محمد فؤاد يكتب : تغيرات خريطة الإدخار و الإنفاق .. صناع العقار أول الخاسرين

بقلم محمد فؤاد الخبير العقاري وعضو جمعيه رجال الأعمال المصرية البريطانية

باتت الشركات العقارية الكبيرة والمتوسطة في مأزق نتيجة ارتباطها بمواعيد تسليم طويلة الأجل تمتد لعدة سنوات مع عملاءها ، بل إن بعض المشروعات الجديدة تم تجميع مقدمات حجز لها ودفع أقساط قبل بناء طوبة واحدة، في حين تضاعفت أسعار الخامات ومواد البناء الأساسية، بما يؤكد أن التكلفة الإنشائية للوحدة تضاعفت على المطور العقاري، ولو افترضنا أنه كان يحقق مكاسب 100%، فقد باتت هذا المكسب سراب، ولن يحقق حتى 5% من المستهدف، بالإضافة إلى المشكلات المتعلقة بتمويلات بناء الوحدات العقاريه ، وتكلفة التشغيل للعمالة.

كما أنه في الحقيقة؛ باتت المشكلة الفعلية في القطاع العقاري لا ترتبط فقط بأسعار مواد البناء والخامات الأساسية التي تعتمد عليها هذه الصناعة، لكنها في الأساس أصبحت ترتبط بقضية أعقد وأعمق من حيث التأثير الاقتصادي تحديدا علي ديناميكيات صناعه العقارات؛ وهى تراجع مستويات الادخار لدى الأفراد، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وهذا بدوره أدى إلى تآكل مدخرات قطاع كبير من الطبقة المتوسطة والتي تمثل في الحاله المصريه القوه الشرائيه الأكبر والأكثر تأثيرا ، والتي أصبحت غير قادره على تحمل أعباء ديون أو التزامات مادية طويلة الأجل، لا سيما إن كان حجم الأقساط كبير، ويزيد عن 50% من متوسط الدخل الشهري، إلى جانب احتمالية التعثر في سداد الأقساط لدى البعض، نتيجة زيادة الأعباء وثبات مستويات الدخل.

أنني أتوقع بل قد أكون علي يقين ؛ بأنه قد يتجه قطاع عريض من أبناء الطبقة المتوسطة إلى فكرة استبدال السكن بنظام التملك إلى نظام الإيجار المؤقت، لحين استقرار السوق، خاصة أن تكلفة الفرصة البديلة أفضل بالنسبة للمستهلك، فلو أنك تمتلك مليون جنيه وترغب في شراء شقة بموقع متميز ومساحة معقولة لن يلبي هذا المبلغ احتياجاتك.

وسوف تحتاج إلى الضعف، ربما أكثر حتى تحصل على هذه الفرصة، بينما لو تم توظيف هذا المبلغ “مليون جنيه” في صورة شهادات ادخارية مرتفعة العائد، وفق السائد الآن في البنوك ، وهذا جيد جداً لتوفير شقة مناسبة في أحد الأحياء الراقية، لذلك أتصور أن تكلفة الفرصة البديلة في قضية حيازة العقار ليست في صالح هذا القطاع، الذي تشبعت أسعاره بصورة مفرطة على مدار سنوات، وصار يعاني من تعثرات مزمنة لا يعرف أحد مستوى الأضرار المستقبلية التي قد تسببها.

إن السؤال الذي سيتردد على الكثير من الألسنة في هذه الأيام.. ماذا سيفعل من استثمر أمواله في عقارات ؟ وما الذي يمكنه فعله خلال الفترة المقبلة؟ أظن أن الاحتفاظ بالعقار في الوقت الراهن أفضل الطرق لتجنب الخسائر المحتملة، حتى وإن كانت الفرص البديلة ليست في صالح الحائز، لذلك من يمتلك عدد محدود من الوحدات السكنية في صورة استثمار عليه الاحتفاظ بها، لكن المشكلة الأصعب قد تواجه أصحاب المحافظ العقارية الكبيرة، فهؤلاء سيعانون نقصاً واضحاً في السيولة وضغوطاً نتيجة انكماش السوق، لذلك لن يجدوا مفراً من البيع بخسائر معتبرة أو تقديم تسهيلات وتنازلات لمن يمتلك “الكاش” أو بإمكانه توفير السيولة في أقل مدة زمنية ،

كما أتوقع أن أكثر من سيحقق خسائر في القطاع العقاري خلال الفترة المقبلة هم من يخططون للبيع بمنطق “الريسيل” أو إعادة البيع بعد دفع المقدم وبعض الأقساط، والحصول على ثمن الوحدة كاش من حائز جديد، فالخسائر المرتبطة بهذه الطريقة لن تقل عن 30%، نتيجة جفاف السيولة، وتضاعف احتياجات الأفراد، على مستوى كافة شرائح الدخل، لذلك لا أنصح على الإطلاق في الاستثمار العقاري على طريقة “الريسيل”، والفترة المقبلة سوف تكشف عن أولويات جديدة لدى المواطن المصري، الذي تغيرت لديه خريطة الدخل والإنفاق بصورة واضحة، وبات أكثر تردداً في الإقدام على خطوات لها علاقة بالاستثمار العقاري.

إن غياب الأرقام الدقيقة لحجم ما يتم إنشاؤه سنوياً في القطاع العقاري، أمر مربك جداً للمطورين العقاريين و زبائنهم على حد سواء، فلا يوجد إحصاء دقيق عن حجم الاحتياج الفعلي من العقارات الجديدة سنوياً، مع الوضع في الاعتبار رصد أعداد المساكن والشقق المغلقة، وفكرة “توريث العقار”، فالعقار ينتقل من الأب لأسرته وعمره الافتراضي، بات أطول بكثير من التقديرات القديمة، لذلك نحتاج دراسة علمية عن الاحتياج الحقيقي للوحدات السكنية سنوياً، سواء كانت هذه الوحدات موجهة للشباب ومحدودي الدخل، أو مصممة لتناسب احتياجات الطبقة المتوسطة أو مصممة بمواصفات فاخرة، وهذا أمر يسهم بصورة كبيرة في وضع خريطة حقيقية للاستثمار العقاري، دون أن يكون الموضوع مبني على تقديرات أو حسابات غير دقيقة، وبشكل شخصي لا أثق في أغلبها.