مهندس طارق بهاء يكتب..ثلاثية التحوط لمواجهة التضخم..القطاع العقاري نموذجا

بقلم: مهندس طارق بهاء

تعد صناعة العقارات في مصر واحدة من القطاعات الحيوية في الاقتصاد المصري ، والتي شهدت مصر تطورًا كبيرًا في هذا القطاع خلال السنوات الأخيرة ، وذلك في ضوء عده متغيرات منها النمو السكاني والطلب المتزايد علي العقار، حيث تعد مصر واحدة من الدول ذات النمو السكاني السريع، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على السكن والمرافق العقارية،.

وهو ما يعتبر فرصة لشركات التطوير العقاري لتلبية هذا الطلب المتزايد وتوفير حلول الإسكان ، هذا بالإضافة إلى حاله التطوير العقاري الكبير الذي تشهده مصر حاليا، حيث تشهد مصر حاليًا العديد من المشروعات الكبرى في مجال التطوير العقاري، مثل مشروعات الإسكان الاجتماعي والمشروعات السياحية والتجارية والعقارات الفاخرة، وهذه المشروعات بلاشك تسهم في تطوير المدن وتوفير فرص العمل وتعزيز الاستثمار في القطاع العقاري، وكذلك الإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها الحكومة المصرية بتنفيذ إصلاحات اقتصادية وتشريعات لتسهيل عمليات التطوير العقاري وجذب الاستثمارات.

كما تم تبسيط الإجراءات الإدارية وتحسين بيئة الأعمال لجذب المزيد من المستثمرين إلى القطاع العقاري، أضف إلي ذلك تعتبر مصر وجهة جذابة للاستثمارات الأجنبية في قطاع العقارات ، وذلك بجانب ما تقوم به الحكومة المصريه لتشجيع استثمارات الأجانب من خلال توفير تسهيلات وحوافز مثل تخفيض الرسوم والضرائب وتسهيلات الأراضي، وهو ما يعزز تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى السوق العقارية المصريه ، و تميل الشركات العقارية في مصر إلى تطوير مشروعات متكاملة تتضمن الإسكان والتجارة والترفيه والخدمات.

وتهدف هذه المشروعات إلى تلبية احتياجات السكان وتوفير بيئات متكاملة للعيش والعمل، كل ماسبق يضاف إليه مابدأ مؤخرا من التركيز على فكره الاستدامة العمرانيه والتي بلاشك حققت قيمه مضافه للصناعه العقاريه في مصر وتعزيز تنافسيه الاستثمار العقاري في مصر، حيث تزايد الوعي بالاستدامة البيئية في صناعة العقارات في مصر، وبدأت الشركات تتبني مبادئ البناء الأخضر تضمن الاستدامة البيئية في تصاميمها وممارساتها.

وفي إطار ارتفاع مستويات التضخم بشكل كبير خلال الفترات الاخيره وهو ماشكل تحديا قويا أمام كافه قطاعات الاقتصاد ، والتي يأتي عي رأسها القطاع العقاري.

وفي ضوء التفكير لوجود حلول لذلك التحدي ، فأن ذلك يتحقق وفق ثلاثيه للتحوط ضد مخاطر التضخم ، وهي كالتالي:

تأمين الأسعار: حيث يمكن أن تتبنى شركة التطوير العقاري استراتيجية تأمين الأسعار للحماية من ارتفاع مستوى التضخم. يمكن أن تتضمن هذه الاستراتيجية توقيع عقود طويلة الأجل مع المقاولين والموردين لتأمين أسعار المواد الإنشائية وتكاليف العمالة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام عقود الإيجار طويلة الأجل مع المستأجرين لتحديد الإيجارات بشكل متقدم وتجنب تأثيرات التضخم.

تنويع الاستثمار: من المهم أن تتبنى شركة التطوير العقاري استراتيجية تنويع الاستثمار للتحوط من ارتفاع التضخم. يمكن أن تشمل هذه الاستراتيجية الاستثمار في مشاريع متنوعة مثل السكن العائلي، الفنادق، المكاتب، والتجاري. بالتالي، إذا كان هناك تأثير سلبي على قطاع واحد بسبب ارتفاع التضخم، فإن الاستثمارات الأخرى قد تعوض عن التكاليف الزائدة وتحقق عوائد إيجابية.

رفع أسعار البيع والإيجار: في ظل ارتفاع التضخم، يمكن لشركة التطوير العقاري زيادة أسعار البيع والإيجار لتعويض تكاليف الإنتاج المرتفعة. يجب أن يتم إجراء دراسة سوقية دقيقة لتحديد الأسعار المناسبة التي يمكن أن تتوافق مع القيمة المضافة للعقارات وتلبي توقعات العملاء. يجب الحرص على عدم رفع الأسعار إلى مستوى يفوق قدرة السوق على تحملها، حيث قد يؤثر ذلك سلبًا على قدرة العملاء على شراء أو استئجار العقارات.

