د. محمد راشد يكتب :الاقتصاد السياسي للتطوير العقاري في مصر .. وإدارة التداخل بين العقار والمال

بقلم الدكتور محمد راشد

بات قطاع التنمية العمرانية في مصر يحتل موقعاً هاما في ديناميكيات الاقتصاد السياسي المصري خلال العشر سنوات الماضية، وخاصة في العقد الأخير؛ إذ ارتبط التطوير العقاري بخطط طموحة لتعظيم القيمة الاقتصادية للأراضي المملوكة للدولة في كافه التجمعات العمرانية سواء الجديدة أو القائمة بالفعل ، ومازال بها مخزون عقاري من الأراضي .

فمن الزاوية الاقتصادية، عمل القطاع العقاري كقاطرة لتوليد النمو والتشغيل في الاقتصاد ككل طيله السنوات الماضيه منذ عام 2013 بحكم ارتباطه بصناعات متعدده مغذية، مثل صناعات الأسمنت والطوب والسيراميك والزجاج والحديد والصلب والألمونيوم.

هذا بالإضافة إلي قطاعات خدمية أخري هامة في مجالات التسويق والإعلان والتسويق ، وفي سياق ذلك حدثت تحولات متسارعه في آليات مساهمة القطاع العقاري في مدى مساهمته للاقتصاد الوطني كجاذب رئيسي للاستثمارات والمدخرات المحلية بالأساس، رؤوس الأموال الأجنبية كذلك، وبالأخص من دول الخليج العربي.

وإمتد إرتباط القطاع العقاري إلى التكوين المجتمعي للمجتمع المصري، وهو مايترجم في أن الطبقات المتوسطة، وخاصة الشرائح العليا منها، طالما سعت إلى إعادة إنتاج وضعها الاقتصادي والاجتماعي من جيل لآخر من خلال سعيها نحو أفضل فرص الاستثمار ، فإن توجهاتهم الإستثماريهة تنطلق بقوه نحو شراء وتداول الوحدات العقارية بمختلف أنواعها ، وذلك حماية لمدخراتهم من التآكل جراء التضخم من ناحية، وتعظيم القيمه الإستثماريه لتلك المدخرات عبر الزمن من ناحية أخرى.

ومن الرؤية السياسية فهناك أمرين، الأول هو: إن قطاع التطوير العقاري، وما يرتبط به من قطاعات ومصالح بين الدولة والقطاع الخاص وجمهور المستهلكين، يُعد أمرا محوريا لأي فهم معمق للاقتصاد السياسي المصري مؤخرا ، و في سياق ذلك يمكن الحديث عن دور الدولة المركزي في تنظيم وإدارة المعروض من الأراضي المستخدمة للتنمية العقارية ، وكذلك التحكم في المخزون الهائل من الأراضي الصحراوية التي تمتلكها الدوله المصريه ، و المحيطة بالمدن الكبرى كالقاهرة، والمحاذية لمحافظات الوادي والدلتا.

وبالتأكيد تؤثر هذه الإدارة على التسعير والمضاربة، وإجمالاً، فإن الدولة كممثل وممارس للسلطة العامة تتوسط العلاقات بين المطورين العقاريين في القطاعين الخاص والعام من جهة، والمستهلكين النهائيين، من دافعي الأقساط الآجلة، من جهة أخرى .

والأمر الثاني في سياق تلك الرؤيه السياسية ، فهو متعلق بالتشابكات المالية بين الدولة والقطاع العقاري، إما عن طريق الأجهزة الحكومية المتعددة التي تنخرط بشكل مباشر في أنشطة البناء والتشييد عن طريق بناء الوحدات السكنية بشكل مباشر لأغراض الربح.

كما هو حال الشركات المملوكة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة؛ إما منفردة، أو بالشراكة مع القطاع الخاص المصري والأجنبي، ويُضاف إلى هذا شكل آخر من أشكال التداخل يتمثل في المهام التي تضطلع بها شركات مملوكة للدولة أو تابعة لبعض أجهزتها، أو من خلال مدّ البنية الأساسية والمرافق في المدن الجديدة والمشروعات العمرانية الكبرى، ، كما هو حال شركة العاصمة الإدارية الجديدة.

