الذي اعتبر أن عملة البنك المركزي الرقمية “حل ينطوي على مشكلة” وقد يفاقم من الإقصاء المالي للأسر الضعيفة المعتمدة على التعامل بالأموال النقدية الحقيقية.
وسيدعو بنك إنجلترا ووزارة الخزانة عبر ورقة مشورة، يُنتظر نشرها لطرح آراء وقرائن حول ما إذا كانا مطالبين بتدشين ما يُطلق عليه رسميا بالجنيه الإسترليني الرقمي. ولم يتوصلوا لقرار حول الاستمرار بالمشروع، لكن الجهود المبذولة تهدف لجمع البراهين التي تدعم تحركهم في هذا الصدد.

الاستقرار المالي
ستحاول ورقة عمل أخرى منفصلة أيضا تخفيف حدة المخاوف من أن عملة البنك المركزي الرقمية المقترحة قد تشكل تهديداً للاستقرار المالي عبر سحب الأموال من النظام المصرفي. وأشار بنك إنجلترا إلى حائزي العملة الرقيمة لن يكون بمقدورهم تحصيل فائدة عليها، وسيُحدد لهم العدد المسموح بشرائه من بداية الأمر.
يستهدف هذا الإجراء منع حدوث حالة من الاندفاع الجماعي من جانب المستهلكين عندما يسحبون أموالهم من المصارف التقليدية لشراء عملة “بريت كوين” في حال إصدارها.
سيتعرض البنك المركزي ووزارة الخزانة في الأغلب لأسئلة أكثر تتعلق بالهدف المنشود تحديدا من إصدار جنيه إسترليني رقمي، إذ إن المستهلكين سيلحظون، في الوقت الراهن على الأقل، فرقا ضئيلا فقط بالنسبة لاستخدام الأنظمة الحالية للسداد عبر الإنترنت.

مقارنة العملات المشفرة

ورغم أن عملة البنك المركزي الرقمية ستعتمد على تقنية “بلوكتشين” المستخدمة في تداول العملات المشفرة الجاذبة للمضاربين على غرار عملة “بتكوين”، إلا أن بنك إنجلترا سيكون جهة الإصدار فضلاً عن كونها مدعومة بالجنيه الإسترليني، وستصبح قابلة للاستبدال والتغيير مع الأموال النقدية والودائع البنكية.
من جانبه أكد أندرو بيلي محافظ بنك إنجلترا: “سيوفر الإسترليني الرقمي وسيلة دفع حديثة وسيساعد الشركات ويحافظ على الثقة في الأموال ويحمي الاستقرار المالي بصورة أفضل، ورغم ذلك، توجد تبعات ستتطلب من عملنا التقني أخذها بعين الاعتبار بطريقة دقيقة.
تشكل هذه المشاورات والجهود الإضافية المبذولة من قبل البنك حالياً الأساس لما سيكون قراراً جذرياً للبلاد حول طريقة استخدامنا للأموال”.
العديد من الخبراء غير مقتنعين حتى الآن بقيمة عملة البنك المركزي الرقمية. ووصف المحافظ السابق لبنك إنجلترا اللورد ميرفين كينغ مشروع “بريت كوين” بأنه “حل لمشكلة غير موجودة”.
ثبت لدى مشرعي لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس اللوردات البريطاني عبر تقرير السنة الماضية أنه “ليس هناك حجج مقنعة” لإصدار عملة البنك المركزي الرقمية بالمملكة المتحدة.

عملات رقمية مستقرة
ينصب تركيز مسؤولي بنك إنجلترا ووزارة الخزانة على الأوضاع في الأجل البعيد عند النظر بمسألة عملة البنك المركزي الرقمية، حيث يتخيلون عالما يُستخدم فيه النقد بدرجة أقل وتصدر شركات “التكنولوجيا الكبرى” على غرار “أمازون. كوم”و”ألفابت” المالكة لـ”غوغل” عملات رقمية مستقرة خاصة بهم لتيسير عمليات دفع عبر الإنترنت تتسم بالسرعة والسلاسة.
ستُصمم عملة البنك المركزي الرقمية كبديل لهذه العملات الرقمية المستقرة التي تصدرها شركات القطاع الخاص، وسيكون بإمكان المستثمرين الاحتفاظ بها نظراً لثقتهم في أنها مدعومة من بنك إنجلترا.
تأمل وزارة الخزانة البريطانية في أن توفير بدائل “منفتحة” و”شفافة” لعملات القطاع الخاص الرقمية المستقرة، سيزيل الغموض المحيط بالعملات الرقمية الأخرى.
مصير العملات النقدية