و من المهم أن يتم تنفيذ هذه الاستراتيجيات بعناية وتقدير لتوقعات السوق والظروف المحلية. قد يتطلب ذلك تعاونًا مع خبراء ماليين واستشاريين متخصصين في مجال العقارات للحصول على نصائح وتوجيهات محدثة للتحوط من ارتفاع مستوى التضخم.

وبالنسبه لشركات التطوير العقاري ، في سياق خطتها الموضوعه مسبقا لمواجهه التضخم وتأمين الأسعار هناك عدة استراتيجيات يمكن اعتمادها لتأمين الأسعار في قطاع التطوير العقاري. وفيما يلي بعض الاستراتيجيات الشائعة:

تعيين عقود طويلة الأجل: يمكن لشركة التطوير العقاري توقيع عقود طويلة الأجل مع الموردين والمقاولين. من خلال ذلك، يتم تأمين أسعار المواد الإنشائية وتكاليف العمالة لفترة محددة، مما يحمي الشركة من ارتفاع التضخم خلال تلك الفترة. يجب ضمان أن يتضمن العقد آليات للتعامل مع أي زيادات في التكاليف التي يمكن أن تحدث نتيجة لتغيرات في أسعار المواد أو الأجور.

استخدام العقود الآجلة: يمكن لشركة التطوير العقاري استخدام العقود الآجلة لشراء المواد الإنشائية بأسعار محددة مسبقًا. تتيح العقود الآجلة للشركة شراء المواد بسعر محدد في وقت لاحق، سواء كان ذلك بشكل مباشر من الموردين أو من خلال السوق المالية. هذه الاستراتيجية تساعد في تقليل تعرض الشركة لتقلبات أسعار المواد، فيما يلي بعض المكاسب المحققه من استخدام العقود الآجلة في قطاع التطوير العقاري، حيث ُستخدم العقود الآجلة لحماية الشركات من تقلبات الأسعار المحتملة في المواد الإنشائية، مثل الأسمنت، والصلب، والزجاج، والأخشاب، ومواد العزل، وغيرها. من خلال شراء عقود آجلة بسعر محدد، يمكن للشركة ضمان توفر المواد بسعر ثابت وتجنب زيادات التكاليف الناجمة عن ارتفاع التضخم ، كما أنه باستخدام العقود الآجلة، يمكن للشركة التطوير العقاري تحديد تكاليف المشروع بشكل دقيق وسلفي، مما يساعد على تخطيط الميزانية والتنبؤ بالتكاليف المستقبلية. وبالتالي، يمكن للشركة تقدير الأرباح المحتملة وتقييم الجدوى المالية للمشروع ، هذا بالاضافه الي ان العقود الآجلة تساعد الشركة في تفادي المخاطر المتعلقة بتقلبات الأسعار وعدم الاستقرار في سوق المواد الإنشائية.

إذا ارتفعت أسعار المواد في المستقبل، فسوف تستفيد الشركة من السعر المحدد في العقد الآجل، وبالتالي توفر على نفقاتها ، كما أ، العقود الآجلة توفر مرونة للشركة في التعامل مع التغيرات في احتياجات المشروعات. يمكن للشركة تعديل أحجام العقود الآجلة بناءً على احتياجات المشاريع الفردية، سواء كان ذلك زيادة أو تقليل الكميات المطلوبة، كما انه من الجوانب الهامة للاستفادة من العقود الآجلة هي ضمان وجود سوق نشطة ومتاحة لتداول تلك العقود. قد تكون البورصات والأسواق المالية المحلية أو العالمية هي المكان الذي يتم فيه شراء وبيع العقود الآجلة.

تنويع الموردين: من المهم أن يقوم قطاع التطوير العقاري بتنويع قاعدة الموردين. عند الاعتماد على مورد واحد فقط، يمكن أن يكون الشركة عرضة لمخاطر ارتفاع الأسعار وتأخر التوريدات. باختيار موردين متعددين، يمكن للشركة الاستفادة من المنافسة بينهم والحصول على أفضل العروض والأسعار. كما يمكن أن يساعد التنويع في تحقيق استقرار أكبر في تأمين المواد وتقليل المخاطر.