وأما ثالث أشكال التشابك فهو التدفقات المالية التي قد تحصل عليها الدولة من القطاع العقاري في صورة ضرائب على الملكيات العقارية المبنية، وهو الملف الذي حظي بالكثير من الاهتمام والتركيز في السنوات الأخيرة؛ بحثاً عن مصادر جديدة للإيرادات العامة أو في حالات تحصيل مبالغ من خلال تسوية المخالفات على النحو الذي ظهر في قانون التصالح بمسوداته وتعديلاته الأخيرة، وتختص الفئة الثالثة من العوامل المركزية التي يحتلها التطوير العقاري في مصر بمسألة تعريف وإعادة تعريف دور السلطة العامة في توزيع وتخصيص الموارد بين الفاعلين الاقتصاديين والمجتمعيين على اختلافهم وتنوعهم الشديد،  بدءاً من رأس المال الكبيرالنشط في البناء والتشييد والتسويق والتمويل، سواًء كان مصريا ًوأجنبياً، لا سيما الخليجي والصيني، والعلاقات بين الدولة والعديد من الطبقات الاجتماعية في الريف والحضر،سواًء الطبقات المتوسط ةبشرائحها المختلفة أو فقراء الريف والمدينة، وذلك إما من خلال توفير السكن بشكل مباشر أو غير مباشر، كما هو الحال مع مبادرات الرهن العقاري أو الإسكان الاجتماعي، أو بتنظيم استخدام الأراضي أو إزالة المخالفات وغيرها، وهي كلها أمور ذات جانب توزيعي، وبالتالي تمس صلب العلاقات السياسية، علي إعتبار أن السياسة هي اضطلاع السلطة العامة بتخصيص القيم والموارد

أن الهدف الذي بات ضروريا السعي نحو تحقيقه ، هو دراسه السياسات والأطر التنظيمية الحاكمة للممارسة الاقتصادية في قطاع محوري كالتطوير العقاري ، مما يمكن من تكوين إنتاج معرفي معلوماتي قوي حول القطاع العقاري المصري ، والذي أصبح بلا مجامله أو تجميل للصورة يعاني الكثير من التشتت بين مجالات معرفية قلما تتبادل الحديث وعادة ما ينعزل العاملون في كل منها عن غيرهم، من خلال الانكفاء على قضايا ذات طابع فني، وهو ما ينطبق على جميع العاملين في المجالات ذات الصلة؛ مثل القانون، أو التخطيط والتنظيم العمراني، أو تحليل السياسات والإدارة العامة، أو الاقتصاديين المتخصصين.

إذ إنه بالجمع بين هذه المجالات، في مدخل اقتصاد سياسي يتمتع بالمنهجية والكفاءة والاتساق، يمكن الإسهام في تشكيل رؤيه صائبه نحو تقديم معالجات محوريه لصلب صناعه التنميه العمرانيه، وتحديد أوجه الأرتكاز القويه ، التي تصنع نقاط إنطلاق حقيقيه ترسم ملامح ورؤي جديده لهذا القطاع المحوري.

حيث أن مدخل الاقتصاد السياسي ينبني على المعرفة المنتجة من شتى هذه المجالات، ولكنه يتجاوز المعرفة الفنية في دراسة وتحليل القطاع العقاري وتداخله مع مجالات كالتخطيط العمراني والتمويل والاستثمار نحو رسم صورة كبيرة .

فخلافا للاقتصاد الجزئي، فإن الاقتصاد السياسي لا يتناول قطاع التطوير العقاري باعتباره مجرد قطاع اقتصادي مجردا دون النظر إلى العلاقات السياسية والاجتماعية التي تحيط به، والتي تؤثر كثيراً على خلق القيمة الإقتصاديه ، وتوزيعها داخله وفي الاقتصاد ككل ، وعلى نفس النهج، فإن الاقتصاد السياسي يتجاوز الرؤية الفنية الضيقة للتعاملات داخل القطاع العقاري باعتبارها ذات أثر قانوني أو تنظيمي مجرد؛ تؤثر على مناخ الاستثمار، أو تكلفة النشاط الاقتصادي أو كمسألة تمس التخطيط العمراني في الريف أو الحضر.