يساور القلق المنتقدين أيضاً من أن طرح عملة رقمية من شأنه التخلص تدريجياً من العملات الورقية والمعدنية الحقيقية، ما سيضر بطريقة غير ملائمة بأسر كبار السن والأسر منخفضة الدخل والضعيفة التي تميل بشكل أكبر إلى الاعتماد على الأموال النقدية.
يرجح اتخاذ قرار بمواصلة العمل على إصدار عملة “بريت كوين” مع حلول منتصف العقد الحالي تقريباً. وفي حال استكمال المشروع، قد تُدشن عملة البنك المركزي الرقمية قرب 2030.
لم تقدم وزارة الخزانة ولا بنك إنجلترا حتى الآن توقعات بشأن التكلفة المحتملة لإصدار “بريت كوين”، لكن في الأغلب فإن المبلغ سيكون ضخماً.

مركز عالمي
شكل رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك فريق عمل أثناء توليه منصبه كمستشار بهدف استكشاف الفرص المتاحة من الجنيه الإسترليني الرقمي، وتكلم عن رغبته في أن يجعل من المملكة المتحدة مركزاً رائداً لتداول العملات المشفرة وأنشطة المدفوعات الرقمية.

أكدت وزيرة الخزانة بحكومة الظل في حزب العمال البريطاني، تولب صديق، أن عملة البنك المركزي الرقمية “مثلت تناقضاً محموداً مع ما تروج حكومة المحافظين له من عملات مشفرة تنتمي للنظام الغربي المتوحش التي تعرّض مدخرات ملايين الأشخاص لخطر التبديد”.

أضافت أنه في حال حصول حزب العمال على الأغلبية خلال الانتخابات العامة المقبلة المزمعة في يناير 2025 “فسيعملون بجد على جذب شركات التكنولوجيا المالية إلى المملكة المتحدة عن طريق استغلال إمكانات التكنولوجيات الجديدة على نحو آمن وتحقيق طموحنا لجعل بريطانيا مركزاً وطنياً ناشئاً لخدمة العالم”.

مغزى الإسترليني الرقمي

سترتبط قيمة عملة البنك المركزي الرقمية بطريقة مباشرة مع سعر صرف الجنيه الإسترليني، على النقيض من عملة “بتكوين” التي تخضع تحركات قيمتها لحجم الطلب.
عوضاً عن الاضطرار لفتح حساب مصرفي، سيحصل المستهلكون على حساب محفظة رقمية على هاتفهم الذكي أو أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، وسيمكنهم تشغيلها بواسطة شركات متنوعة.
سيعمل مزودو المحفظة الرقمية بوصفهم وسيلة للربط بين بنك إنجلترا المركزي والعملاء، ولن يكون بمقدورهم الاحتفاظ بالعملات الرقمية أو إقراضها على غرار المصارف التقليدية، لذلك يأمل المسؤولون في أنهم سيركزون على توفير خدمة عملاء مبتكرة.

المعلومات الشخصية
سيتطيع حائزو عملة “بريت كوين” أيضاً تحديد حجم بياناتهم الشخصية التي يرغبون في تقديمها للشركات الأخرى، وفقاً لخطط البنك المركزي ووزارة الخزانة بالمملكة المتحدة، ما قد يمكّنهم من الحصول على خدمات أخرى تناسب عادات الإنفاق لديهم.
في حين أكدت وزارة الخزانة على أن عملة البنك المركزي الرقمية “ستخضع لمعايير صارمة للخصوصية وحماية البيانات، ولن تصل الحكومة أو البنك المركزي لبيانات الشخص، كما أنها لن تكون بلا توقيع.
سيبقى المستهلكون مطالبين بالخضوع لعملية تدقيق “اعرف عميلك” عند فتح حساب محفظة رقمية، وتحتفظ وكالات إنفاذ القانون بحق طلب الحصول على معلومات خاصة بالعملاء بهدف منع وقوع جريمة كما هو الحال مع الحسابات المصرفية.