التأمين على المخاطر: يمكن للشركة التطوير العقاري النظر في شراء وثائق التأمين على المخاطر التجارية، مثل وثائق التأمين على التضخم. هذه الوثائق توفر حماية ضد ارتفاع التكاليف الناجمة عن التضخم، مثل ارتفاع تكاليف البناء وتكاليف العمالة. قبل شراء وثائق التأمين، يجب دراسة شروط الوثيقة بعناية وضمان توافقها مع احتياجات وظروف الشركة.

وتعد الاستراتيجيات المشتركة لتأمين الأسعار في قطاع التطويرالعقاري السابق ذكرها ضروريه ، ويجب على شركات التطوير العقاري تقييم الاستراتيجيات المناسبة وفقًا لظروفها الفردية ومتطلبات المشروعات التي تعمل عليها، هذا بجانب أنه من الأفضل استشارة خبراء ماليين واستشاريين في مجال العقارات للحصول على توجيهات محدثة وملائمة للشركة.

استخدام العقود الآجلة هو استراتيجية تستخدم في قطاع التطوير العقاري لتأمين الأسعار وحماية الشركات من تقلبات سوق المواد الإنشائية. تعتبر العقود الآجلة اتفاقيات تتيح للشركات شراء أو بيع سلعة (مثل المواد الإنشائية) في وقت لاحق بسعر محدد مسبقًا.

في ظل ارتفاع معدلات التضخم، قد يواجه قطاع التطوير العقاري تحديات في تحقيق معدلات التشغيل المثلى. ومع ذلك، هناك بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد الشركات في هذا القطاع على الاستمرار وتحقيق أداء جيد رغم التضخم، وتشمل أن تقوم الشركات بإعداد تخطيط مالي دقيق يأخذ في الاعتبار تأثيرات التضخم. ينبغي تقدير زيادة تكاليف المواد الخام والعمالة والتكاليف العامة الأخرى، وضمان أن الأسعار المقدمة للعملاء تعكس هذه الزيادة.

كما يمكن للشركات في قطاع التطوير العقاري أن تنوع مصادر دخلها من خلال الاستثمار في مشاريع متعددة ومتنوعة.

يمكن أن تشمل هذه المشاريع الإسكان الاجتماعي، والعقارات التجارية، والمشاريع السياحية، وغيرها. هذا التنويع يمكن أن يوفر استقرارًا ماليًا أكبر ويمكن أن يعوض أي تأثير سلبي ناتج عن ارتفاع التضخم في قطاع معين ، كما يجب على الشركات العمل على تحسين كفاءة العمليات والتحكم في التكاليف. يمكن تحقيق ذلك من خلال تحسين إدارة المشاريع، واستخدام تقنيات البناء الحديثة، وتقليل الهدر، وتحسين عمليات المشتريات والتوريد. هذا يساهم في تقليل النفقات وتحقيق أرباح أكبر رغم ارتفاع التضخم.

هذا بالاضافه الي قيام الشركات التركيز على تحسين القيمة المضافة لمشاريعها. يمكن تحقيق ذلك من خلال تصميم مشاريع مبتكرة وجذابة، وتوفير المرافق والخدمات المتكاملة، وتقديم خدمات إضافية تلبي احتياجات العملاء وتميزها عن المنافة العقارات الأخرى. يمكن أن تساعد هذه العوامل في زيادة قيمة المشاريع وتحقيق أرباح أعلى ، وكذلك الاستفادة من التمويل البديل حيث يمكن للشركات استكشاف خيارات التمويل البديلة لتلبية احتياجاتها المالية. يمكن أن تشمل هذه الخيارات التمويل العقاري، والاستثمارات الاستراتيجية، وشراكات الأعمال. هذه الخيارات يمكن أن تساهم في توفير التمويل اللازم للمشاريع وتقليل الضغط المالي الناتج عن ارتفاع التضخم.

وفي النهايه يجب أن يتعامل قطاع التطوير العقاري مع ارتفاع التضخم بحذر وتخطيط جيد بما يمكن للشركات اتباع استراتيجيات مالية وعملية تسمح لها بالاستمرار وتحقيق أداء جيد في ظل التضخم. يوصى بالتعاون مع خبراء ماليين واقتصاديين لتقييم التأثيرات المحتملة للتضخم وتطوير استراتيجيات ملائمة للحفاظ على استدامة الأعمال.

 

كاتب المقال:

مهندس طارق بهاء – متخصص في ملف التنميه والتطوير العقاري وعضو جمعيه رجال الاعمال المصرية

مقالات سابقة:

طارق بهاء يكتب..إنضمام مصر للبريكس سيعزز من فرص تصدير العقار المصري

دكتور محمد راشد يكتب عن القطاع العقاري في السودان وقدرته على الصمود في مواجهه الحرب