ولفهم علاقات القوة السياسية والاجتماعية التي تحكم التداخلات بين التطوير العقاري والاقتصاد السياسي
المصري ككل ، فهناك ثلاثه محاور رئيسيه يتم الإستدلال من خلالها عن آليه تلك العلاقه:-

المحور الأول:- هو الأصل السياسي لإتاحة الأرض محل التطوير العقاري، ويعود هذا إلى تمتع مصر بمساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية ، والتي تمثل مجتمعة نحو 95% من إجمالي مساحة البلاد، وهي أراض في غالبها غير مأهولة بالسكان،وفي الوقت نفسه، فإن مساحاٍت كبيرة منها مرشحة للتطوير لأغراض التطوير العقاري أو الاستثمار الزراعي أو الصناعي أو السياحي بحكم ملاصقتها لأطراف الدلتا والوادي؛ بما يخلق فرصا ً عدة للتوسع الاقتصادي والديمغرافي نحو الصحراء.

ولعل ذلك مادفع العديد من الحكومات المتعاقبه علي حكم مصر منذ السبعينيات ، للتعبير عن رغبتها وخططها لاستغلال هذا المورد الضخم الممثل في أراض صحراوية فارغة؛ تارةً في إستراتيجيات الاستصلاح الزراعي، وتارةً أخرى في استراتيجيات تشييد المدن والمجتمعات العمرانيه الجديده ، وتارة ثالثة في التنمية السياحة العمرانيه، وهو ما قد جعل فرص إتاحة تلك الأراضي للتطوير العقاري – من الاستخدامات الممكنة للأرض – مسألة تقع في صميم سلطة الدولة من خلال أجهزتها المختلفة على المستويين المركزي كالهيئات المتخصصة والوزارات، وكذا المستوى المحلي كالمحافظات، والتي كان لها أن تضطلع بمهام التخطيط والتخصيص والإدارة.

المحور الثاني :- الانتقال من استخدامات السلطة لصلاحياتها السيادية عند التخطيط أو التخصيص أو الإدارة؛ إلى آليات السوق العقارية ممثلة في رسم وتشكيل منظومه طرح وتسعير الأراضي ، وذلك لتحقيق الربح عند تبادل القيم الاقتصادية الناشئة عن تسعير الأراضي وتطوير العقارات، ولا يتم ترك السوق أبداً مفتوحا لقوى العرض والطلب فحسب تتحكم في صياغه إليات عمله ، بل إنه يخضع في إطاره الحاكم لأفعال السلطة السياسية، خاصة إذا كانت هذه السلطة هي المتحكم في عرض الأراضي الصحراوية، كما هو الحال في مصر.

كما تزدحم السوق المصرية بالكثير من الفاعلين المباشرين أو غير المباشرين الهادفين للربح من القطاعين العام والخاص، بدايةً من الشركات المملوكة للدولة أو لبعض هيئاتها، وصولاً إلى تحقيق خزانة الدولة أو أحد فروعها لإيرادات أو أرباح من إدارة وتسعير الأراضي العامة.

، وفي خضم هذا، تكشف الحالة المصرية عن مناسبات عديدة لشراكات بين الدولة والقطاع الخاص، المحلي والأجنبي على حد سواء، وهو ما يجعل إستراتيجيات التطوير العقاري في مصر محلاً أساسياً للتفاعل بين الدولة ورأس المال،خاصة الكبير؛سواًءكان مصرياً أو أجنبيا ً ، ويتخلل دور الدولة كمطور أو كشريك من ناحية، وكمخطط لاستخدام الأراضي، دور ثالث للدولة باعتبارها السلطة المضطلعة بتنظيم المساحة العامة عن طريق عدد هائل من القوانين واللوائح المتحكمة في البناء والحيز العام والملكية الخاصة والتسجيل .

المحور الثالث:- وهنا يتم الحديث عن الآثار التوزيعية للأطر السياسية الحاكمة للتطوير العقاري في مصر، وهي مسألة لا تقف عند طرح الأراضي وعمليه التوزيع والتسعير فحسب ، والتي تٌعد قضية بالطبع غاية في الأهمية من الزاويتين الحقوقية والتنموية، ولكنها تمتد كذلك إلى آليات وركائز توزيع الأصول الثابتة والمالية في المجتمع بشكل عام؛ لأن قواعد إتاحة الأراضي، والتي تؤثر بلاشك على تفاصيل الاستفاده منها وفقا لما هو مخطط لها ، من التسعير إلى الأولوية القطاعية للاستثمار مروراً بالعديد من الأبعاد الاقتصادية الخاصة بالنمو والتوظيف، تحدد إلى حد كبير إلى من تؤول ملكية هذه الأصول المملوكة للدولة، والتي بحكم الدستور هي أصول عامة ينبغي أن يخضع استخدامها الكفء لأغراض تنموية، تشمل بالنفع القدر الأكبر من الناس بما يمكن الحكومه من رفع مستويات معيشه المواطنين ، وفي الحاله المصريه ، وبالنظر إلى التحولات في التي حدثت في العشره سنوات الأخيره في مصر، فإننا نجد أن إدارة الأراضي المملوكة للدولة – لا سيما التي تقع في الأحوزه الصحراويه ، نجد أنها ووفق روؤي تنمويه صائبه تمت صياغاتها وفق نماذج حديثه ومستحدثه لصناعه العمران عالميا .

، قد عكست المحورية المتزايدة للقطاع العقاري في الاقتصاد الكلي في مصر، ومحورية خطط الدولة لاستخدام مخزون الأراضي الصحراوية من أجل التوسع العمراني لإطلاق معدلات النمو والتشغيل بعد فترة ممتدة من التباطؤ الاقتصادي ، والتي سبقت عام 2013 .

وكمحاولة لتوليد فوائض مالية تؤول للدولة، بما يساعد في التخفيف من وطأة الأزمة المالية المزمنة وإجراءات التقشف، وبالتبعية، أصبحت إدارة الدولة لأصولها العامة الممثلة في الأرض محوراً أساسياً لتعريف العلاقة مع رأس المال، خاصةً الكبير، وعكست آليات التوجه الحكومي للدوله المصريه في إطار خطتها نحو إرساء وتأسيس مرحله جديدة في صناعة التنميه الإقتصادية بوجه عام ، والتنمية العمرانية علي وجه التحديد.

، وبالتالي أصبحت إستراتيجيات إدارة وتخصيص الأراضي الصحراوية، والمرتبطة باتجاهات الاستثمار العام في قطاعات بعينها، وفي جهات جغرافية محددة، مدخلاً وموقعاً لبناء تحالفات اقتصادية واجتماعية؛ ليس فقط بين الدولة والمستثمرين العقاريين، ولكن كذلك مع المستثمرين الماليين الذين أصبحوا يديرون الأرض كأصٍل مالي من خلال أنشطة التخصيم والتوريق والإقراض، وغيرها من أشكال التداخل بين العقار والمال في العقد الأخير.

وأخيرا ، إن إستراتيجية الدولة المصريه في إداره صناعه التنميه العمرانية هي جزء لا يتجزأ من تصورات التنمية الإقتصاديه العامه للدوله المصريه ، وهو ما كان سببا في تحديد وفهم مدي جدوي سياسات الانخراط في شراكات مع القطاع الخاص.

فهي كلها ذات آثار إقتصاديه إيجابيه توزيعية مباشرة وغير مباشرة علي كافه الشرائح الاجتماعية للمجتمع المصري من حيث جدواها الإقتصاديه ، ومدي مساهمتها في زياده ثمار عمليه التنميه ، لذا بات دائما ومن الضروري ، تبني مدخل الاقتصاد السياسي في صناعه التطوير العقاري لفهمها في سياقها، وتتبع تشعبها وتأثيراتها

بقلم  دكتور محمد راشد عضو مجلس ادارة غرفة التطوير العقاري

اقرا ايضا:

بنك «QNB» يوقع بروتوكول تعاون مع «صندوق التنمية الحضرية» لتمويل الوحدات العقارية

شركة«PastPay» الأوروبية تجمع 12 مليون يورو في جولة تمويلية من الفئة«A»

«باراجون» تتصدر الثورة التكنولوجية في العقارات المصرية

الرئيس التنفيذي لشركة «باراجون للتطوير العقاري»: نمو متوقع لقطاع التكنولوجيا  العقارية في مصر ومنطقة الشرق الوسط

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.